يستقبل مزارعو إدلب موسم التين هذا العام (ثاني أبرز محاصيل المحافظة بعد الزيتون) بكثير من التخوّف، بعد توقعات بتراجع الإنتاج السنوي وانخفاض في الأسعار وصعوبة الوصول إلى الأراضي للقطاف والتسويق.
بدأت علامات نضج ثمار التين تلوح على الأشجار في قرى وبلدات إدلب (تحتل المركز الأول بإنتاجه في سوريا، إذ تقدم ما يقارب نصف الإنتاج السوري الذي يحتل المرتبة الثالثة عالمياً بتصدير التين بعد تركيا وإيران)، والتي تشكل مصدر دخل للكثير من العائلات، إذ تقدر آخر الإحصائيات لوزارة الزراعة في المحافظة عام 2011عدد أشجار التين بما يزيد عن 880 ألف شجرة تتوضع على مساحة قدرها 3880 هكتاراً بمتوسط إنتاج يقارب 25 ألف طن سنوياً، ويتركز القسم الأكبر منها في مدينة معرة النعمان وكفرنبل وكنصفرة وجسر الشغور وقرى وبلدات جبل الزاوية والأراضي المحيطة بإدلب المدينة.
وشهدت السنوات الأخيرة اهتماماً كبيراً من قبل المزارعين بأشجار التين، وذلك لأسباب كثيرة يلخصها المهندس الزراعي محمد الخلف بوصفها شجرة معمرة (تعيش بين 70 إلى 100 سنة) وقلة الأكلاف المادية التي تحتاجها، وإمكانية زراعتها في كافة البيئات تقريباً، خاصة مع تراجع الهطولات المطرية، وقدرتها على التأقلم والعيش في بيئة قاسية لا تستطيع كثير من الأشجار المثمرة العيش فيها، وبأنها لا تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء والأسمدة ومقاومتها للآفات والأمراض، كما أن إمكانية “تجفيف التين” تمنحه ميزة أخرى، إذ لا تحتاج ثماره للتسويق المباشر ويمكن الاحتفاظ به لمدة طويلة، ناهيك عن ارتفاع أسعاره باعتباره سلعة مرغوبة للتصدير إلى كافة الدول العربية والأوروبية.
توقعات بتراجع الإنتاج هذا العام
يقول عدد من المزارعين الذين التقيناهم من أصحاب حقول التين إن إنتاج هذا العام سيشهد تراجعاً كبيراً في إدلب، وهو ما أكده المهندس الخلف، ويعزو المزارعين ذلك لأسباب تتعلق بالحملة العسكرية الأخيرة لقوات الأسد وروسيا على قرى وبلدات ريف إدلب الجنوبي بشكل خاص، والتي امتدت لتشمل معظم المناطق في المحافظة منذ نيسان الماضي، ما أثر على المواسم الزراعية في هذه المناطق التي تعتبر الزراعة فيها مصدر الدخل الرئيسي للسكان.
يقول الحاج عبد الكريم التعتاع (مزارع من ريف إدلب الجنوبي) إن المفاضلة خاسرة بين قطاف موسم التين وحياة أبنائه وأحفاده، ومع أن مصدر دخله الوحيد هو بيع ثمار التين بنوعيه (الطازج والمجفف)، إلّا أنه يرفض الذهاب إلى حقوله والمجازفة، آملاً بتحسن الأوضاع الأمنية خلال الفترة الحالية.
محمد السويد (صاحب أحد كروم التين في ريف إدلب) قال إنه اعتاد رعاية حقله باستمرار، إلّا أن القصف منعه من ذلك لفترة طويلة، وعند وصوله تفاجأ بقسم كبير من الأشجار قد قطعت بفعل الشظايا الصاروخية، واحتراق قسم آخر منها.
وكانت الأراضي الزراعية في المنطقة قد استهدفت من قبل قوات الأسد، ما اعتبرته تقارير صحفية ومنظمات إنسانية حملة ممنهجة لإحكام الحصار على المنطقة وإجبار أهلها على النزوح أو المصالحة، وحرمانهم من مصدر الدخل الأساسي الذي يعتمدون عليه.
يقول “الخلف” إن المعارك حالت من قدرة المزارعين على رعاية حقولهم، ما أدى إلى موت الأشجار الصغيرة التي تحتاج للسقاية، كذلك يتخوف الأهالي من القنابل العنقودية التي ألقيت على المنطقة ولم تنفجر، والتي وصفها أحمد الحمود (أحد المزارعين الذين رفضوا الذهاب إلى حقلهم طيلة الفترة الماضية) بـ “الألغام الموقوتة تحت الأشجار”.
ويتوقع الحاج فاتح الموسى (أحد التجار المحليين) أن تتراجع عملية شراء التين بنسبة تتجاوز الـ 60%، بالمقارنة مع الأعوام السابقة بسبب ترك الأهالي لأرزاقهم ونزوحهم الى أماكن أكثر أمناً.
تين بلا توب
نزوح الأهالي من قراهم خلال الفترة الأخيرة (أكثر من 600 ألف شخص نزحوا خلال الحملة الأخيرة إلى الشمال السوري بحسب منسقو الاستجابة)، وصعوبة التنقل حالت دون إتمام عملية إلقاح التين والتي يطلق عليها أهالي المنطقة “التتويب”، وتتم مع بدء ظهور ثمار التين “الطقيش”، وتلعب الدور الأبرز في تحديد كمية الإنتاج وضمان محصول وفير.
وتتم عملية “التتويب” عن طريق حشرة محملة بغبار الطلع موجودة داخل ثمار “التوب” الخضراء والمشابهة تماماً لثمار التين، حيث تنضج قبل نضوج الأخير بحوالي 40 يوماً في أشجار التين اللقح، ويتم قطفها في الصباح الباكر ووضعها في قلائد يتراوح عددها بين 10إلى20 حبة في القلادة الواحدة، ومن ثم توضع على أغصان شجر التين لإكمال عملية الإلقاح بواسطة حشرة البلاستوفاجا (وهي حشرة طفيلية مسؤولة عن تلقيح ثمار التين. حيث تبيض داخل الأزهار الأنثى لثمار التين البري، أو “الذكار”)، التي تخرج من فوهة الحبة وتذهب لتلقيح ثمرة التين الصغيرة، حيث يضمن المزارع بتلك العملية بقاء ثمار التين على أغصانها حتى نضوجها والحفاظ عليها من التلف والسقوط قبل أوانها.
“أكثر من 70% من ثمار “التوب” تصل من الريف الشمالي لمحافظة إدلب، وقد تعذر وصولها هذا العام نتيجة خوف البائعين من الدخول إلى المنطقة، كذلك لخلو معظم هذه القرى من سكانها” بحسب محمود “تاجر توب” والذي قال إن الريف الشمالي من إدلب شهد فائضاً كبيراً من ثمار التوب، نتيجة قلة الطلب عليه واستحالة إيصاله إلى الريف الجنوبي (المستهلك الأكبر)، مستدلاً على ذلك بانخفاض أسعاره في العام الحالي. ويشرح محمود بأن ثمن مئة حبة من “التوب” كانت تباع بما يقارب ألف ليرة في العام الماضي، ومع الكساد الحالي لا يتجاوز السعر مئة وخمسون ليرة.
يرى “الخلف” إن هذه العملية ضرورية لتنشيط نمو ونضج الثمار وبدونها تضمر الثمرة وتسقط قبل وصولها إلى مرحلة اكتمال النمو ما سيؤدي إلى انخفاض كبير في الإنتاج، كذلك حجم الثمرة وجودتها.
أسعار منخفضة
“لم يرتبط سعر التين بوفرته أو قلته هذا العام” يقول الخلف، والذي رأى أن أسباباً أخرى من شأنها رفع الأسعار لتعويض بعض الخسارة على المزارعين، أهمها فتح باب التصدير، وفتح المعابر لتسويقه سواء في المدن السورية الخاضعة لقوات الأسد، أو إلى تركيا ومنها إلى دول الخليج، وهو ما أكده الموسى الذي قال “إن أسعار التين في الأسواق ترتبط بالاستغلال وكذلك المضاربة بين التجار، كما تتغير الأسعار تبعاً لتغير صرف الدولار بالإضافة لفتح مجال التصدير”.
ويتراوح سعر التين في أسواق إدلب بين (500-700) ليرة، وهو سعر يصفه المزارعون بـ “الرديء” إذا ما قورن بالأسعار في الأعوام السابقة والتي وصل فيها سعر الكيلو غرام إلى (1500 ليرة).
يوجد 48 نوعاً للتين في إدلب أهمها “الكرسعاوي والشتوي والسوادي والعنزوكي..” وغيرها من الأسماء وجميعها مخصصة للأكل الطازج، كما يوجد الصفراوي والبياضي المخصص للتجفيف والتصدير للخارج.