فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

أطفال الشمال السوري يعيشون رهابهم النفسي

عبد الرزاق الشامي

“ماما معو بارودة” يستقبلنا الطفل عمر (3 سنوات) في واحد من مخيمات ريف حلب الشمالي، يعيدها مرّات كثيرة وهو يختبئ خلف والدته باكياً في الوقت الذي ترتجف يداه الصغيرتان، يومئ بيده إلينا مشيراً إلى “كاميرا التصوير” التي نحملها وسط دهشتنا ومحاولتنا فهم ما يريد.
عمر طفل فتح عينيه على الحياة ليجد نفسه جزء من مخيم أُجبر على الحياة داخله، وشكّل ما يراه تصوراته الجديدة وخياله الطفولي، فباتت كل قطعة سوداء في نظره بندقية!
ليس عمر الطفل الوحيد الذي نقل لنا ما يحمله من خوف، تقول المدرسة هيفاء (أستاذة التاريخ بواحدة من مدارس ريف إدلب الجنوبي) إنها تحاول جاهدة تهدئة الأطفال كلّما سُمعت أصداء طائرة في الأجواء. غالباً ما يفشل المدرسون بذلك، وتحكي لنا قصة آلاء (9 أعوام من قرية كفرومه بريف إدلب الجنوبي) والتي تبدأ بالصراخ ما إن تسمع عبر أجهزة اللاسلكي قدوم أي طائرة، تقول إنها تصاب بـ “الرعب” وتركض بين الصفوف في المدرسة وفي الممرات، وكلما حاول أحد تهدئتها تزداد خوفاً وصراخاً حتى يغيب الصوت.
والدة هبة (6 سنوات من مدينة إدلب) تقول إن لطفلتها معاناة أخرى، فما إن تسمع صوت صفارة الإنذار حتى تصاب بـ “حالة اختلاج كاملة”، تضع يديها على أذنيها وتختبئ تحت السرير، ترافقها دوماً عبارة “ما بدي موت” بصوت يشبه الصراخ.
أما عبد الرحمن (وهو طفل مهجر من الغوطة الشرقية فقد ساقه بقذيفة استهدفت باحة المدرسة) فلم تفلح جميع المحاولات التي قامت بها الطبيبة “أماني بلور” مديرة مشفى الكهف في الغوطة الشرقية التي عالجت إصابته سابقاً بإقناعه للعودة إلى صفوف المدرسة، تقول إن كلمة “مدرسة” تحمل له “الرعب والهلع”، وإنه يعاني من صدمة نفسية، إذ ما يزال المشهد حاضراً في ذاكرته، وتخشى أن تستمر مدى الحياة.

تختلط أحلام الصغار الذين ولدوا خلال سنوات الحرب وشهدوا آثارها وتبعاتها من قصف وموت وتهجير ونزوح، ويحملون الجزء الأكبر مما تركته من اضطرابات نفسية وخوف، دخلت في تكوين شخصياتهم ما ينذر بجيل جديد صبغته آلة الحرب بصبغتها التي سيكون من الصعب تفاديها، وستحتاج إلى زمن طويل وخطة منهجية لإيقاف تداعياتها وسط صعوبة المعالجة التي اتفق الأطباء والاختصاصيون النفسيون على أنها ستكون أكبر لدى الأطفال، لأنهم لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم بسهولة ولا يمكنهم فهم المغزى وراء ما يشاهدونه، ولأنهم لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم بواسطة الكلمات فيلجؤون إلى طرق مختلفة للتعبير تتبدى في سلوكهم على شكل حركة زائدة أو تصرفات عدوانية أو بكاء متكرر.

“ماما معو بارودة” يستقبلنا الطفل عمر (3 سنوات) في واحد من مخيمات ريف حلب الشمالي، يعيدها مرّات كثيرة وهو يختبئ خلف والدته باكياً في الوقت الذي ترتجف يداه الصغيرتان، يومئ بيده إلينا مشيراً إلى “كاميرا التصوير” التي نحملها وسط دهشتنا ومحاولتنا فهم ما يريد.

عمر طفل فتح عينيه على الحياة ليجد نفسه جزء من مخيم أُجبر على الحياة داخله، وشكّل ما يراه تصوراته الجديدة وخياله الطفولي، فباتت كل قطعة سوداء في نظره بندقية!

ليس عمر الطفل الوحيد الذي نقل لنا ما يحمله من خوف، تقول المدرسة هيفاء (أستاذة التاريخ بواحدة من مدارس ريف إدلب الجنوبي) إنها تحاول جاهدة تهدئة الأطفال كلّما سُمعت أصداء طائرة في الأجواء. غالباً ما يفشل المدرسون بذلك، وتحكي لنا قصة آلاء (9 أعوام من قرية كفرومه بريف إدلب الجنوبي) والتي تبدأ بالصراخ ما إن تسمع عبر أجهزة اللاسلكي قدوم أي طائرة، تقول إنها تصاب بـ “الرعب” وتركض بين الصفوف في المدرسة وفي الممرات، وكلما حاول أحد تهدئتها تزداد خوفاً وصراخاً حتى يغيب الصوت.

والدة هبة (6 سنوات من مدينة إدلب) تقول إن لطفلتها معاناة أخرى، فما إن تسمع صوت صفارة الإنذار حتى تصاب بـ “حالة اختلاج كاملة”، تضع يديها على أذنيها وتختبئ تحت السرير، ترافقها دوماً عبارة “ما بدي موت” بصوت يشبه الصراخ.

أما عبد الرحمن (وهو طفل مهجر من الغوطة الشرقية فقد ساقه بقذيفة استهدفت باحة المدرسة) فلم تفلح جميع المحاولات التي قامت بها الطبيبة “أماني بلور” مديرة مشفى الكهف في الغوطة الشرقية التي عالجت إصابته سابقاً بإقناعه للعودة إلى صفوف المدرسة، تقول إن كلمة “مدرسة” تحمل له “الرعب والهلع”، وإنه يعاني من صدمة نفسية، إذ ما يزال المشهد حاضراً في ذاكرته، وتخشى أن تستمر مدى الحياة.

تحضر أوصاف الدمار والعنف والتهجير في حياة الأطفال السوريين بنسب عالية، وفقاً لمنظمة “أنقذوا الأطفال” التي أجرت استبياناً على 365 طفلاً خلصت فيه من خلال تقرير عنونته بـ “غداً أفضل.. للأطفال السوريين كلمتهم” إلى أن نصف المبحوثين الذين شملهم الاستبيان وصفوا العنف ودمار المنازل والبنى التحتية وصعوبة الحصول على الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة بالتحديات التي تواجههم وتواجه مجتمعاتهم.

وأشار التقرير إلى إن 30 بالمئة من الأطفال المشاركين في الاستبيان يشعرون بانعدام الأمان بشكل دائم، بينما قال 57 بالمئة منهم إن الحرب وانعدام الأمن هو التحدي الأول لهم، لتصل المنظمة عبر تحليل البيانات إلى أن نصف الأطفال في سورية نشؤوا وهم لا يعرفون شيئًا سوى الصراع والنزوح، مشيراً إلى طفل عمره أقل من 16 سنة، عاش طفولته في ظل الحرب أكثر مما كان يعيش خارجها، ودعا التقرير إلى العمل على تجنيب الأطفال السوريين تلك الانتهاكات.

يقول الطبيب النفسي موفق عموري (في إدلب) إن المشاكل النفسية التي قد تصيب الأطفال نتيجة المشاهد التي تعرضوا لها متدرجة ومتنوعة، تبدأ من مشاكل سلوكية وصعوبة في النطق إضافة للتبول اللاإرادي وقد تصل إلى كرب ما بعد الصدمة التي تؤدي لاحقاً الى استعادة ذكرى الصدمة بشكل قسري، مخلفة طفلاً مختلفاً عن أقرانه يميل دائماً إلى العزلة ويرفض الانخراط في الأنشطة التي يقوم بها الأطفال، سواء الدراسية أو الترفيهية، ومحاولة تجنب كل ما له علاقة بذكرى الصدمة والهرب من استحضارها.

ينصح الطبيب باللجوء إلى العيادات النفسية أو الاستشارية لتشخيص حالة الأطفال الذين تظهر عليهم اضطرابات نفسية أو عدوانية زائدة، ووضعها تحت الدراسة وإيجاد طرق لمساعدتهم على التخلص منها، كذلك يطالب الأهالي باستيعاب مشاعر الأطفال ونقل الشعور بالأمن لهم، وإتاحة الفرصة للأطفال من أجل تفريغ ما يجول في خواطرهم، خاصة في الحالات التي تظهر عليها اضطرابات نفسية بسيطة، وهو ما أكدت عليه المستشارة النفسية نارمين خليفة (من إدلب) والتي قالت إنها ومن خلال جلسات الدعم النفسي التي يقوم بها المركز الذي تعمل به لاحظت أهمية هذه الجلسات في تعزيز الثقة والشعور بالأمن لدى الأطفال، كذلك ثقتهم بأنفسهم وانخراطهم في الأنشطة المختلفة مع أقرانهم.

تطالب خليفة أهالي الأطفال بعدم إظهار مشاعر الخوف والقلق أمام الأطفال، وإعطائهم معلومات حقيقة لكنها غير مخيفة، بحسب مستوى فهمهم وفئتهم العمرية، والإنصات لهم وتجنب كبت مشاعرهم، كما تنصح في بعض الحالات مراجعة الأطباء الاختصاصيين وعزل الطفل عن مشاهد العنف سواء على أرض الواقع أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

الأطفال هم الفئة الأكثر استضعافاً بين ضحايا الحروب، خاصة وأن أكثر من خمسة ملايين طفل سوري يعانون من آثار الحرب خلال السنوات الماضية، بحسب تقارير الأمم المتحدة، لتبقى الآثار النفسية أكثرها دواماً، بعد أن شكلت مشاهد الخوف والموت والدمار جزء كبيراً من وعيهم وسلوكهم، ومن المحتمل أن تشكل مستقبلهم أيضاً إن لم يتسنى معالجتها بالشكل الأمثل.

عبد الرزاق الشامي