فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

سوق “الفراية” في حماة.. يلفظ أنفاسه الأخيرة

كان السوق، حتى فترة قريبة، مقصد الناس من قرى الريف الحموي، إضافة إلى أبناء المدن المجاورة والسياح، من المهتمين باللباس العربي والتراثي القديم، كـ “الجلابية والدشداشة المخرجة، والعباءة المصنوعة من الصوف”، إضافة إلى بعض الصناعات البسيطة كـ “حبال الصوف ودلاء الماء وتنجيد اللحف ودباغة الجلود”. ويعتبر اللباس العربي أهم ما يميز سوق “الفراية” في حماه، والذي كان يحمل صفات معينة مكوناً من الدشداشة (لباس يشبه الجاكيت دون أزرار ومخرج من الجهتين، وبأكمام عريضة مخرجة أيضاً) والجلابية المخرجة وسط الصدر وحول الأكمام والجوانب، برسوم ونقوش مختلفة.

زقاق طويل يتعرّج بالتفافات بسيطة مسقوف على شكل قوس واحد يمتد على طوله، تتوزع على طرفيه محالّ قديمة، لكل منها طابع خاص وحرفة يدوية تميزها عن غيرها، جميع تلك الحرف صناعات يدوية توارثها أصحابها منذ ما يزيد عن ثمانمائة عام، وهو عمر سوق “الفري” الذي يقع وسط مدينة حماه من الجهة الشمالية، يقول الحاج تيسير (صاحب أحد المحلّات)، والذي أضاف أن سبب تسميته تعود نسبة لعائلة “الفرواتية” والتي كانت تمتهن صناعة العباءات في المكان المسمى باسمها.

وكان السوق، حتى فترة قريبة، مقصد الناس من قرى الريف الحموي، إضافة إلى أبناء المدن المجاورة والسياح، من المهتمين باللباس العربي والتراثي القديم، كـ “الجلابية والدشداشة المخرجة، والعباءة المصنوعة من الصوف”، إضافة إلى بعض الصناعات البسيطة كـ “حبال الصوف ودلاء الماء وتنجيد اللحف ودباغة الجلود”. ويعتبر اللباس العربي أهم ما يميز سوق “الفراية” في حماه، والذي كان يحمل صفات معينة مكوناً من الدشداشة (لباس يشبه الجاكيت دون أزرار ومخرج من الجهتين، وبأكمام عريضة مخرجة أيضاً) والجلابية المخرجة وسط الصدر وحول الأكمام والجوانب، برسوم ونقوش مختلفة.

جميع الصناعات اليدوية في السوق شهدت تراجعاً وركوداً خلال السنوات الأخيرة، وذلك لأسباب لخصها بعض أصحاب المحلات بظروف الحرب التي أثرت على ذائقة السكان وحياتهم، إضافة إلى غلاء الأسعار الكبير لتلك الأنواع من الصناعات (باتت كلفة الدشداشة المتوسطة ما يقارب 90 ألف ليرة، إذ تضاعف سعرها ما يقارب 20 ضعفاً) وقلة السياح الوافدين إلى المدينة، والذين كانوا يقصدونها للحصول على ألبسة وهدايا وتذكارات من العباءات الصوفية المصنوعة من صوف الجمل أو جلد الغزال.

صناعة العباءة (الفروة) في حماه -إنترنيت
صناعة العباءة (الفروة) في حماه -إنترنيت

يقول الحاج تيسير والذي ورث حرفة صناعات العباءات المتوارثة في عائلته منذ ما يزيد عن ثلاثمائة عام “إنه يرفض تعليمها لأولاده، هي لم تعد مهنة حقيقية، ولا يمكن لممتهنيها تأمين قوت عيالهم”. يخبرنا الحاج تيسير أنه ومنذ أربعة أعوام “لم تخرج عباءة من محله”، لكنه لا يقوى على “إغلاقه لارتباطه الروحي بالمكان”، ويقتصر بيعه هذه الأيام على بعض جلود الأغنام والتي يستخدمها سائقو الدراجات النارية، بعد أن شلّت حركة البيع والشراء، على حد قوله.

يوافق الحاج تيسير غيره من التجار في الأسباب التي ذكروها عن أسباب تراجع صناعة العباءات، إلّا أنه يضيف أسباباً أخرى كرواج بيع العباءات الصناعية في الأسواق، والتي تصنع من الجوخ الصناعي المحلي والخيط الصناعي، والتي يتراوح سعرها بين ثلاثة آلاف ليصل أفضلها سعراً إلى20 ألف ليرة، في الوقت الذي يبدأ به سعر أي عباءة مصنعة يدوية بـ 25 ألف ليرة، وقد يصل سعر أفضلها إلى 200 ألف ليرة، وهو سعر وصفه بالمرتفع، ولم يعد هناك من يستطيع دفعه، وتأتي أهمية العباءة وارتفاع ثمنها من نوع صوف البطانة والجلد المستخدم في صناعتها، كجلد الأغنام والأبقار والتي تكون أسعارها مقبولة مقارنة بجلد الغزال والجمل الأكثر كلفة وجمالاً.

يقول خالد العلي (من أبناء مدينة حماه) والذي كان واحداً من رواد السوق وزبائنه الدائمين، إنه يعجز اليوم عن “شراء جلابية بدون خرج، فكيف بلباس عربي كامل”، سابقاً كان خالد وكثر من سكان المدينة يشترون في كل موسم (صيفي وشتوي) لباساً عربياً مناسباً،

الجلابية الحموية المخرجة في أسواق مدينة حماه -إنترنيت
الجلابية الحموية المخرجة في أسواق مدينة حماه -إنترنيت

يكمل خالد الذي تحدث عن ضعف الدخل وارتفاع الأسعار التي فرضت عليه تغيير عاداته في اللباس “الدشداشة باتت تكلف 50 ألفاً مقابل تخريجها، عدا عن القماش إن كان إنكليزياً فتكلفتها 90 ألفاً، كما تختلف تكلفة  الخرج إن كان صانعه خياطاً، فخرج الخياط أكثر كلفة لأنه يتميز بشد يده وقوتها على الخيط أكثر من الخياطة الأنثى، كما أن لنوع الخيط وكميته ونوع القماش دور في ارتفاع السعر أو انخفاضه، فالدشداشة الشتوية والصيفية  تخاط من قماش جوخ هندي أو كوري ويعد أفضلها الهندي، تبطن الشتوية بفرو الخروف الصغير الذي لا يتجاوز عمره شهر أو شهرين لنعومته ولونه الجميل، أما من ناحية الخيوط فتستخدم خيوط خاصة تجلب من بائع محدد وسط سوق المدينة، وقد تكون قطنية أو حريرية من مصدر حيواني”.

كما تعدّ ضريبة الدخل المفروضة من قبل “المالية” والتي ارتفعت لعشرين ضعفاً عما كانت عليه قبل عام 2011، (كانت ضريبة الدخل لا تتجاوز 2000 ليرة لكل محل)، سبباً آخر يضاف إلى مجموعة الأسباب، ولم تفلح جميع محاولات أصحاب المحلات في السوق واعتراضاتهم واسترحامهم في التخفيف منها، ناهيك عن الأجور المرتفعة التي يفرضها ملّاك المحلات في السوق.

وعن الصناعات اليدوية الأخرى في سوق “الفراية” يقول محمود الشامي (صاحب محل لصناعة الدلاء والخروج) إن حالها ليس بأفضل حالاً من صناعة اللباس العربي “فيما سبق كنت أصنع الدلاء لإخراج الماء من الآبار الموجودة في المنازل، والخروج المخصصة للدراجات النارية القديمة، التي يستخدمها أصحابها لحمل ما تسوقوه من المدينة إلى منازلهم في القرى والريف المجاور، اليوم، ومع سوء الحال، لم أصنع أو أصلح دلواً واحداً منذ أكثر من سنة، ولم يطلب مني زبون صناعة خرج” مرجعاً السبب  “لانقطاع طريق مدن وقرى الريف الشمالي عن المدينة انقطاعاً تاماً، واعتماد سكانها على محافظة إدلب والمدن التابعة لها في الخدمات التي يحتاجونها”.

ويضيف الشامي: “أن الحداثة لعبت دوراً هاماً في التخلي عن هذه الصناعات، فقد بات الأهالي يعتمدون على الدراجات النارية الحديثة التي لا تحتاج لخرج على ظهرها، وعلى المضخات المائية الكهربائية عوضاً عن الدلاء القديمة”.

بعض أصحاب المحلات في السوق بدؤوا بإغلاق محالهم، آخرون بحثوا عن منتجات جديدة ورخيصة الثمن لعرضها، بينما يدفع الحنين والانتماء إلى المكان بعض من حافظ على مهنته اليدوية القديمة للبقاء، آملين أن تعود الروح والحياة لسكان المدينة وسوقها.