فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

مركز سراقب الثقافي في عداد الموتى

عبدالحميد حج محمد

منذ ترميمه في نهاية العام 2018 لم يشهد المركز أي نشاط ثقافي، واقتصر عمله على إقامة التدريبات والاجتماعات، تقول باكير إن السبب يعود إلى “قلة المهتمين بالثقافة”، مؤكدة أن ما يتم في المركز اليوم يخالف “الحلم الذي راود من سعوا إلى ترميمه”، فالمركز اليوم في “عداد الموتى” تصف باكير واقع الحال، وهي تحكي لنا عن أسباب أخرى تتعلق بالظروف والمشاكل التي يعيشها الناس من قصف وموت وسوء في الأحوال الاقتصادية ما أدى إلى تراجع الحركات الثقافية في المنطقة بكاملها.
عبد الرحمن سماق مدير المركز يقول إن الإدارة تسعى لإقامة النشاطات والأمسيات الشعرية في الأيام المقبلة لإحياء الحركة الثقافية، ويرجع تراجعها إلى الوضع الأمني الذي تشهده سراقب ومعظم الشمال السوري خلال السنة الماضية، من استهداف قصف متواصل.
لا يوافق عبد العليم زيدان رئيس المركز فيما ذهب إليه، يقول إن سراقب اليوم تفتقر للأدباء والشعراء، إلّا أن الموجودين منهم كانوا سيلبون أي دعوة لأمسية أو فعل ثقافي لو طلب منهم ذلك، إلا أن “القائمين على المركز لا يريدون أي عمل ثقافي”، بحسب قوله.

لم يعد المركز الثقافي في مدينة سراقب يضج بالحياة والثقافة كسابق عهده، بعد أن تحوّل إلى صالة للاجتماعات وورش التدريب، يقول بعض من التقيناهم إن طول مدة إغلاقه بسبب القصف الذي طاله وهجرة العديد من المثقفين والأدباء والشعراء من أبناء المنطقة إلى الدول المجاورة، والدور الجديد الذي يلعبه المركز حالياً كلها عوامل ساهمت في تراجع دوره بعد ترميم أجزاء منه، بينما يرجع المسؤولون عن المركز السبب في ضعف الحركة الثقافية في المركز إلى غياب الأمن وظروف المنطقة.

مركز سراقب منارة إدلب الثقافية

جنوب شارع السوق أحد أهم أحياء مدينة سراقب وبالقرب من مدرسة أحمد الحسين وفي فسحة مزروعة بالورد والأشجار يطالعك المركز الثقافي في مدينة سراقب، تصفه غادة باكير (ناشطة مدنية وواحدة من رواد المركز في السابق) بـ “رئة سكان المدينة التي كانوا يتنفسون من خلالها”.

تأسس المركز في العام 1992، وهو المركز الثقافي الوحيد في المدينة وما حولها، بحسب ياسر الصوفي (معاون مدير المركز سابقاً، ومدير معهد الثقافة) الذي قال إن عمل المركز اقتصر في البداية على بعض المحاضرات، إلّا أنه وفي السنوات اللاحقة استضاف عدداً من المحاضرين والمثقفين السوريين أمثال عارف دليلة والطيب تيزيني وغيرهم.

يتذكر الصوفي ما وصفه بـ “الزمن الجميل في المركز” يقول إن الإقبال على الفعاليات الثقافية التي كانت تستقطب أعداداً كبيرة من سكان سراقب وما حولها، وكانت تقام في المركز اللقاءات وحفلات إحياء التراث بشكل دوري، كما نظم المركز ولسنوات عديدة مسابقة شعرية سنوية باسم “جائزة عكاظ”، كما كان يضم معهداً للثقافة الشعبية يقيم دورات في مجالات الحياة كافة لأبناء المدنية والريف.

ويكمل الصوفي إن مكتبة المركز الثقافي في سراقب كانت من أهم المكتبات العامة في المنطقة، تضم نحو سبعة آلاف كتاب في مختلف أبواب الثقافة والسياسة والفكر، فيها “أمهات الكتب والعناوين الهامة” حصل عليها القائمون على المركز من خلال الزيارات الدورية لمعارض الكتب، وقدمت خدمة كبيرة للطلبة وهواة القراءة والمهتمين والباحثين.

المركز الثقافي في سراقب
المركز الثقافي في سراقب

 

“كان المركز الثقافي فسحة للحياة واللقاء بالناس ورعاية المواهب” يقول عبد العليم زيدان (أحد الشعراء من مدينة سراقب)، مؤكداً أن لمركز سراقب أهمية كبيرة كونه من أنشط المراكز الثقافية في سوريا، ويرى الصوفي إن المحاضرين والأدباء كانوا يدركون تماماً اهتمام جمهور سراقب بالثقافة وما يتمتع به من ذائقة فنية.

من مركز ثقافي إلى مجلس محلي

تحوّل المركز الثقافي منذ العام 2012 إلى مجلس محلي مع نهاية العام الأول من الثورة السورية، وتعرض قسم من مكتبة المركز للسرقة والاحتراق، قبل أن يتعرض المركز للقصف بالبراميل المتفجرة في تشرين الأول 2013، والذي أدى إلى دمار المبنى بشكل شبه كامل، وقتل نهاد شيخ ديب (رئيس المجلس المحلي آنذاك).

جانب من الدمار في المركز الثقافي بسراقب
جانب من الدمار في المركز الثقافي بسراقب

يقول الصوفي إن المركز بات “مباحاً” بعد القصف، الكتب تفرقت في الشوارع، وتعرض ما نجا منها للسرقة والحرق والتلف، وبعد أيام من استهدافه بادر المهتمون بالتعاون مع فصيل عسكري في المدينة بجمع بعض الكتب وتم إيداعها في مستودع “التوجيه المركزي”. يأسف الصوفي لما حدث من غياب للاهتمام بالكتب، يقول “الاهتمام بالطاولات الخشبية كان أكبر من الاهتمام بالكتب التي كانت موضوعة عليها”.

ست سنوات من الغياب

غابت الأنشطة الثقافية عن مدينة سراقب منذ قصف المركز الثقافي، يقول الأهالي إن ذكريات الأنشطة الماضية التي جمعتهم في صالات المركز الثقافي باتت طي النسيان خلال السنوات الست الماضية.

لم يعد هناك كتب لاستعارتها ولم تعد القراءة مهمة للشباب الحالي تقول باكير إنها وأقرانها من رواد المركز كانوا يتفاخرون بعدد الكتب التي يقرؤونها، مرجعة حالة التراجع الثقافي لغياب الأنشطة والمكتبات العامة في المراكز الثقافية.

ترميم البناء وماذا بشأن الترميم الثقافي

قام المجلس المحلي بترميم الطابق الأول من المركز المؤلف من طابقين، وتم تجهيز ثلاث صالات مخصصة للاجتماعات وصالة الضيافة وصالة الاستقبال، أما الصالة الرئيسية في الطابق الثاني فقد تعرضت للهدم بشكل كامل، ويضم المركز مكتبة وعدداً من الغرف الإدارية، إلّا أن عمليات الترميم توقفت لانقطاع الدعم وعدم قدرة المجلس المحلي على تأمين الكلفة اللازمة.

صالة الاجتماعات في المركز الثقافي بسراقب بعد ترميمها
صالة الاجتماعات في المركز الثقافي بسراقب بعد ترميمها

ومنذ ترميمه في نهاية العام 2018 لم يشهد المركز أي نشاط ثقافي، واقتصر عمله على إقامة التدريبات والاجتماعات، تقول باكير إن السبب يعود إلى “قلة المهتمين بالثقافة”، مؤكدة أن ما يتم في المركز اليوم يخالف “الحلم الذي راود من سعوا إلى ترميمه”، فالمركز اليوم في “عداد الموتى” تصف باكير واقع الحال، وهي تحكي لنا عن أسباب أخرى تتعلق بالظروف والمشاكل التي يعيشها الناس من قصف وموت وسوء في الأحوال الاقتصادية ما أدى إلى تراجع الحركات الثقافية في المنطقة بكاملها.

عبد الرحمن سماق مدير المركز يقول إن الإدارة تسعى لإقامة النشاطات والأمسيات الشعرية في الأيام المقبلة لإحياء الحركة الثقافية، ويرجع تراجعها إلى الوضع الأمني الذي تشهده سراقب ومعظم الشمال السوري خلال السنة الماضية، من استهداف قصف متواصل.

مضافة المركز الثقافي بسراقب
مضافة المركز الثقافي بسراقب

لا يوافق عبد العليم زيدان رئيس المركز فيما ذهب إليه، يقول إن سراقب اليوم تفتقر للأدباء والشعراء، إلّا أن الموجودين منهم كانوا سيلبون أي دعوة لأمسية أو فعل ثقافي لو طلب منهم ذلك، إلا أن “القائمين على المركز لا يريدون أي عمل ثقافي”، بحسب قوله.

أصبح المركز الثقافي صالة للاجتماعات الخاصة بالمجلس المحلي، يقول من التقيناهم من رواد المركز الذين تحدثوا عن فرض مبالغ مالية من قبل المجلس على من يريد القيام بالأنشطة الثقافية، الأمر الذي نفاه رئيس المجلس المحلي في سراقي محمود جرود والذي قال إن هذه المبالغ المالية تؤخذ كرسوم من بعض المنظمات للقيام بأنشطتها وتدريباتها أما التدريبات والأنشطة المحلية والثقافية فتكون مجانية ولا تفرض أي رسوم عليها.

يرى أحمد خطاب (مدير تجمع شباب سراقب الفني، وأحد رواد المركز المهتمين بالثقافة) إن الحرب خلقت حالة من عدم الاهتمام بالجانب الثقافي، إضافة لانقطاع المركز عن الخدمة لسنوات وما تركه غيابه من أثر، ناهيك عن هجرة أعداد كبيرة من السكان، “الفعل الثقافي يندثر شيئاً فشيئاً”، يكمل الخطاب وهو يرثي ما وصلت إليه المراكز الثقافية والتي تحولت من الحياة والخلق والفن والإبداع إلى مراكز تدريبية في أفضل الأحوال.

يمثل واقع المركز الثقافي في سراقب حال معظم المراكز الثقافية والمكتبات العامة في الشمال السوري، بعد أن أهمل دورها ليصبح في نهاية سلم الأولويات. دون تفعيل من المؤسسات والمنظمات المهتمة والتي غالباً ما تركز على الدعم الإغاثي.