فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الصورة من الإنترنيت

قراءات في مصير “شرق الفرات” بين المنطقة الآمنة والتحول إلى ساحة صراع دولي

ما يزال مستقبل شرق الفرات غير واضح في ظل تعدد أطراف الصراع الدولية في المنطقة، إذ تتزاحم روسيا وإيران لفرض كل منهما السيطرة على أبرز المناطق شرق سوريا، وسط مؤشرات […]

ما يزال مستقبل شرق الفرات غير واضح في ظل تعدد أطراف الصراع الدولية في المنطقة، إذ تتزاحم روسيا وإيران لفرض كل منهما السيطرة على أبرز المناطق شرق سوريا، وسط مؤشرات عن تنامي الصراع بين الطرفين، في وقت تهدد فيه تركيا بشن عمل عسكري في تلك المنطقة في حال لم يتم إنشاء المنطقة الآمنة شمال شرق سوريا، وسط مساع أميركية لوضع العراقيل في وجه أنقرة، فكيف سيكون مستقبل شرق الفرات؟

قالت وزارة الدفاع التركية إن أعمال إنشاء المنطقة الآمنة المزمع إقامتها شمال شرقي سوريا قد بدأ “فعلياً”، وهددت تركيا بإطلاق عملية عسكرية شرق الفرات إذا لم يتم إنشاء المنطقة الآمنة التي تقترح أن يصل عرضها إلى نحو 32 كم، تزامناً مع استمرار تجهيزاتها العسكرية على الحدود السورية التركية في إطار استعداداتها لشن عمل عسكري ضد “وحدات حماية الشعب” الكردية.

في المقابل أظهرت الولايات المتحدة الأميركية دعمها للوحدات الكردية عبر إرسال كينيث ماكينزي، قائد القيادة الأمريكية المركزية للمنطقة الوسطى مؤخراً، في زيارة نادرة إلى مناطق “الإدارة الذاتية” الكردية، في خطوة عكست رغبة واشنطن بعدم التخلي عن شركائها في المنطقة، وتوجيه رسالة إلى أنقرة بأنها غير راضية عن تهديداتها المتكررة حيال نيتها اجتياح مناطق شرق الفرات.

وفي السياق ذاته طرحت فرنسا الأسبوع الماضي مبادرة حول مستقبل شرق الفرات، تهدف لإيجاد نوع من التفاهم بين “المجلس الوطني الكردي”، وحزب الاتحاد الديمقراطي “PYD” الكردي، وصولاً لاتفاق شامل إدارياً وسياسياً وعسكرياً وأمنياً، على أن يكون الضمان لتنفيذ الاتفاق عودة بشمركة كردستان سوريا (أو ما يُعرف باسم بشمركة روجافا وهي الجناح العسكري للمجلس الوطني الكردي)، ووجود الحماية الدولية بقيادة أمريكية.

وفي ظل تعدد السيناريوهات المحتملة قال عضو الكتلة الوطنية الديمقراطية والناشط السياسي سائد الشخلها إن “تركيا لا ترغب أصلاً في إقامة المنطقة الآمنة، وهي لم تكن سوى فكرة طرحتها لأخذ مكاسب على المستوى السوري، وقد حصّلتها إما بشكلٍ مباشر كمناطق درع الفرات وغصن الزيتون، أو بشكل وعود مستقبلية لم تفصح عنها، خاصةً أنها على خلاف واضح مع الولايات المتحدة الداعم الأول لفكرة المنطقة الآمنة”.

وأوضح الشخلها لموقع فوكس حلب أن “تركيا خلطت الأوراق في المنطقة، وتخلّت عن رغبتها بحماية إدلب لصالح الحل الروسي الرامي لإنهاء آخر معاقل المعارضة السورية هناك، والذهاب نحو حلٍ سياسي، يضمن للأتراك السيطرة الكاملة على المناطق التي تسيطر عليها حالياً في ظل دويلات داخل جسم الدولة السورية المراد تشكيلها مستقبلاً”.

ومع تعدد الأطراف الدولية المتنازعة شرق الفرات، تابع الشخلها “لا أظن أن هناك تغيراً كبيراً على خارطة السيطرة شرق الفرات، فالولايات المتحدة ستبقى المسيطر على المنطقة، ولن ترغب بمشاركة أي شريك دولي لها في المنطقة، بل ستعتمد على الشريك المحلي (قسد)، بينما ستكون مناطق غربي الفرات تحت السيطرة الروسية والإيرانية بشريك محلي (النظام السوري)، في حين لن يكون هناك دورٌ للأتراك في المنطقة مستقبلاً”.

وفي إطار السيناريوهات المطروحة حول مستقبل شرق الفرات، ذكر موقع “باسنيوز” الكردي، أن اللقاءات مستمرة بين “قوات سوريا الديمقراطية” التي تشكل “وحدات حماية الشعب” عمودها الفقري، والأسد من أجل إعادة تسليم المنطقة إلى النظام بشكل رسمي ونهائي.

بدورها ذكرت شبكة “فرات بوست” أن قائد ميليشيا “فيلق القدس” الإيراني قاسم سليماني، زار مطلع الأسبوع الحالي البوكمال قادماً من الأراضي العراقية، برفقة تعزيزات كبيرة لحمايته، مشيرة إلى أن هدف الزيارة رفع معنويات ميليشيات إيران، استعداداً لأي هجوم أمريكي محتمل.

صدام روسي إيراني يلوح في الأفق

من جهة أخرى شهِدَت منطقة شرق الفرات بعض المؤشرات التي توحي بوجود صراع روسي إيراني في تلك المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية جغرافياً واقتصادياً.

وذكرت صحيفة “سفابودنايا براسا” الروسية أن خلافاً وقع بين الميليشيات الإيرانية من جهة ونظام الأسد بتحريض روسي من جهة أخرى، أفضى لحدوث معارك طاحنة في مدينة البوكمال شرق دير الزور، أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى من الطرفين، نتيجة الصراع على المكاسب والنفوذ، مشددة على أنها ليست المرة الأولى التي تقع فيها اشتباكات بين هذه الميليشيات.

ولا تعتبر الاشتباكات في البوكمال هي أولى بوادر الخلاف، وإنما بدأ التوتر بين إيران وروسيا منذ السيطرة على مدينة دير الزور نهاية عام 2017، حيث منعت موسكو حينها وسائل الإعلام الإيرانية من تغطية المعارك وخاصة في الميادين بريف دير الزور الشرقي.

في المقابل نفذت إيران عبر ميليشياتها سلسلة هجمات استهدفت بعض الجنود والضباط الروس بينهم جنرال روسي، وقامت بحل فرع الأمن العسكري في دير الزور المرتبط بروسيا، بينما نفذت الأخيرة اعتقالات جماعية طالت شخصيات مرتبطةٍ بإيران، فضلاً عن سيطرة موسكو على المعابر النهرية التي كانت تحت سيطرة طهران.

ويرى سائد الشخلها، أنه “رغم المؤشرات السابقة فإن روسيا لا تنوي حالياً إخراج إيران من شرق الفرات، خاصة وأن طهران تعتزم البقاء في المنطقة بشكلين الأول دعوي (شيعي) والثاني عسكري مليشيوي، بينما ستتواجد روسيا عسكرياً عبر إنشاء (قاعدة جوية في مطار دير الزور) واقتصادي من خلال آبار النفط وعقود إعادة الإعمار، وهو ما يُشكّل تكاملاً بين الدورين الذين تنويان موسكو وطهران القيام بهما في المنطقة”.

وأضاف الشخلها “قد تغيّر روسيا رأيها وتعمل على طرد إيران من شرق الفرات، في حال تم التوصل لاتفاق بينها وبين السعودية التي تعتزم السيطرة على المنطقة من خلال تشكيل قوة عسكرية قوامها العشائر العربية بدعم عسكري ولوجستي منها”.

بدوره قال مدير تحرير شبكة “الشرق نيوز” فراس علاوي: “ليس هناك حتى اللحظة قراراً روسياً بإخراج إيران من شرق الفرات، التي تعتبر المنطقة الأهم بالنسبة لطهران كونها تقع على الحدود العراقية السورية، وبالتالي تخدم المشروع الإيراني لفرض التشيّع من خلال السيطرة على تلك الحدود، التي تمكنها من فتح طريق بري يربط طهران ببيروت عبر بغداد ودمشق، بينما تكتفي موسكو في ضبط الأوضاع الأمنية في المنطقة خاصةً في حال اندلاع خلافات واشتباكات بين ميليشيات إيران والنظام السوري”.

وأضاف علاوي لموقع فوكس حلب أن “الخلافات التي حصلت شرق الفرات بين ميليشيات إيران من جهة وميليشيات النظام المدعومة روسياً من جهة أخرى، هي خلافات مؤقتة على تعفيش أو تجاوزات من الطرفين، أو ربما يكون هناك ضابط روسي في مناطق نفوذ إيران أو العكس يحاول الطرف الآخر التخلص منه واغتياله، لذلك لا تندرج تلك الخلافات ضمن محاولات روسيا إخراج إيران من شرق الفرات”.

في حين قال الصحفي نورس العرفي: إن “روسيا تسعى لإخراج إيران من كامل سوريا وليس من شرق الفرات فقط، كون طهران هي الشريك الأقوى بالنسبة لموسكو، وذلك لأنهما تدخلا في سوريا بشكلٍ رسمي بطلب من النظام السوري وفق ادعاءاتهما، لذلك تسعى روسيا لإخراج إيران للتخلص ممن يسعى لتقاسم المكاسب معها، وبنفس الوقت لترضي إسرائيل التي تطالب بذلك”.

حضور روسي ضعيف

لكن كيف يبدو الحضور الروسي في شرق الفرات وكيف هي توزع خطوط السيطرة هناك، وفي هذا الإطار قال سائد الشخلها “التواجد الروسي في شرق الفرات يعد ضعيفاً ليس لعدم أهميتها، بل هو تأجيل لصدام حقيقي سيحصل في المستقبل مع أطراف الصراع هناك (أميركا -إيران)، لذا تود موسكو خوض هذه الحرب وهي بكامل جاهزيتها والحصول على أكثر الأوراق التي سيكون لها الدور الأساسي في المستقبل في تحديد حصتها في المنطقة، ما سيسمح لها التفاوض بقوة وبدون أي إزعاج ممكن”.

ووصف الشخلها أن التواجد الروسي في شرق الفرات حتى اللحظة بـ “الخجول”، فلا تتعدى قواتها عدة مئات من الجنود والضباط، ولكنها صاحبة القرار العسكري بدون منازع في مناطق سيطرة النظام السوري والإيرانيين”.

وأشار الشخلها الى أن “روسيا تخطط لتعزيز وجودها شرق الفرات عبر إنشاء قاعدة جوية في مطار دير الزور، كما هو الحال في قاعدة حميميم الجوية بالساحل السوري، لكن المشروع الروسي في دير الزور مؤجل، كون تلك القاعدة الجوية ستكون قريبة جداً من القواعد الأمريكية، كما أن الأمن في المنطقة لم يستتب بعد”.

بدوره عزا الصحفي نورس العرفي سبب ضعف التواجد الروسي شرق الفرات إلى “عدم وجود أي مطامع لموسكو هناك، فأبرز آبار النفط والموارد الأساسية تقع غرب الفرات الذي تسيطر عليه أميركا، أما شرق الفرات الذي تسيطر عليه روسيا وإيران فقير بالثروات والنفطية”.

وأوضح العرفي “أن مطامع موسكو الأساسية في سوريا كانت في فرض نفوذها على المياه الدافئة في البحر المتوسط، وقد حصلت على ما تريد من خلال العقود التي أبرمتها مع نظام الأسد، التي أتاحت بموجبها للروس الاستيلاء على كل من مينائي طرطوس واللاذقية، إضافةً لإقامة قاعدة عسكرية قوية في الساحل السوري (قاعدة حميميم الواقعة في مدينة جبلة بريف اللاذقية)”.

وتعتمد روسيا لبسط نفوذها شرق الفرات، على قوات “الفيلق الخامس” الذي يضم في الغالب عناصر من المعارضة أجروا “تسوية” مع الأسد، إضافةً إلى اعتماد موسكو على قوات النظام السوري وميليشيات “الدفاع الوطني”، في حين تعتمد إيران على عناصر “حزب الله” والميليشيات الأفغانية والعراقية العاملة في المحافظة، إضافة إلى الميليشيات الشيعية المحلية، بما في ذلك “لواء الباقر” والفصائل العسكرية المكونة من سكان قريتي حطلة ومراط الشيعيتين.

من جهته قال فراس علاوي: إن “القوات الروسية تتواجد بشكلٍ قوي في مدينة دير الزور والمطار العسكري، بينما لها دوريات بسيطة في باقي ريف دير الزور ولاسيما قرب مدينة الميادين، أما الميليشيات الإيرانية فتسيطر على معظم شرق مدينة دير الزور، ولاسيما مدن وبلدات موحسن والعشارة والقورية والميادين والبوكمال”.

وأفاد علاوي أن “نهر الفرات يفصل بين أطراف الصراع، حيث تسيطر أميركا وحليفتها قوات سوريا الديمقراطية على ضفة، والنظام والروس والإيرانيين على الضفة الثانية من النهر، وربما تبقى خارطة السيطرة الحالية على ما هي عليه حتى الوصول إلى توافق سياسي معين، ولا شك أن اجتماع القدس نهاية الشهر الماضي الذي ضم مستشاري الأمن القومي الإسرائيلي والأميركي والروسي، قد تضمن الحديث عن عن كيفية توزيع خارطة السيطرة شرق الفرات وتحديد الدور الإيراني وضبطه، ولاشك أن المستقبل القريب كفيل بترجمته على أرض الواقع”.

وأضاف علاوي “في حال كان قد تقرر بموجب اجتماع القدس إخراج إيران بطريقة عسكرية أوسياسية، عندها يمكن أن تغطي موسكو هذا الانسحاب الإيراني وتوسّع نطاق سيطرتها هناك، بموجب تفاهمات ومصالح متبادلة مع واشنطن”، لافتاً الى أنه “في المدى المنظور فإن المباحثات الحالية بين تل ابيب وموسكو وواشنطن، ما زالت تتمثل في تفويض روسيا لإخراج إيران من جنوب سوريا ودمشق وحمص والساحل ولم تصل المفاوضات إلى شرق الفرات”.

هل يحصل صدام بين واشنطن وموسكو؟

الصراع شرق الفرات لا يقتصر على روسيا وإيران، وإنما هناك تواجد لأميركا التي تسعى لتحقيق المكاسب، ما يضع موسكو في حالة صراع آخر مع واشنطن، فهل يمكن أن يندلع صدام بين الطرفين؟

يرى المحلل العسكري المحامي ممتاز الحسن، أنه “وفق المدى المنظور، فإن المنطقة الشرقية بأكملها ستقع تحت النفوذ الأمريكي، لخاصيتها النفطية وثرائها الاقتصادي ولأن مساحتها تعادل ٤۱ % من مجمل مساحة سوريا”، مشيراً إلى أنه “من دون التنسيق مع أمريكا يستحيل على روسيا أن تشن هجوماً على المناطق التي تسيطر عليها (قسد)، خاصةً وأن واشنطن أطلقت يد موسكو في المناطق المتروكة أمريكياً حسب تصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين”.

أما سائد الشخلها أفاد أن “روسيا لن تقوم بشن عمل عسكري بنفسها هناك، بل سيكون عن طريق تركيا في حال تم التوصل لاتفاق معها، خاصةً أن أنقرة وقتها ستصبح شريكاً استراتيجياً لموسكو، وستقوّض دور الأمريكيين في المنطقة بضرب شريكها الكردي، ما سيحقق مصلحة مشتركة للروس والأتراك على حساب الأمريكيين الذين باتوا أقل انشغالاً بالملف السوري في الآونة الأخيرة”.

وأوضح أن “روسيا تنوي خوض حرب بالوكالة في شرق سوريا، بأذرع قد تكون تركية وسعودية ضد كل من الولايات المتحدة وإيران، بغية تحقيق مكاسب كبيرة قد تصل لإنشاء قاعدة عسكرية روسية كبرى شرق الفرات، وجني مئات الملايين من إيرادات النفط وعقود إعادة الإعمار”.

وفيما يخص خريطة السيطرة المتوقعة شرق سوريا، فهي تواجد تركي على طول الشريط الحدودي، وعمق أمريكي كردي في منطقة الجزيرة السورية، وتواجد روسي في منافذ وحقول النفط، وامتداد بري إيراني حتى الحدود العراقية ينافسه المشروع السعودي عليها، وفق ما ذكر الشخلها.

بدوره استبعد فراس علاوي شن روسيا عملاً عسكرياً واسعاً ضد أميركا شرق الفرات، مشيراً الى أنه “يمكن أن يكون هناك عمليات عسكرية استخباراتية عبر قوات النظام السوري، فقد حاولت موسكو عبر مرتزقتها التابعة لشركة فاغنر الهجوم على مواقع السيطرة الأميركية في الضفة الأخرى من نهر الفرات، لكن تعرضت لردٍ قويٍ من واشنطن، تسبب بمقتل وجرح العشرات من القوات الروسية”.