فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

راديو قديم من مدينة كفرنبل يستقبل صوت إذاعة فرش.

الأغاني المفرحة تغيب عن ذائقة المراهقين والحزن يسكنها

تطغى ثيمات معينة للحزن والحنين على الأغاني المتداولة في إدلب، قلّما تجد دندنة لأغنية مفرحة أو واحدة من تلك الأغاني القديمة لمطربين تعشقوا في ذاكرة الأهالي، لم تعد فيروز تعيش مع صباحات الريف الهادئ، كذلك غابت رفقة أم كلثوم وآهاتها عن لياليهم، بين هذا وذاك غابت الأصوات الجديدة لمطربين ومطربات، وربما صرعات جديدة من الموسيقا عن الحضور.

ليس ذلك سمة مطلقة في المدينة التي تعيش ظروف الحرب منذ سنوات، وإنما تكاد تكون السمة الأعم فيها، إذ لا تتصدر القنوات الفنية قائمة شاشات التلفاز، بينما وضعت أجهزة الكاسيت والسيدي في خزائن مغلقة، لتبقى الهواتف المحمولة نافذة الشباب في ملاحقة الأخبار، غالباً ما يكون الاهتمام مقتصراً على مشاهد وأخبار معينة تخص ظروف الحياة والواقع المعاش، بينما تنفلت بين حين وآخر عن قبضة الحزن أغنيات تعيد للذاكرة روحها.

اعتادت أم محمود أن تطلق لحزنها العنان مساء كل يوم، تتنهد وهي تعيد نغماً حزيناً من العتابا “الأكثر تداولاً على ألسن الأهالي في المنطقة” ترثي ولدها الشهيد، وتندب غياب ابنتها الوحيدة عن مراسم عزائه، تضمن الكلمات أحياناً أسماء أخرى لأصدقاء ولدها أو أقربائه، دون أن تأبه لكسر الوزن، كل ما يهمها أن تزفر ما في صدرها من ألم، علّها تستطيع النوم.

تطغى ثيمات معينة للحزن والحنين على الأغاني المتداولة في إدلب، قلّما تجد دندنة لأغنية مفرحة أو واحدة من تلك الأغاني القديمة لمطربين تعشقوا في ذاكرة الأهالي، لم تعد فيروز تعيش مع صباحات الريف الهادئ، كذلك غابت رفقة أم كلثوم وآهاتها عن لياليهم، بين هذا وذاك غابت الأصوات الجديدة لمطربين ومطربات، وربما صرعات جديدة من الموسيقا عن الحضور.

ليس ذلك سمة مطلقة في المدينة التي تعيش ظروف الحرب منذ سنوات، وإنما تكاد تكون السمة الأعم فيها، إذ لا تتصدر القنوات الفنية قائمة شاشات التلفاز، بينما وضعت أجهزة الكاسيت والسيدي في خزائن مغلقة، لتبقى الهواتف المحمولة نافذة الشباب في ملاحقة الأخبار، غالباً ما يكون الاهتمام مقتصراً على مشاهد وأخبار معينة تخص ظروف الحياة والواقع المعاش، بينما تنفلت بين حين وآخر عن قبضة الحزن أغنيات تعيد للذاكرة روحها.

تقول سعاد إن أمها “أم علي” أفرجت أخيراً عن ابتسامة بعد سماعها لطفلها محمد يدندن بأغنية “هات قلبي وروح”، تقول إن لهذه الأغنية مكانة في قلب الأم رفضت دائماً أن تخبرنا بقصتها، إلّا أننا نستخدمها كلما أردنا أن نرى وجه أمي مضيئاً بفرح.

“لا يرتقي فنّ إلا بمحاكاته لأوجاع الناس” يقول محمد الذي يرى في أغاني الثورة ومنشديها مكاناً لإراحة النفس والاستماع، ويسعد الرجل بتحوير جزء من الأغاني التراثية لترتبط بكلمات من رحم الثورة مع الحفاظ على اللحن.

لا يرى محمد أن تلك الأغاني أقل متعة ونشوة من الأغاني الطربية التي سادت في السنوات قبل الثورة، ولا عن العتابا والعديويات الموروثة في المكان، “هي تبكينا وتفرحنا”، وبذلك تؤدي جوهر الشيء المطلوب فيها، أيضاً هناك ارتباط بين ذاكرة تلك الأغنيات مع الأشخاص والأماكن، وتدفعنا لاستحضارهم عند سماعها، منهم من قتل، آخرون هجروا ودمرت أماكنهم، أما من تبقى فقد سافر بعيداً، وباتت تلك الأغنيات التي سمعناها سوياً أو اقترفناها معاً في المشاوير والقصف والموت والمعارك كل ما يربطنا بهم.

تخاف هيام أغنية “أبكي على شام الهوى” تقول إنها تعيدها دائماً لارتباطها بأمها المعتقلة منذ ست سنوات، هناك خط فاصل بين ما يدفعها لتكرار الأغنية وما يجبرها على الامتناع من إعادتها، تقول “أمي هي الشام التي أبكيها عند سماعي للأغنية”.

لكل جيل أغانيه ومطربيه التي ارتبطت بحياته وعشقه ومغامراته، بدت تلك الملامح منقسمة في جيلنا تقول “نسرين”، كان الشابّ غالباً ما يضع نغمة لجواله عن أحدث الأغاني لإثارة اهتمام الفتيات في الطريق أو في الحافلات، كانت الأغاني رسائل عند بعضهم من خلال الاشتراك بها كذاكرة واحدة، وكانت أحياناً “شيفرات بين اثنين لا يستطيعان البوح”، أما في الأعراس فكانت العتابا تحاكي النساء المستمعات على أسطح المنازل، ويعرفن مقصدها من خلال تلك الإشارات المضمنة داخل الكلمات.

وإن كانت الأغاني الجديدة قد وجدت طريقها إلى قلوب الجيل الجديد في ذلك الوقت، مبتعدين عن إرث الآباء وموسيقا الحزن لصالح الفرح والرقص، فهو تطور طبيعي فرضته الحياة الجديدة والسريعة وتغير الذائقة، تقول فاطمة التي لا تزال تفضل الموشحات والقدود وأغاني اللغة الفصحى، هي “دقة قديمة” في المصطلح الشائع، إلّا أنه ومع تنامي الحزن وسرديات الألم ركن حتى أولئك للحزن وابتعدوا عن ضجيج الأغاني المفرحة، “لعلّه قدرنا” يقول علي، فـ “قلوبنا المعطوبة لا تطرب إلّا على الأغاني الحزينة”.

رؤى زيدان