فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

جامع معرة النعمان الكبير.. شاهد على العصور

سناء العلي

وتبقى منارة المسجد الكبير المعلم الأثري الأجمل في المنطقة ولا يشابهها إلّا منارة المسجد الكبير في حلب، وتتألف من أبراج ستة، إضافة لبرج السقف العلوي، متساوية في الطول والعرض ولكل منها أربعة نوافذ تطل على الجهات الأربعة، ويتوسطها غرفة كانت توضع فيها المصابيح خلال شهر رمضان.

 

“الجامع الكبير” كما يطلق عليه أهالي معرة النعمان في ريف ادلب الجنوبي يعتبر من أهم المعالم الأثرية في المنطقة، ولا تزال ملامحه القديمة حاضرة بين جدرانه الشرقية والغربية والجنوبية، وفيها أثر وإضافات لحضارات متعددة بدءً من المعابد الوثنية إلى الكنائس مروراً بالعصر الإسلامي الذي صبغ الجامع بصبغات متعددة، إذ يضم آثاراً ونقوشاً وطرقاً في البناء تجمع بين الأزمنة الأموية والعباسية والعصر المملوكي والزخارف العثمانية.

للمسجد بابان أحدهما من الجهة الشمالية والثاني وهو الباب الكبير من الجهة الغربية، يُنزَل إليه بعشرة درجات، ويحاكي من حيث الهندسة المعمارية في شكله الحالي المسجد الأموي بدمشق والمسجد الكبير أو “جامع زكريا” كما يطلق عليه أهالي حلب، إذ تستقبلك بعد الدخول من الباب باحة كبيرة (60×50) تضم “الميضأة” وهي عشرية الشكل بالأعمدة من الداخل مثمنة الشكل من الخارج تعلوها قبة نصف كروية، و “المزونة” وهي بناء قديم للتعريف بوقت صلاتي الظهر والعصر اعتماداً على قياس الظل، تعلو المزونة قبة متوسطة الحجم تقوم على ستة أعمدة أسطوانية الشكل.

 

إلى الجنوب من الباحة يواجهك الحرم الجنوبي (58×12)، بنوافذه الستة وأبوابه الثمانية كبيرة الحجم، يستند على دعائم مربعة وأنصاف أعمدة تلتصق بالجدران، وتصطف ستة قباب مدببة الشكل على صفين وسط السقف. يزين شبكٌ حجري النوافذ في الجدار الجنوبي بزخرفات سداسية ما عدا نافذتين يغطيهما شبك حديدي مزخرف بنقوش وكتابات عربية نافرة.

داخل الحرم منبر خشبي قديم، بعرض (80سم) ومحراب يخلوان من النقوش، إلّا أن كتب التأريخ ذكرت كسوتهما بالرخام والفصوص والجص على شكل “المحاريب التزيينية في دمشق”، غابت معالمها بسبب ما تعرض له المسجد من حرائق، بحسب ابن الوردي.

أمّا الحرم الشمالي ويُسمّى “الحجازية” فهو أصغر حجماً، يقوم سقفه على دعائم مربعة ويخلو من القباب، ويصلي فيه الناس شتاء كونه أكثر دفئاً، وتتصل الحجازية من الجهة الغربية بباب المسجد الشمالي، بينما تتصدر لوحة كتابية نافرة أرّخ عليها (886هـ) الواجهة الجنوبية منها.

وتبقى منارة المسجد الكبير المعلم الأثري الأجمل في المنطقة ولا يشابهها إلّا منارة المسجد الكبير في حلب، وتتألف من أبراج ستة، إضافة لبرج السقف العلوي، متساوية في الطول والعرض ولكل منها أربعة نوافذ تطل على الجهات الأربعة، ويتوسطها غرفة كانت توضع فيها المصابيح خلال شهر رمضان.

تشير أغلب الروايات التاريخية أن الجامع الكبير كان معبداً وثنياً، ليتحول مع انتشار المسيحية إلى كنيسة، يقول الأستاذ شريف الرحوم (الحاصل على إجازة في التاريخ وأحد أهالي مدينة معرة النعمان)، إن الجامع بني كـ “معبد وثني في مكان كان يطلق عليه –ساحة الاوكولبتس- ثم تحول إلى كنيسة ومنها إلى مسجد، بعد دخول المسلمين إلى بلاد الشام”، ويضيف إن “نقفور فوكاس” امبراطور روما أحرق المسجد عام (357 هجري) ثم أحرقه ثانية الفرنجة عام (492 هجري).

شكل الجامع الكبير منارة ثقافية ودينية، وضم معهداً لتحفيظ القرآن والفقه وعلوم الشريعة أسسه الإمام أحمد الحصري، بحسب الرحوم الذي قال إن المعهد خرّج العديد من المشايخ وعلماء الدين وتوافد إليه طلاب العلم من مختلف المناطق السورية.

عدنان البارودي مؤذن الجامع يشغل حيزاً من المكان الذي التصق به منذ سنواته الأولى، ترعرع ونشأ في خدمته، وليتحول لحلاوة صوته إلى مؤذنه طيلة عقود مرت، ألفه الناس ويركنون لآذانه يقول من التقيناهم، خاصة في شهر رمضان المبارك، بعد أن يمتلئ الجامع في كل عام بالزائرين على موائد الرحمة للإفطار داخل المسجد.