فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

“بالخلاص يا شباب” أريد الاحتفاظ بالكتاب كله

فاطمة حاج موسى

“نعيش بفضل قدرتنا على نسيان أننا سجناء.. السجن ملائم لقراءات الصبر”، أقرأ مراراً، أعيد ترجمة الجملة وتحليلها، أحاول تدوينها فأفشل، أشعر بالقيد على معصمي، أستعير جملة “أفضل طريقة للتحرر من قيودنا.. فك قيد الحكاية”، أتنفس لأسأل نفسي، بعد ذلك الألم كيف بالإمكان أن يتحول “المعتقل/السجن” إلى لغة ساحرة غنية بالثقافة، بعيداً عن الأسطورة الجاذبة لشغف الناس وتأليههم، بل ببساطة الحديث عن التجربة التي لا مهرب منها إلا هي.

منذ شهر تقريباً كنا قد أنهينا في معهد الإعلام بجامعة إدلب البحث النظري في كيفية كتابة المقالات، لفت انتباهي أن كل ما هو حولنا يستحق “النقد”، الأدب الفنون الفكر السياسة الأطعمة، وأنه أي النقد يعطي الأشياء أبعادها الحقيقية وحتى المتخيلة، إذ تضيق الأشياء إن لم تناقش.

كان عليّ بناء على نصيحة الأصدقاء والمدرسين أن أدخل أولاً في عوالم القراءة التي تقاعست عنها لظروف شخصية، لأجد فيما كتبه عمر هشام عن القراءة بوصفها انتهاك محبب للذات دافعاً لأبدأ، كان انتظار الكتاب الأول ضمن مشروع تجربة القراءة ونقل شعورها وأحاسيسها مع كتاب بحد ذاته، مغرية ومحفزة في الوقت نفسه، بالنسبة لي على الأقل، ليأتي كتاب “بالخلاص يا شباب”، بداية راق لي عنوانه خاصة لالتصاقه الجذري بحالنا السوري وظروف الاعتقال والموت.

خلال البحث عن نسخة إلكترونية للكتاب كنت أتأرجح بين شعورين: شغفي للقراءة والاطلاع على الكتاب، والرهبة ليس فقط من اصطدامي بما أيقنت أن الكتاب، وقبل قراءته من خلال ما كتبه عمر عنه، سيكون مليئاً بمراجعات نفسية عليّ أن أتحضر لها جيداً، بل لأن الكتابة عن الشعور هي بحدّ ذاتها مصدر قلق وارتباك، كيف وإن كان الشعور بحسب المقال الأول دورات تنمية للضمير.

بدأت تصفح الكتاب في الفترة الأقسى من حياتي، كنت أحتاج فعلياً لشيء أعمق مما حدث معي، أردت ترسيخه واستبداله في مخيلتي، قلت إني أريد النهوض بقوة أكثر، رافق قراءتي مشروع أعمل عليه منذ وقت يخص المعتقلين، أو الناجين من الاعتقال، بدأت الأحداث تتداخل، لا أعرف إن كان مصادفة ولكن الكتاب كان يخيط الخريطة الذهنية لمشروعي الآخر، وبالأصح التعامل مع المعتقل كإنسان خرج من موت عميق لحياة جديدة.

شكلت صفحات الكتاب التي بدأت بالتهامها على عجل مفصلاً يتعلق بوجهة نظر خاطئة كانت دائماً تتملكني، قوامها أن المعتقل يفوق عالم البشرية من حوله، لكني فيما بعد تأكدت أن المعتقل إنسان طبيعي يخرج للضوء بانطباعات جديدة وملامح عادية.

طوال ساعات القراءة كان تفصيل لا يكاد يفارق مخيلتي، (لم تطق أمي أن يسجن ابنها ثم ابنان آخران. ماتت ولم يودعوها)، كانت الأمومة التي في داخلي تضيق على صدري الخناق، عند كل مرور للجملة تلك في الذاكرة. الكاتب إذن ليس وحيداً في الألم، هناك أخواه وأمه التي تجرعت أكبر حصة منه.

“نعيش بفضل قدرتنا على نسيان أننا سجناء.. السجن ملائم لقراءات الصبر”، أقرأ مراراً، أعيد ترجمة الجملة وتحليلها، أحاول تدوينها فأفشل، أشعر بالقيد على معصمي، أستعير جملة “أفضل طريقة للتحرر من قيودنا.. فك قيد الحكاية”، أتنفس لأسأل نفسي، بعد ذلك الألم كيف بالإمكان أن يتحول “المعتقل/السجن” إلى لغة ساحرة غنية بالثقافة، بعيداً عن الأسطورة الجاذبة لشغف الناس وتأليههم، بل ببساطة الحديث عن التجربة التي لا مهرب منها إلا هي.

لم أحتفظ كعادتي بجمل أدونها عند قراءة أي كتاب، “بالخلاص يا شباب” أردت الاحتفاظ به كله.