فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الصيد في إدلب.. تداعيات في ظل الحرب

ٲسامة الشامي

يتحدى عبد القادر الديب وأقرانه من الصيادين القلة، الذين ما يزالون يمارسون هذه الهواية، ظروف الحرب، يقولون إن المتعة والترويح عن النفس هو ما يدفعهم للاستمرار، يتتبعون أسراب الطيور في البراري برحلات صيد نهارية أو ليلية، يحملون بنادقهم و “مسجلاً للصوت عليه نغمة لتغريد طائر الحجل، والذي يجذب بصوته أسراب الطيور، نلتقطها بشبك منصوب فوق المسجل، أو نطلق عليها النار لاصطيادها”.
ظروف الحرب ألقت بثقلها على الصيادين، ففي الوقت الذي ما يزال عدد منهم يمارس هوايته أقلع كثر عنها، يقول حسين الطويل “عندما شعرت بالموت يلاحقنا من كل جانب، توقفت عن الصيد، أردت أن أعطي الطيور ما سلب منا خلال السنوات الماضية بالتمتع بالحياة”، أما أبو أسامة والذي رافقته مهنة الصيد لسنوات طويلة فقد أقلع عنها بعد مشاهدته “بعض النمامات التي اصطادها وهي تنزف”، يقول إنه رأى في تلك اللحظة “من أصيبوا في القصف من الذين يعرفهم، وهو ما دفعه لكره الصيد والتوقف عنه

ببنطال قطني يساعد على حرية الحركة والتنقل يُمضي مالك أبو أحمد غالب يومه على ضفاف نهر العاصي بالقرب من مدينة سلقين (غرب إدلب)، ينصب الشباك ويتنقل بين سنارات الصيد، بينما تترك شمس الصيف آثارها على وجهه ويديه.

“لا يمكنني العيش في مكان لا تتوفر فيه المياه والأسماك، فقد رافقتني هذه الهواية منذ الصغر، وباتت مصدر سعادتي ورزقي”، يقول أبو أحمد الذي اختصر ما يريد إيصاله لنا بـ “أن الصيد يعادل حياته كلها، ليس مهماً إن كان الصيد وافراً أم لا”.

نزوحه من قريته المتاخمة لنهر العاصي في سهل الغاب، وخسارته لبيته الذي دمر بغارة جوية وأرضه التي تنتظر حصاد “الشبيحة” لها بعد سيطرتهم على القرية كل ذلك لم يحرمه متعة الصيد، يشير إلى دراجته النارية وقصبات الصيد الطويلة والحقيبة المليئة بالمعدات وهو يخبرنا أنه يتجاهل ظروف الحرب والخسائر بمساعدتها، وهو ما يثير غضب زوجته التي تحاول منعه من الصيد، على حدّ قوله، ففي كل مرّة يصطدم بمعارضتها لهوايته كان يجيب “خدو واحد من الولاد ولا تمنعوني من الصيد”، لتحوقل زوجته مكتفية بضرب أكفها ببعضهما البعض، يقول إنها الحقيقة وعلى الجميع تصديقها.

في البقعة التي اختارها أبو أحمد للصيد هذه المرة يتجمع عدد من الصيادين، ليس بينهم سابق معرفة، تجمعهم الهواية وتغيب عنهم صفة التنافس، يتبادلون أحاديث جانبية دون اهتمام، بينما أنظارهم معلقة بسنارة الصيد، سرعان ما تنقطع ليتبع كل منهم شباكه، يتساعدون فيما بينهم أيضاً حين تستدعي الحاجة، ويتشاركون المعلومات والنصائح لإنجاح صيدهم، يقولون إنهم يهربون من أوجاع الحرب التي تختفي ملامحها في هذا المكان.

يصف عبد الكريم أبو زياد (من جبل الزاوية) رحلته مع الصيد الذي تعلمه زمن الثورة منذ خمس سنوات، يقول إنه يلجأ إليها كلما ضاق صدره “أنسى همومي وأنا أمارس الصيد، هي ترويح عن النفس”.

تناقص عدد الصيادين في المنطقة، يقول أبو أحمد الذي أرجع الأسباب لغياب الأمن وسيطرة قوات الاسد على معظم القرى المتاخمة للنهر، إضافة لاستهداف قواته للصيادين، كذلك حرس الحدود التركية الذين يمنعون الصيادين من الاقتراب إلى ضفة النهر المقابلة لحدودهم والتي تشكل خطاً فاصلاً بين الدولتين، ناهيك عن قلة معدّات الصيد وغلائها.

الأرانب والصقور في مأمن من الصيادين

لصيد الأرانب البرية مكانة في نفوس الصيادين، وهي هواية تراثية قديمة محبوبة ووسيلة تفاخر بين ممتهنيها، كانت تنتشر في أحراش جبل شحشبو وبعض مناطق جبل الزاوية وجبال حارم في محافظة إدلب، خاصة في الأراضي الصخرية أو تلك المزروعة بأشجار الزيتون المتلاصقة، والتي يقلّ فيها مرور أو تواجد السكان.

ويروي ماهر الخليل (صياد سابق) أن صيادي الأرانب كانوا يعتمدون على بندقية الصيد “الكسرية”، كما يطلق عليها أهالي المنطقة، وطلقات الخردق، غالباً ما يصحبون معهم كلاب صيد سريعة من نوع “سلوكي” أو “بوجي”، مهمتها اللحاق بالأرانب إن لم يطلق عليها الصيادون النار واصطيادها.

يقول الخليل إن هذه الهواية “انقرضت” في الشمال السوري، ويرجع ذلك لـ “غياب الأمان”، فالأرانب البرية تُصطاد في الليل أو مع ساعات الفجر الأولى، وهو ما يحول دون ممارستها في الظروف الحالية.

أما صيد الصقور والذي كان محط اهتمام عدد من الهواة في إدلب، يقطعون لأجلها مسافات طويلة نحو البادية السورية برحلات قد تستمر إلى أيام فقد غابت تماماً، يقول أبو علي الكندوشي (أحد صيادي الصقور من خان شيخون) إنها هواية ممتعة وذات مكاسب مادية عالية، بسبب غلاء أسعارها.

غالباً ما يخرج لصيد الصقور مجموعة من الصيادين يترافقون في رحلتهم بسيارة محملة لكافة احتياجات الرحلة التي قد تستمر لأيام، يتجولون في البادية، بعد إلباسهم لـ “حمامة” قميصاً شبكياً يسمونه “النقط”، يطلقونها عند رؤيتهم لأحد الصقور الذي ينقض عليها فيعلق بالشباك التي تعيق حركة طيرانه، يتبعه الصيادون أحياناً لبضعة كيلومترات قبل أن يسقط ويقومون بإمساكه، على حد قول أبو علي الذي رأى أن هذا النوع من الصيد قد انقرض “لم يعد هناك أمان في البادية السورية، ناهيك عن غياب المزاج والظروف الملائمة للبقاء في البرية لأيام عديدة”.

صيد الطيور البرية بين بين

بين الفينة والأخرى، وتبعاً لأجواء القصف والمعارك يخرج عدد من هواة صيد الطيور البرية إلى البساتين، يمارسون هوايتهم التي يحبونها ويطمعون بوجبة في الهواء الطلق، يحملون بنادق الصيد “الخردق” أو “بارودة الضغط” ويتتبعون طيور النمل والحجل والفري والغنبز.

 

يتحدى عبد القادر الديب وأقرانه من الصيادين القلة، الذين ما يزالون يمارسون هذه الهواية، ظروف الحرب، يقولون إن المتعة والترويح عن النفس هو ما يدفعهم للاستمرار، يتتبعون أسراب الطيور في البراري برحلات صيد نهارية أو ليلية، يحملون بنادقهم و “مسجلاً للصوت عليه نغمة لتغريد طائر الحجل، والذي يجذب بصوته أسراب الطيور، نلتقطها بشبك منصوب فوق المسجل، أو نطلق عليها النار لاصطيادها”.

ظروف الحرب ألقت بثقلها على الصيادين، ففي الوقت الذي ما يزال عدد منهم يمارس هوايته أقلع كثر عنها، يقول حسين الطويل “عندما شعرت بالموت يلاحقنا من كل جانب، توقفت عن الصيد، أردت أن أعطي الطيور ما سلب منا خلال السنوات الماضية بالتمتع بالحياة”، أما أبو أسامة والذي رافقته مهنة الصيد لسنوات طويلة فقد أقلع عنها بعد مشاهدته “بعض النمامات التي اصطادها وهي تنزف”، يقول إنه رأى في تلك اللحظة “من أصيبوا في القصف من الذين يعرفهم، وهو ما دفعه لكره الصيد والتوقف عنه.

أسامة الشامي