فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

أبو أحمد “السكيفاتي” بين مطرقة وسندان حرفته القديمة

محمد الأسمر

متل “موظف الحكومة” يجيبنا أبو أحمد عن روتين عمله اليومي، فمنذ ثلاثين عاماً، يوم فتح دكانه الخاص، وهو يواظب على فتحه وإغلاقه في ساعة محددة، حتى اللحظة، بالرغم من ضعف العمل خلال السنوات الأخيرة، إذ لا يتعدى عدد زبائنه أصابع اليد الواحدة، ولا يسدّ ما يتقاضاه من عمله جزء من أكلاف حياته اليومية إلّا أن مهنته ودكانه أصبحا جزء من حياته لا يستطيع التخلي عنهما.

في مسافة لا تتجاوز خمسة أمتار مربّعة، وفي أحد أحياء إدلب القديمة، يضع أبو أحمد عدّته القديمة والتي رافقته لعقود كثيرة خلال عمله بإصلاح الأحذية “السكيفاتي” كما يطلق عليها، يرتبها بشكل لافت للنظر كل صباح وينتظر قدوم الزبائن إلى محله.

طاولة خشبية قديمة يضع عليها “مطرقة وشاكوش الدق وعدد من البنسات والأدوات الحديدية اللازمة لعمله” تتصدر واجهة محلّه الصغير، على اليمين ماكينة خياطة يدوية يستخدمها أبو أحمد في خياطة “الأحذية الرقيقة”، ويتكئ عليها حين خلوّ المحل من الزبائن، بينما امتلأت الجدران بصور قديمة لمدينة إدلب زادت من قدم المكان وأصالته.

اتخذ أبو أحمد لنفسه كرسياً عتيقاً في صدر المحل، واضعاً مجلساً لزبائنه بالقرب من باب دكانه، وهو كان مقعدنا عند زيارته للحديث عن مهنة الإسكافي القديمة التي ورثها عن والده، والتي بدأ بممارستها منذ عام 1952 يقول إنه ذهب إلى دكان والده ليخبره بحاجته بعض النقود المطلوبة لمتابعة دراسته الإعدادية، إلا أن والده طلب إليه التزام الدكان لتعلم مهنة آبائه، فهي “إن ما غنت بتستر”، على حدّ قوله.
ينظر أبو أحمد إلى دكانه الخالي من الزبائن، يقول ” سابقاً ما كنت تقدر تحط إجرك”، خاصة وأنه اختار موقعاً “استراتيجياً” مكتظاً بالسكان في المدينة، إلّا أن الأحوال تبدّلت وباتت مهنة الإسكافي كاسدة في هذه الأيام، ليصف حال دكانه اليوم بـ “المكان التراثي”، بعد دخول الصناعة الحديثة في مهنة الأحذية.

يقضي أبو أحمد ساعات طوال خلف طاولته يستحضر ماضيه، يقول إنه في البداية لم يكن مهتماً بتعلم الصنعة من والده، إنما أغرته “الخمس ليرات” التي وعده والده بتقاضيها عن عمله، فترك الدراسة واتجه نحو تعلم أسرار المهنة التي استهلكت ست سنوات من عمره لإتقانها، يقول “يومها لم تكن مهمة السكيفاتي صيانة الأحذية وخياطتها فقط، بل كانت وظيفته الأولى صناعة الأحذية بشكل كامل وحسب الموديل الذي يطلبه الزبون”.
عشرات القوالب كانت تنتشر في محل والده ليختار القالب المناسب لقدم الزبون، ويبدأ بقص الجلود وشدها على قالبها المناسب “في تلك الفترة كانت المهنة تدر دخلاً ممتازاً” ويصفها بـ “المهنة الذهبية”، بحسب أبي أحمد الذي قال “كنا نبيع القندرة بـ 15 ليرة بزمن كان غرام الدهب بأربع ليرات”.
يقطع أبو أحمد حديثه ويلتفت لشاب دخل إلى محله، فالحصول على زبون في هذه الفترة أمر جيد، لاسيما وأن أبا أحمد لم يستقبل أي زبون اليوم. يمعن النظر في الحذاء الذي جلبه الزبون بعين خبيرة ليقرر إن كان قابلاً للإصلاح أم لا، ثم يباشر عمله عبر مطرقة وسندان سئما هذه المهنة قبل أن يسأمها صاحبها.

يعزو أبو أحمد تراجع عمل الإسكافي القديم لدخول أنواع وآلات جديدة لإصلاح الأحذية، فمعظم المحال الجديدة مزودة بماكينة كهربائية تستخدم لخياطة أكثر سرعة وتقنية من المعدات القديمة وخاصة للأحذية الجلدية، وهو ما يجعل الزبائن تقصدهم، كذلك انتشار معامل الأحذية وتلك المستوردة من الخارج بأسعار مقبولة وبأشكال أكثر جمالاً و”أقل متانة”، يضاف إلى ذلك محلات “البالة” والتي بإمكانك الحصول منها على حذاء بجودة ممتازة وبأسعار لا تتجاوز ألف ليرة سورية.

متل “موظف الحكومة” يجيبنا أبو أحمد عن روتين عمله اليومي، فمنذ ثلاثين عاماً، يوم فتح دكانه الخاص، وهو يواظب على فتحه وإغلاقه في ساعة محددة، حتى اللحظة، بالرغم من ضعف العمل خلال السنوات الأخيرة، إذ لا يتعدى عدد زبائنه أصابع اليد الواحدة، ولا يسدّ ما يتقاضاه من عمله جزء من أكلاف حياته اليومية إلّا أن مهنته ودكانه أصبحا جزء من حياته لا يستطيع التخلي عنهما.