فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

المواسم الصيفية في إدلب.. أمن غذائي للمواطن وتعويض للفلاحين

محمد جميل

بالرغم من خسارة المزارعين لقسم من محاصيلهم الزراعية بسبب هذه الزيادة وما خلفته من آثار وآفات زراعية كـ “الأمراض التي سببتها الرطوبة العالية في التربة”، إلّا أن العمر يرى في ذلك فرصة سانحة للاستفادة من الرطوبة وتربة الحقول الغارقة بعد جفافها في زراعة المحاصيل الصيفية دون الحاجة إلى سقاية، خاصة في الأراضي المنخفضة والوديان والتي شكلت تجمعات مائية خلال فترة الشتاء.

تشكل دورة الزراعة الثانية أو ما يُعرف بـ “المزروعات الصيفية” مصدر أمن غذائي لما يزيد عن نصف السكان في سوريا، قسم كبير منهم يعتمدون عليها في تأمين الاحتياجات البيتية الرئيسية خلال أشهر الصيف أو “المونة” للشتاء، وأهمها البامياء والفاصولياء والبندورة والمقاتي والبطيخ وعباد الشمس، ونتيجة للتغيرات المناخية وشحّ مصادر المياه تراجعت الزراعة الصيفية والتي تكون في الغالب “مروية”، لأكلافها الباهظة، ليشهد هذا العام توجهاً من قبل ملّاك الأراضي لزراعتها “بعلاً” بعد ارتفاع في معدل الهطولات المطرية.

يقول المهندس الزراعي مفيد العمر (مهندس حقلي في المؤسسة العامة لإكثار البذار في إدلب، ورئيس مركز بحوث تل صندل الزراعي سابقاً) إنّ زيادة وصلت إلى ما يقارب مئتي مللتر في المعدل الوسطي للهطولات المطرية شهدتها مناطق ريف إدلب الشمالي هذا العام، إذ بلغت كميات الهطول ستمائة وخمسين مللتر، في الوقت الذي كان معدل الهطول في الأعوام السابقة لا يتجاوز أربعمائة وخمسين ميللتراً، وهو ما أدى إلى غرق بعض الأراضي وتلف المزروعات الشتوية في مساحة قدّرها العمر بما يزيد عن عشرة بالمائة من المساحات المزروعة.

 

وبالرغم من خسارة المزارعين لقسم من محاصيلهم الزراعية بسبب هذه الزيادة وما خلفته من آثار وآفات زراعية كـ “الأمراض التي سببتها الرطوبة العالية في التربة”، إلّا أن العمر يرى في ذلك فرصة سانحة للاستفادة من الرطوبة وتربة الحقول الغارقة بعد جفافها في زراعة المحاصيل الصيفية دون الحاجة إلى سقاية، خاصة في الأراضي المنخفضة والوديان والتي شكلت تجمعات مائية خلال فترة الشتاء.

وكانت تقارير دولية صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) قد أولت القطاع الزراعي في سوريا أهمية كبرى بوصفه محركاً للاستقرار والتعافي في المنطقة، مؤكدة على ضرورة دعم القطاع الزراعي والذي يشكل ما يقارب نصف الإمدادات الغذائية في المنطقة، وبفقدانه ستستمر الزيادة في انعدام الأمن الغذائي، إذ قدّرت في تقريرها الصادر في العام 2018 أن ثلث سكان سوريا (6.5 مليون نسمة) يعانون من الجوع الحاد، بسبب الخسارة في القطاع الزراعي والتي قدرتها بـ 16 مليار دولار.

لا تقتصر زراعة المحاصيل الصيفية على الأراضي المتضررة من الهطولات المطرية يقول أبو محمد (مزارع من بلدة زردنا بريف إدلب الشمالي)، والذي اختار زراعة “البامياء” في أرضه التي وصفها بـ “المنخفضة” ما حال دون زراعتها بالقمح كما اعتاد سابقاً، مقدراً حجم الأراضي المتضررة والتي بدأ المزارعون ببذارها بالمواسم الصيفية بما يزيد عن خمسين دونماً في البلدة، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بمئات الهكتارات الصالحة للزراعة فيها، إلّا أن عدداً كبيراً من الفلاحين بدؤوا أيضاً بدورة الزراعة الثانية بعد انتهاء موسم حصاد القمح والشعير والبقوليات في أراضيهم.

 

وشجع العمر المزارعين على اللجوء إلى الزراعة البعلية وذلك لما تمتاز به من قلة الأكلاف المالية وتحمل الأصناف المحلية كالبندورة واليقطين والبطيخ للعوامل المناخية المتقلبة ومقاومتها للأمراض، ما يسهم في التخفيف من أعباء الإنتاج ورش المبيدات، إضافة لما تحمله من قيمة غذائية لغناها بالعناصر المعدنية وارتفاع نسبة المادة الجافة، ناهيك عن مذاقها المميز عن المزروعات المروية.

 

وتشهد أسعار الخضار انخفاضاً ملحوظاً هذا العام في الشمال المحرر قياساً بالعامين السابقين، ومن المتوقع أن تسهم المزروعات الصيفية بزيادة انخفاضها لتتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن، يقول العمر والذي ربط التغيرات السعرية بقانون العرض والطلب، وزيادة الإنتاج وطرح كميات كبيرة منه في الأسواق.

يأمل المزارعون شمال إدلب بتعويض جزء من الخسارات التي طالتهم هذا العام، وذلك لأسباب عديدة أجملها عدد منهم بـ “الآفات الزراعية والأكلاف الكبيرة المترتبة على قطاع الزراعة وقلة الدعم وغيابه في كثير من الأحيان من قبل المديريات الزراعية ومكاتب الزراعة في المجالس المحلية، وعدم التكافؤ بين الكلفة وأسعار المبيع، مع انعدام فرص التصدير واللجوء إلى الأسواق المحلية لتصريف المنتجات، كذلك غلاء الوقود وإغلاق المعابر، وضعف القدرة الشرائية في المنطقة نظراً للظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشها الأهالي وقلة فرص العمل”.

محمد حمروش