فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

مركز يوم جديد لرعاية التوحد ومتلازمة داون. أرشيف

مرضى التوحد في إدلب.. ضحية غياب المراكز المختصة وجهل السكان

مرضى التوحد في إدلب

أشارت إحصائية غير رسمية قام بها أحمد البيوش مدير مركز “يوم جديد” المختص بعلاج الاضطراب النفسي في مدينة كفرنبل والطبيبة رانيا خليل (طبيبة في المركز) إلى وجود ما يزيد عن 700 طفل مصابون بالتوحد أو ما يعرف علمياً بـ “متلازمة داون” في ريف إدلب الجنوبي حتى أواخر العام 2018، تقول الطبيبة العامة رانيا والتي كرست اهتمامها على البحث في الاضطرابات النفسية وكيفية علاجها وتطوير قدراتها في هذا المجال إن ظروف الحرب والضغوط النفسية ونقص الفيتامينات الهامة خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من الحل زادت من أعداد مرضى التوحد في المنطقة وبدرجات متفاوتة، إلّا أن هذه الإحصائيات بقيت قاصرة بحسب الطبيبة لرفض عدد كبير من الأهالي التعاون وكذلك إخفائهم لمرض أطفالهم خوفاً من التبعات الاجتماعية.

يقول البيوش إن المركز وخلال فترة عمله كان يقدم الخدمات اللازمة لـ 27 طفلاً من مدينة كفرنبل وما حولها، وهي نسبة قليلة إذا ما قورنت بأعداد أطفال التوحد في المنطقة، يرجع ذلك لأسباب كثيرة أهمها الفهم الخاطئ لطبيعة المرض وعدم تقبل الفكرة من قبل الأهالي الذين تحفظوا على أطفالهم وأبعدوهم أحياناً عن عيون الناس ورفضوا السماح لهم بالخروج وممارسة حياتهم الطبيعية، كذلك الظروف المادية السيئة التي يعيشونها والتي تحول دون القدرة على إيصالهم إلى المراكز القليلة (هناك مركزان في ريف إدلب الجنوبي فقط، وتوقفا عن العمل بسبب انعدام التمويل وظروف الحرب)، وعدم ثقتهم بنجاعة العلاج والاكتفاء بـ “الحوقلة والتحسب”.

مركز يوم جديد لرعاية التوحد ومتلازمة داون. أرشيف
مركز يوم جديد لرعاية التوحد ومتلازمة داون. أرشيف

وتبدأ أعراض التوحد، وهو اضطراب خلقي يحدث نتيجة وجود كروموسوم زايد في خلايا الجسم يتسبب في مستويات متفاوتة من الإعاقة العقلية والاختلال الجسدي، بالظهور في عمر السنة وحتى السنة والنصف، إلّا أنها تصبح واضحة في مرحلة الطفولة المبكرة (2-6) سنوات، وتكون نسبة حدوثها عند الذكور أعلى منها عند الإناث، ويكون مرضى التوحد “ذوي ملامح مميزة في الوجه، شكلهم الجانبي مسطح، الأذنين الصغيرتين، العينين المائلتين والفم الصغير والرقبة قصيرة، كما يعاني هؤلاء، غالباً، من التخلف العقلي بدرجة معينة. وتتفاوت حدة علامات المرض من مريض إلى آخر، لكنها تتراوح، بشكل عام، ما بين الخفيفة جداً والمتوسطة”.

تفهم ومساعدة الأهل أول طرق العلاج

تقول نورة سجناوي (27 عاماً) إنها لاحظت علامات غير طبيعية في سلوك طفلها علي (سنتان)، كالتأخر بالنطق والدوران حول النفس والعزلة وعدم الاختلاط بأقرانه، وتكرار بعض الحركات ما دفعها للبحث عن طبيب لتشخيص حالة طفلها.

تخبرنا أن الطبيب “ياسر الكنج” وهو أخصائي بالأمراض العصبية شخص حالة طفلها بأعراض مرض التوحد، وشرح لها طبيعة المرض بوصفه مشكلة عصبية معقدة تتضمن ضعفاً في التفاعل والقدرة اللغوية، أضافة لحركات نمطية متكررة يطلق عليها “طيف التوحد” وتتفاوت حدته من الدرجة التي تشكل عائقاً في الحياة الطبيعية إلى عجز كبير يتطلب المتابعة ضمن مراكز الرعاية الصحية والأهل معاً.

كرّست نورة الحاصلة على “إجازة جامعية في الإرشاد النفسي” حياتها لمتابعة حالة طفلها، واعتذرت عن إكمال عملها بالتدريس، تقول إن “شهادتها التعليمية وكلام الطبيب شكلا حافراً ودافعاً مهماً لتحسين حالة علي السلوكية والاجتماعية”.

لا يوجد علاج دوائي لمرضى التوحد، وليست حالة علي نادرة بحسب والدته (يوجد طفل من بين كل 160 طفل في العالم تظهر عليهم أعراض طيف التوحد بحسب دراسة للأمم المتحدة)، ويقتصر علاجه على بعض البرامج في المراكز ومتابعة الأهل في المنزل، وهي الخطوة الأولى في المعالجة التي انتهجتها نورة قبل أن تبدأ رحلة البحث عن مركز لتقديم المساعدة.

تقول نورة إنها لم تجد سوى مركزين بريف إدلب الجنوبي أحدهما مدعوم من قبل منظمة UOSSM في قرية حزارين وهو ما التحق به علي والآخر بجهود تطوعية في مدينة كفرنبل باسم “يوم جديد”.

ستة أشهر من المتابعة في المركز وخطة العمل التي وضعتها الأخصائية “هند الناصر” لوالدة علي على شكل نشاطات دقيقة يومية كانت كفيلة بظهور علائم مُرضية على حالة الطفل، تقوم والدته إنه وبالرغم من رفضه وبكائه الشديد في البداية إلّا أنه بات قادراً على نطق بعض الكلمات البسيطة والأعمال اليومية وتحسنت قدرته على التواصل وانخفضت اضطراباته السلوكية بشكل تدريجي.

تقول الأخصائية هند الناصر “إن صغر عمر الطفل ومساعدة والدته له عززت عوامل النجاح بشكل أكبر، رغم الصعوبة التي نعاني منها مع كل طفل في البداية على اختلاف اعمارهم وحالتهم”، وتوضح أن كل حالة طفل هي مختلفة عن غيرها ببعض السلوكيات.

واجهت نورة انتقادات كبيرة من مجتمعها، ووصفوا ما تقوم به بـ “محض سراب لا طائل منه”، إلّا أنها ما تزال مستمرة في خطتها التي تعمل عليها لمساعدة طفلها “علي طفل يحق له العيش بشكل جيد، ويجب أن لا نستسلم لإعاقته” تختم حديثها ناصحة كل أم بالتزام الخطة العلاجية.

يتركون لقدرهم

لم يسعف الحظ شفاء (13 عاماً) بوالدة متفهمة كأم علي أو بمركز كالذي التحق به طفل التوحد، فعدم تفهّم أهلها وحالتهم الثقافية وسوء أحوالهم المادية حالوا دون حصولها على ما يلزم من علاج.

تفاقمت حالة شفاء لتصل إلى “العدوانية” في بعض الأحيان، واستسلم الأهل لكلام الطبيب منذ كانت في السادسة من عمرها بأن التوحد مرض لا شفاء منه، ما أفقدهم الرغبة بمتابعة حالتها. الطفلة شفاء تظهر عليها أعراض طيف التوحد بشكل كبير، فهي تقوم بالتأرجح والدوران، أحياناً تؤذي نفسها بضرب رأسها بالجدران، تهتم بتفاصيل غريبة كقطع ثياب معينة أو وسادتها الخاصة ومكان جلوسها ولا تسمح لأحد بلمسها أو الاقتراب منها، كما تقوم بأفعال مؤذية تجاه من يظهر عدم استيعاباً لتصرفاتها.

ازدادت حالة شفاء سوء بعدم تلقيها لأي تدريبات سلوكية، باتت تضرب أقرانها وتخرب أدوات المنزل وتصر على العزلة وعدم السماح لأحد بالاقتراب منها مهما كانت صلة قرابته بها واعتيادها عليه، يقول والدها إنهم “غير قادرين على التعامل معها أو فهم ما تقوم به”.

المراكز المتوقفة وعدم الدعم

يحاول البيوش إعادة افتتاح مركز يوم جديد بعد انقطاع عن العمل قارب السنة الكاملة، ويرى أن هناك حاجة ملحة لتأهيل ودعم هذه المراكز وتأمين احتياجاتها اللازمة سواء من جهات رسمية أو منظمات دولية، ويأمل إعادة النظر بحالة هؤلاء الأطفال بأسرع وقت ممكن، تجنباً لتفاقم حالتهم.

ويرى البيوش إن هناك افتقار أيضاً لأطباء مختصين، فقد كان المركز يستعين خلال عمله باستشارات نفسية من طبيب مصري عبر وسائل التواصل الاجتماعي لوضع الخطط والبرامج، سواء للمركز أو للأهالي في المنزل، إلّا أنه يؤكد إن عدداً من المتطوعين يقومون بأقصى جهودهم بعد خضوعهم لدورات ومحاضرات وإرشادات نفسية لمساعدة أطفال التوحد.

يختلف مستقبل علي عن ما آلت إليه حالة شفاء، تقول والدته إن العائلة هي حجر الأساس وعليهم أن يبحثوا عن حلول لأطفالهم في ظل غياب المراكز، خاصة وأن هناك العديد من المواقع الالكترونية ووسائل التواصل التي تتحدث عن برامج وخطط لمساعدة أطفال التوحد.