فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الري عن طريق الضخ في ريف إدلب

مشاريع الري وأثرها على التنمية الزراعية في سوريا

فريق التحرير

  شكلت الزراعة 17.6% من الناتج المحلي الإجمالي في سوريا خلال العام 2010، ويعمل فيها نحو 15% من مجموع القوة العاملة أي قرابة 800 ألف عامل وفق دراسة أجراها مركز […]

 

شكلت الزراعة 17.6% من الناتج المحلي الإجمالي في سوريا خلال العام 2010، ويعمل فيها نحو 15% من مجموع القوة العاملة أي قرابة 800 ألف عامل وفق دراسة أجراها مركز حرمون. وتحتل الزراعة البعلية المرتبة الأولى فيها، تراجعت تلك النسبة خلال السنوات الثمان الماضية، إلّا أنها ما زالت تقدم ما يقارب نصف الإمدادات الغذائية في البلاد، بحسب “دانيال غوستافسون” نائب المدير العام للبرامج في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة FAO، والذي قال في المؤتمر المنعقد في بروكسل 2018 إن الزراعة تشكل سبيل النجاة للملايين من السوريين المستضعفين، وأضاف “من دون مساعدة إضافية لقطاع الزراعة وبرامج القدرة على الصمود في المناطق الريفية، ستستمر الزيادة في انعدام الأمن الغذائي والهجرة، وسيبقى الاستقرار بعيد المنال”.

الري في حوض العاصي

تغطي مياه نهر العاصي 20% من كمية المياه السنوية المستهلكة في سوريا والبالغة نحو 15 مليار م³، منها 2230 مليون م³ للري، إذ تتركز 17% من الأراضي المروية السورية داخل حوض العاصي.

مولدة على بئر ارتوازي في ريف إدلب
مولدة على بئر ارتوازي في ريف إدلب

يقول المهندس الزراعي مهند هلال إن الري في سوريا ينقسم إلى ري طبيعي يعتمد على مياه الأمطار وفيضان الأنهار، وري صناعي يعتمد على مياه الآبار أو تخزين المياه في السدود وشق القنوات المائية واستخدام حصاد المياه. وأضاف هلال إن فجوة مائية تشهدها منطقة الحوض يرجع أسبابها إلى الهدر وسوء استخدام المياه وإدارة الري في الزراعة كالحراثة العميقة والمكررة، والافتقار للغطاء النباتي بسبب استخراج المياه الجوفية بوتيرة عالية عبر الآبار العشوائية، كذلك تغير المناخ العالمي وارتفاع درجة حرارة الأرض نتيجة انبعاث ثاني أوكسيد الكربون.

ويعتبر سهل الروج من أهم المشاريع الزراعية المروية في المنطقة، إذ تستجر مياهه عبر قنوات من مياه عين الزرقاء إلى سد البالعة الذي يغطي نحو 85% من أراضي السهل، نحو 11 ألف هكتار، إلّا أنه توقف عن العمل بسبب انقطاع الكهرباء وتضرُّر المحطة والمضخات الرئيسية.

ومن مشاريع الري الهامة “سد الدويسات” قرب بلدة دركوش غرب إدلب، والذي يعد من أهم السدود التخزينية إلّا أنه يشهد انخفاضاً بمنسوب المياه نتيجة قلة الأمطار ما انعكس سلباً على مشاريع الأشجار المثمرة، وتهديداً للمساحات الزراعية المجاورة له، بحسب المهندس الزراعي عبد الله عبد الكريم (رئيس المصالح الزراعية السابق بمدينة دركوش).

ويضيف المهندس إن منظمة “أكتد” قامت بترميم السد بعد إبعاد القوة العسكرية عنه بموجب اتفاق، وتصليح المعدات وتغيير “السكورة” وتغيير الخط الرئيسي الذي يصل إلى الأراضي. ويحصل المزارعون على المياه دون الحاجة إلى مولدات أو مضخات، وذلك لارتفاع مكان السد عن الأراضي بنحو 100 متر، ما يولد ضغطاً جوياً قدره بـ “10” وحجم اندفاع للمياه بما يزيد عن ثلاثة أمتار.

تبلغ السعة التخزينية للسد نحو ثلاثة ملايين م³، وكان من المقرر أن تروي 290 هكتاراً، إلّا أن الأعطال التي طالت الخط الرئيسي وعدم إصلاحها حال دون ذلك، ما أدى إلى تحول قسم كبير منها إلى أراض بعلية مع جفاف قسم ليس بقليل من الأشجار، أو الاعتماد على حفر الآبار السطحية.

الضمان ساهم في تراجع الإنتاج المروي

يقول المهندس عبد الكريم إن هناك مساحات كبيرة في منطقة الزنبقي والتي تعود ملكيتها لأشخاص يسكنون في مناطق النظام وموالين له تم الاستيلاء عليها من قبل “هيئة تحرير الشام”، وتضمينها لبعض الفلاحين (الضمان ويعني تأجير  مواسم الأراضي الزراعية للأشخاص مقابل بدل مادي يتم الاتفاق عليه قبل القطاف)، وبسبب انقطاع المياه تعرضت هذه الأرضي لليباس، خاصة وأن الضامنين لم يؤمنوا بدائل لريها، إضافة لتضرُّر نحو 390 هكتاراً فيما يعرف بـ “مشروع غزالة”، كما تم اقتلاع الأشجار في المناطق البعيدة عن شبكات المياه وبيعها كحطب، وزراعة محاصيل بعلية مكانها كالحنطة والشعير.

التركستان يحولون سد عزمارين إلى قاعدة عسكرية

لم تفلح الوساطات من قبل المجلس المحلي والممثلين عن هيئة تحرير الشام بإخراج فصيل التركستان من محطة سد عزمارين (عزمارين قرية في إدلب تتبع لمنطقة حارم) لإعادة تأهيله من قبل منظمة أكتد، وهو ما دفعها لإلغاء المشروع. وكان السد قد تحول إلى قاعدة عسكرية بأبواب حديدية مغلقة لم نستطع الوصول إليه أو التحدث مع المسؤولين عنه.

والتركستان أو الحزب الإسلامي التركستاني هم مجموعة من المقاتلين قدموا من إقليم شينجيانغ الصيني وتشير التقديرات أن عددهم يصل إلى بضعة آلاف من المقاتلين مع عائلاتهم ويتحدثون اللغة التركية، وأعلنوا عن وجودهم في العام 2014، ليشاركوا في العمليات القتالية في إدلب ويسيطروا على منطقة جسر الشغور وما حولها (التواجد الأهم لهم) وذلك لطبيعتها الجبلية التي تشكل أفضلية في القتال، ويمتلكون خبرات قتالية جيدة، ويوصفون بـ “الرقم الأول في الجهاد”.

حلول بديلة للري في أراضي قرية عزمارين

يقول المهندس عبد الكريم إن منظمتي شفق وغول زودت مزارعي المنطقة ضمن إطار عملهما الإنساني ، في العام 2018، بعشرين منظومة ري بالطاقة الشمسية، كل منها تخدم بين ستة إلى ثمانية فلاحين، وهي عبارة عن ستة ألواح طاقة مع انفرتر ودينمو (سنطرفيش) لسحب المياه من نهر العاصي مباشرة على مدار الأسبوع.

مضخة مياه لري المزروعات في ريف إدلب
مضخة مياه لري المزروعات في ريف إدلب

وبحسب برهان كعدة (رئيس المجلس المحلي بدركوش) إن هذا المشروع يخدم عدداً قليلاً من الفلاحين، في حين يروي أكثر المزارعين أراضيهم على نفقتهم الخاصة بواسطة محركات تعمل على الديزل، وبتكاليف عالية تستهلك نحو 90% من ثمن محاصيلهم.

يقول أبو عبد الله (مزارع من دركوش) إنه وبعد توقف مشروع عزمارين يعتمد على ري أرضه من نهر العاصي عبر المولدة، بعد أن قام بتمديد “خراطيم الري إليها”، ويبلغ سعر المتر الواحد من هذه الخراطيم نحو ألف ليرة سورية، ناهيك عن أعطال المولدة وتكاليفها التشغيلية، إذ يقدر أبو عبد الله كلفة كل سقاية للدونم الواحد بـ 1500 ليرة، ما استدعى التقليل من ساعات الري الذي أدى إلى ضرر المحاصيل والأشجار، كذلك تجنب زراعة الخضراوات، سوى ما يكفي لمؤونة المنازل يتم زراعتها بين الأشجار.

غياب أنظمة الري والدراسات اللازمة

يقول المهندس مهند هلال إن حوض العاصي يحتاج إلى نظام ري للتخفيف من خطر انجراف وتلوث التربة والمياه الجوفية لرفع كفاءة المياه المتاحة، وإدارة الأملاح بمناطق انتشار الجذور وإدارة المناخ الموضعي تربة وهواء ونبات، وتحدث “هلال” عن ضرورة اختيار الوقت المناسب للري التكميلي ومراعاة مظهر النبات ورطوبة التربة والعمليات الحسابية من معدلات التبخر والنتح.

الري بالجيران في الأراضي الزراعية بإدلب
الري بالجيران في الأراضي الزراعية بإدلب

ويقترح المهندس “علي سلطان” ممثل مديرية الموارد المائية بدركوش “إيجاد جهة معينة لإدارة المشاريع لأن الفلاح بحاجة الكثير من المستلزمات أهمها مياه الري لأنها أساس نجاح أي عمل زراعي”.

حوض نهر قويق ومشاكل الري

توقف جريان النهر منذ بداية الثورة السورية في العام 2011، كما جفت معظم الينابيع المغذية للنهر، ومياهه حاليا تعتمد على الصرف الصحي والهطولات المطرية والقليل من تسريبات نهر الفرات، يقول المهندس أحمد رشواني، ما أثر على الزراعة المروية في أكثر من 300 قرية ممتدة على ضفافه كانت تعتمد على مياهه في سقاية المحاصيل الزراعية، بعد وصله في العام 2008 بقناة مياه للري من نهر الفرات، لتنظيفه من مخلفات الصرف الصحي، وإنشاء سد خان طومان لتخزين المياه القادمة من الصرف الصحي لحلب بعد تنفيذ محطة معالجة له، والاستفادة من مياه صرف حلب المعالجة ومياه الفرات القادمة من مسكنة غرباً ومن مياه السيحة.

الري بالتنقيط في ريف إدلب
الري بالتنقيط في ريف إدلب

وبحسب المزارع “محمد العثمان” من ريف حلب إن أصحاب الأراضي يعتمدون على مياه النهر “الملوثة” لسقاية أراضيهم عبر خراطيم بلاستيكية وبكلفة باهظة، ما دفع المزارعين لتضمين حقولهم بأسعار زهيدة أو زراعتها بالمحاصيل البعلية.

أما المزارع أسامة عبد الرزاق من مدينة الأتارب غرب حلب فقد قدّر كلفة حفر البئر الارتوازي في المنطقة مع تجهيزاته من مولدة وغطاس ومضخات بما يزيد عن 15 مليون ليرة سورية، ناهيك عن الكلفة التشغيلية وإيجار اليد العاملة وأسعار الفلاحة والبذار والأسمدة المرتفعة، وهو ما دفع الفلاحين لهجر أراضيهم أو التخلي عن سقايتها.

محمد عبد الرزاق (أحد المزارعين في ريف حلب ما زال يعتمد على المحاصيل المروية) قدّر كلفة السقاية للأرض بحسب ساعات التشغيل، (كل 24 ساعة تحتاج إلى برميل وقود) إذ يصل سعر برميل المازوت في المنطقة إلى 65 ألف ليرة، ويصف عبد الرزاق الوقود المكرر بدائياً بـ “السيء” ما يؤدي إلى أعطال دائمة في المولدة، مؤكداً خسارة الفلاحين للعام الحالي وذلك لعدم التناسب بين الكلفة والسعر، مع اعتماده على الري بطرق مختلفة ومدروسة كالتنقيط والرش.

من جهتها تقول أم عبد الله (مزارعة من جبل الزاوية) إن بئر الماء خاصتها تجميعي، ويحتاج لساعات طويلة لضخ خمس دقائق من المياه، ما أدى إلى جفاف الأشجار وتعرضها “للتصميغ”، وتقول إنها قطعت عدداً كبيراً من أشجارها لاستخدامها كحطب في الشتاء بعد يباسها.

طرق الري في الشمال السوري

يفرق المهندس عادل هواش بين ثلاثة أنواع من طرق الري في المنطقة، أولها طريقة الري بالغمر، والتي تعتمد على تقسيم الأرض إلى مساكب أو خطوط ومن ثم ملئها بالماء، وتعتبر هذه الطريقة قليلة التكاليف على المزارع ولا تحتاج إلى أنظمة أو عمال متدربين، إلّا أنها تفقد الفلاح القدرة على التحكم بكمية مياه الري المقدمة للنبات، ما يؤدي إلى كميات فائضة عن الحاجة تزيد من تملح التربة.

الري بالرزاز في أحد حقول ريف إدلب
الري بالرزاز في أحد حقول ريف إدلب

أما الطريقة الثانية فهي الري بالرش، وتكون على شكل رذاذ مطري، لا تؤدي هذه الطريقة إلى تملح التربة إلّا أن عيوبها تنحصر في تكاليف إنشاء الشبكة وزيادة الأعشاب بين المحاصيل، وصعوبة نقل الشبكات.

الطريقة الأخيرة هي الري بالتنقيط، وتعد أفضل الطرق وأسهلها وذلك لما تقدمه من توفير في كميات المياه وقلة انتشار الأعشاب، وإمكانية إضافة الأسمدة إلى مياه الري التي تصل إلى الجذر مباشرة.

الري بصهاريج المياه لحقول زيتون في إدلب
الري بصهاريج المياه لحقول زيتون في إدلب

ويعتمد كثر من المزارعين على الري بالصهاريج لعدم توفر المياه في أراضيهم لاعتماد الطرق السابقة، ويتراوح سعر الصهريج (30 برميلاً) بين (1000-1500 ليرة)، يقول المزارع إبراهيم المحمد من قرية (داديخ بريف إدلب) إن كل خمسة أشجار من الزيتون تحتاج إلى صهريج واحد في كل سقاية.

الأدوات بالدولار والمحصول بالليرة

يقول أسامة الرحمون (صاحب شركة الواحة لصناعة التجهيزات الزراعية) إن الخراطيم الزراعية ومن كافة المقاسات تباع بسعر 0.90$ للكيلو غرام، أما خراطيم التنقيط المستوردة من تركيا بطول 400 متر فتباع بـ 28$ للنوع الأول و 22$ للنوع الثاني، وخراطيم التنقيط الشجري (تركي الصناعة) بطول 300 متر فيباع بـ 15$، وخرطوم التنقيط الشجري نوع أول سعودي طوله 200متر وسعره 17$، وخرطوم التنقيط الشجري نوع محسن طوله 200متر سعره خمسة آلاف ليرة سورية، مرش كامل مع العدة سعره 22$، مرش كامل مع العدة من البلاستيك سعره 19$، إضافة لما تحتاجه هذه الخراطيم والمرشات من إكسسوارات.

وتعتبر هذه الأسعار باهظة الثمن على الفلاح السوري الذي يعاني ظروفاً اقتصادية سيئة، خاصة إذا أخذ بالحسبان حاجته لتبديلها خلال فترة قصيرة من الزمن بفعل تغير المناخ، كذلك تعرضها للكسر أو التلف بفعل عوامل بشرية، وهو ما أدى إلى تراجع الزراعات المروية في المنطقة، خاصة وأن المحاصيل تباع في الأسواق المحلية مع انعدام إمكانية تصديرها سواء إلى مناطق النظام أو إلى الدول المجاورة، وهو ما أدى إلى تراجع أسعارها مقارنة بكلفتها، وخسارة الفلاحين عاماً بعد عام، وهو ما دفع القسم الأكبر منهم إلى هجرة أراضيه أو زراعة محاصيل أخرى بأسعار جيدة كالزراعات البهارية والعطرية، إلّا أنها لا توفر أمناً غذائياً لسكان الشمال السوري الذين يعتمدون على القمح والبطاطا والخضراوات في حياتهم اليومية.