فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

حين أعلن “حسن جزرة” تحرير حلب

مصطفى أبو شمس

لا يمكن البحث في أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي عن يوم دخول الجيش الحرّ إلى حلب، إلّا ويكون مقطع الفيديو الذي يظهر فيه حسن جزرة أحد الخيارات الأولى المتاحة، […]

لا يمكن البحث في أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي عن يوم دخول الجيش الحرّ إلى حلب، إلّا ويكون مقطع الفيديو الذي يظهر فيه حسن جزرة أحد الخيارات الأولى المتاحة، ولا يمكن أيضاً محو هذا المقطع من ذاكرة الحلبيين (ثواراً وموالين)، بعد أن بات علامة فارقة في التحوّل من المظاهرات السلمية إلى العسكرة، ذلك الواقع الذي أنتجه بقاء الطاغية في الحكم وإطلاق يد الأمن والشبيحة مع تولّد حالة من اليأس بإمكانية تخليه عن السلطة أيّاً كان الثمن، وكذلك شعور السوريين الراغبين بالخلاص من “سوريا الأسد” بأنهم وحدهم وعليهم تغيير المعادلة لكسب تأييد دولي بأحقيتهم تلك، وعرفوا أنه لا يمكن بحال من الأحوال تغيير المزاج الدولي إلّا من خلال بدء الحراك العسكري والقتال لتعزيز حقهم في “الحرية والكرامة”، الشعاران المرافقان للثورة منذ بدايتها.

في مدينة كحلب بما تمثله من أهمية اقتصادية وسياسية وبشرية راهن كثر من أبناء الثورة على رجحان الكفة لصالحهم في حال السيطرة عليها، المناخ كان ملائماً في الأحياء الشرقية للمدينة، والتي احتضنت المقاتلين منذ اللحظة الأولى، كان ذلك ما يشبه الاستيقاظ من حلم، بين التصديق وعدم التصديق انتشرت بعض الحواجز على الطرقات، بعضهم يحملون سلاحاً فردياً “كالبانبكشن”، آخرون بلا أسلحة خرجوا بأيديهم، ومع المشاهد التي بثتها وسائل التواصل الاجتماعي، لحسن جزرة بوجه مكشوف وهو يحكي عن تحرير جزء من المدينة ويجاهر بالعداء لسلطة الخوف ويشتمهم جهراً كان لا بدّ من التصديق بأن قسماً من المدينة قد أصبح بيد الثوار، وأنه لا يمكن العودة إلى الوراء.

وجه حسن جزرة الذي أظهره الفيديو بابتسامته تلك هو ما تبقى من ذاكرة ما يشبه اليوم في العام 2012، نستعيده في كل مرّة لتذكر الرحلة الطويلة في حلب، والتي تغير معها وجه حسن جزرة نفسه، مع اختلاف النظرة لما قام به بين من رآه سارقاً وقاطع طريق، وبين من وجد فيه فطرية وشهامة السوري دون الموافقة على بعض سلوكياته.

ومن يتتبع مسار الثورة المسلحة في حلب فبإمكانه أيضاً الوقوف على بعض الحيثيات في مسيرة الرجل نفسه، بعد أن اتخذ لنفسه ومن معه جبهة طويلة ربما تكون الأعنف مع قوات النظام المتواجدة في الشق الغربي من المدينة، وتجمع مقاتليه حوله وطاعتهم له، بالرغم من عدم امتلاك الشاب وقتها لأي ثقافة أو تخطيط عسكري، واعتماده على ردة الفعل والتي كثيراً ما دفعته لفتح جبهة مع النظام يقودها بنفسه عند كل استفزاز عاطفي أو استثارة لمفهوم “النخوة” إن صح التعبير، أو حتى لتقديم مشهد حقيقي للصحفيين الذين يطرقون بابه.

شكل جزرة حالة مستعصية في المناطق التي سيطر عليها، وحصناً منع منتقديه في الفصائل الأخرى من القدرة على إنهائه، إلى أن انتهى به المطاف قتيلاً على يد داعش الذين استغلوا ورقة محاسبة المفسدين لتلميع صورتهم واجتذاب المقاتلين للانضمام إلى صفوفهم، وتأمين الحاضنة الشعبية المشرعة لوجودهم.

طغت صورة أفعال حسن جزرة التي سوقته كقائد عصابة للسرقة لا كثائر بسيط، كما ظهر في الفيديو الأول، على أذهان سكان المدينة، باستثناء بعض المخالفين لأعماله والسعداء بألفاظه التي شكلت حالة من السخرية المحببة ومادة دسمة للوازم يستخدمونها في الأماكن التي لا تحتاج إلى تنظير وصفة رسمية بالكثير من الادعاءات الكاذبة، ساعدهم في ذلك جرأة حسن على الحديث عبر مقاطع الفيديو وبطريقته ذاتها عن مواقفه من بعض ما نسب إليه، كوجوده في داريا وخلافه مع باقي الفصائل واتهامه بالسرقة وغيرها، ومرّت حادثة قتله بهدوء، حتى عند بعض المتعاطفين معه، ورأوا أن موته كان تصحيحاً لمسار الثورة الحقيقي وخلاصها من الذين يشكلون بأخطائهم عبئاً على استمراريتها ومادة تستخدمها وسائل إعلام النظام وبعض شخصياته بدمغ ثورة المدينة وثوارها بحسن وعناصره، لتبدأ المفاضلة بين حلب قبل الثورة وبعدها، وكان عليهم القول حلب تحت حكم بشار أم حسن جزرة.

مع طرد داعش من حلب ومحاربتها للفصائل المقاتلة لم يظهر ذكر القتيل حسن، ولم يتجرأ الجميع ضمه إلى قائمة الشهداء الذين قتلتهم داعش باستثناء قلة قليلة أعادت تذكره في مناسبات شخصية، وهو ما يجعلنا نرجح أن قتل حسن كان مطلباً داخلياً في المدينة قرأته داعش وقامت بتنفيذه، أو أن معظم من تبقى من فصائل في المدينة أرادوا التعتيم على قصته لتدفن معه أملاً في تجنب مصير مشابه، خاصة وأن سلوكيات كثر منهم لا تختلف إلى حدّ كبير عن تلك الأعمال التي نسبت إلى جزرة.

مع ضياع حلب وتهجير أهلها استعاد سكان المدينة ذاكرتهم عن حسن، هم اليوم يشاركون مقطع الفيديو الذي سجل في أول أيام دخول الجيش الحر إلى المدينة، يبدو أن علينا وفي ظل الظروف التي عايشناها خلال السنوات الماضية أن نعيد قراءة الأحداث، وأن نعطيها حقها من سردياتنا لنستعيد ثورتنا من جديد.