فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

المرأة السورية والعمل التطوعي.. عطاء بلا حدود

لم يقتصر العمل التطوعي بين النساء على أعمار محددة فـ الحاجة آمنة (65 عاماً) قالت إنها عملت على توزيع الخبز والمستلزمات الأخرى، كالأغطية والألبسة، مع أولادها على النازحين الذين كانوا يفدون إلى قريتها كنصفرة في جبل الزاوية من أماكن وخطوط الاشتباكات

يأخذ عمل المرأة السورية في المناطق المحررة أبعاداً كثيرة، ويدخل في معظم جوانب الحياة التعليمية والصحية والاجتماعية، ينطلقن بذلك من إيمان متجذر بدور المرأة في البناء ومواجهة التحديات التي خلفتها ظروف الحرب، وقدرتهن اللامتناهية على العطاء.

فتون واحدة من الفتيات اللواتي وجدن أنفسهن في المجال الصحي، لتعمل كـ “مسعفة للمرضى” إلى مشفى الأورينت منذ العام 2014، تقول إن ما دفعها إلى هذا العمل حبها لمساعدة الآخرين وشعورها العالي بالمسؤولية، ففي كل مرة كانت تتعرض فيها مدينتها (معرة النعمان) للقصف، كانت فتون من أوائل الواصلين إلى أقرب النقاط الطبية للمساعدة، ودون مقابل.

 

مشفى الأورينت معرة النعمان -أنترنيت
مشفى الأورينت معرة النعمان -أنترنيت

 

وبالرغم من اشتراك فتون بالعديد من الأعمال التطوعية الأخرى، كمركز غراس الأمل التطوعي لذوي الاحتياجات الخاصة، ومنظمة رؤى المستقبل، إلّا أن عملها كمسعفة يبقى الأقرب إلى نفسها وشخصيتها، بحسب قولها.

فتون ليست الوحيدة من النساء اللواتي أحببن العمل التطوعي والتزمن به في سوريا منذ بداية الثورة إلى الآن، فهناك نساء كثيرات آثرن خدمة مجتمعهن دون أي مقابل، انطلاقاً من الحاجة الماسة لمثل هذه الأعمال وضرورتها لاستمرار الحياة وهذه الخدمات كانت في مجالات متنوعة.

تذهب رندة (٣٢عاماً من كفرنبل) إلى مدرسة الشهيد فضل في بلدتها لتعليم اللغة الإنجليزية للطلبة، بشكل تطوعي، فالمدرّسة التي فقدت وظيفتها نظراً لخطورة الذهاب إلى مدينة حماه التي تسيطر عليها قوات الأسد لاستلام راتبها، آثرت البقاء على رأس عملها، دون أي عائد مادي، تقول “لا أستطيع أن أرى التلاميذ وهم بحاجة للتدريس ولا أساعدهم، خاصة بعد أن أصبح هناك نقص بالمدرسين واختصاصاتهم في المدارس، مادمت أملك الوقت لذلك”.

يرى الأستاذ وائل (مدير المجمع التربوي في كفرنبل) في عمل خلود وزملائها من المدرسين والمدرسات التطوعي، مساهمة جليلة لـ “إنقاذ الواقع التعليمي من التدهور بشكل ملحوظ”، كما ثمنت وداد السبع (مديرة مركز امرأة وطفل) عمل المرأة الأساسي في المجتمع السوري، وخاصة العمل التطوعي، وهو ما دفعها لإجراء مقاربة لدورها بدور المرأة الألمانية مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، وضرورة أن يكون للمرأة السورية حضور أكبر في مختلف المجالات، أكثر من أي وقت مضى.

للعمل الطوعي لذته ونكهته المميزة عند الكثير من النساء

غالية الرحال - أنترنيت
غالية الرحال – أنترنيت

غالية الرحال (مؤسسة مراكز مزايا النسائية ومديرتها سابقاً) لا تزال تذكر بداياتها في إنشاء مركزها بفخر وفرح تقول “بداية التأسيس لم تكن بدعم مالي أو معنوي من أحد، كنا مجموعة من النساء نجتمع في منزلي ونتبادل الأحاديث حول الوضع وخطورته وضرورة اجتراح الحلول لمساندة النساء في المنطقة، خاصة مع ازدياد الصعوبات والأوضاع الاقتصادية السيئة، وفقدان كثير من النساء للمعيل وتحول العديد منهن إلى أرامل، واتفقنا على أن تقوم كل امرأة بتعليم عدد من النساء مهنة لتمكينها ومساعدتها على الحياة”، جرى العمل بشكل تطوعي قبل أن تتبنى واحدة من المنظمات الإنسانية المركز، وتقدم له الدعم المادي اللازم، تكمل غالية.

بعيداً عن الصحة والتعليم والمهن اليدوية قامت نجاح سرحان “التي لا تزال تستعذب العمل الطوعي المجاني، خاصة مع بنات جنسها، على حد قولها” برفقة عدد من صديقاتها بإنشاء مكتب للمرأة في عدة قرى وبلدات من جبل الزاوية بريف إدلب، يهتم بتداول أهم مشكلات المرأة والصعوبات التي تعترضها ومناقشتها، وطرح الحلول لها، سواء من خلال حملات الحشد والمناصرة أو غيرها.

المكتب الذي صار له فروع في العديد من لقرى والبلدات مثل “كنصفرة –البارة –بلشون –كفرحايا –بليون –احسم” يغطي أكلافه المادية من تبرع المشتركات تقول السرحان (مديرة المكتب)، إذ تتبرع كل مشتركة بمبلغ ألف ليرة شهرياً لتغطية نفقاته.

 

تابعت العديد من النساء عملهن، بشكل تطوعي، بعد توقف الدعم المادي من قبل المنظمات التي يعملن بها، إذ لم يمنع انقطاع الدعم المالي، منذ سنة تقريباً، من قبل منظمة URB  الداعمة لراديو فريش في كفرنبل رؤى من الاستمرار في عملها كمراسلة صحفية، كما تكمل سهام ورفيقاتها عملهن كممرضات في مشفى مريم النسائي في المدينة ذاتها، رغم انقطاع الرواتب منذ ستة أشهر، ومشقة العمل وصعوبته، تقول سهام (45 عاماً)  “إن المشفى مزدحم  كونه المشفى المجاني النسائي الوحيد في منطقة  ريف معرة النعمان الغربي، وتوقفه عن العمل سيشكل أزمة على سكان المنطقة”.

مشفى السيدة مريم _فيس بوك
مشفى السيدة مريم _فيس بوك

بعض الأعمال الطوعية أسست لإنشاء منظمات متكاملة تعتمد في عملها على رجال ونساء متطوعات كمؤسسة شباب التغيير ومنظمة بارقة أمل بقلب مدينة إدلب، ندى سميع مديرة المنظمة قالت “إن كل العاملات فيها نساء متطوعات ينجزن أفضل الأعمال لإفادة المجتمع، وعددهن ٣٥ متطوعة، يواظبن على تعليم النساء المهن اليدوية إضافة إلى الدورات التعليمية والثقافية والعلمية”، أيضا لبنات وأولاد الشهداء والمعتقلين، توضح ندى أنهم يحاولون أحياناً تأمين هدايا رمزية للعاملات لا توازي الجهد الذي يقمن به غالباً.

المحن التي مرت بها بعض النساء شكلت لديهن دافعاً أقوى للعمل كمتطوعات في نفس المجال الذي عانين منه، سمر الأحمد من معرة النعمان (٢٦عاماً) والتي اعتقلت في سجون النظام، التزمت وبعد خروجها من المعتقل بالعمل كمتطوعة في مكتب الأسير الذي يتبع لاتحاد المكاتب الثورية في مدينة كفرنبل، ومهمته متابعة شؤون المعتقلين أثناء الاعتقال وبعد إطلاق سراح المعتقلين، وتعمل مع فريق (ريليس مي) الذي من مهامه متابعة شؤون الأسيرات المفرج عنهن وإعادة دمجهن بالمجتمع.

أحلام الرشيد -أنترنيت
أحلام الرشيد -أنترنيت

حصلت العديد من النساء السوريات، جراء عملهن التطوعي، على جوائز عالمية، تقديراً لجهودهن ودورهن، فقد حصلت غالية الرحال على جائزة “المرأة الثقة البطلة” على مستوى العالم من بين ٤٠٠مرشح من ٨٣ دولة في العالم لعام ٢٠١٦، وحصلت أحلام الرشيد التي دأبت على إعطاء دروس مجانية في اللغة العربية والانجليزية في مخيمات النزوح على الحدود التركية، تحديداً مخيمات أطمه، على الميدالية الذهبية كونها المرأة الوحيدة من بين مئة امرأة متسابقة الأكثر تأثيراً في العالم.

لم يقتصر العمل التطوعي بين النساء على أعمار محددة فـ الحاجة آمنة (65 عاماً) قالت إنها عملت على توزيع الخبز والمستلزمات الأخرى، كالأغطية والألبسة، مع أولادها على النازحين الذين كانوا يفدون إلى قريتها كنصفرة في جبل الزاوية من أماكن وخطوط الاشتباكات.

تقول الإخصائية النفسية خلود من خان شيخون (41 عاماً) “بالإضافة لفوائد العمل التطوعي الاجتماعية في تعزيز اللحمة الوطنية، فهو يحقق فوائد نفسية للمرأة فيزيد من قدرتها على إثبات وجودها وفاعليتها في المجتمع وبنائه، وملء وقت فراغها بأشياء ثمينة تشعرها براحة نفسية عندما تقوم بفعل الخير”.