فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

متحف إدلب.

أدوات صنعها “الإنسان الأول” وقطع أثرية نادرة في متحف إدلب

أمام البوابة الخارجية لمتحف إدلب، تجمع عدد من طلاب السنة الأولى في قسم التاريخ بجامعة إدلب، وذلك في جولة علمية للربط بين المحتوى النظري والعملي من خلال التجوّل في “أروقة […]

أمام البوابة الخارجية لمتحف إدلب، تجمع عدد من طلاب السنة الأولى في قسم التاريخ بجامعة إدلب، وذلك في جولة علمية للربط بين المحتوى النظري والعملي من خلال التجوّل في “أروقة التاريخ عبر المتحف”، يقول الدكتور المشرف وهو يغلق كتاب “تاريخ سوريا القديم” المفتوح أمامه.

لم يسبق لأي طالب أن زار المتحف من قبل، بل إن بعضهم لم يكن على علم بوجود متحف في المدينة، يخبرنا المشرف الذي اعتبر الجولة تعريفاً عملياً للطلاب على مقتنيات أثرية تعود لحقب زمنية متفاوتة، من شأنها تعزيز المعلومات النظرية التي يتلقاها الطلبة في الكلية، إضافة إلى ربطهم بتاريخهم الحضاري، ومحاولة الإضاءة عليه.

جولة علمية لطلاب قسم التاريخ في متحف إدلب.
جولة علمية لطلاب قسم التاريخ في متحف إدلب.

فور دخولهم إلى بهو المتحف، شرع أمينه “عمار كناوي” باستعراض عشرات القطع الأثرية المتوزعة في الأروقة، والتي رتبت بتسلسل زمني يبدأ من عصور قبل التاريخ ثم العصر البرونزي فالحديدي فالقديم، مروراً بالعصور الوسطى وصولاً إلى العصر الحديث، بإشراف من مركز آثار إدلب الذي سعى ومنذ شباط الماضي إلى تأهيله وتوثيق وجرد القطع الأثرية التي كانت مخبأة في المستودعات، ليفتتح المتحف أبوابه في 13 آب الماضي أمام الزوار والباحثين والأكاديميين.

 

تحوي الخزائن المضاءة والنظيفة في قاعات العرض ألواحاً طينية تعود للألفية الثالثة قبل الميلاد، إضافة للعديد من الفؤوس الحجرية التي كان الإنسان البدائي يستخدمها في عصور ما قبل التاريخ. يقول “محمد” وهو طالب في قسم التاريخ لـ فوكس حلب “شاهدنا خلال الجولة قطعاً أثرية قديمة جداً، مثل الأنابيب الفخارية التي كان الرومان يستخدمونها لنقل المياه عبر شبكة الري، وجراراً وصحوناً وكؤوساً من الفخار تعود لمملكة إيبلا (الألف الثالث ق.م) إضافة لسرج من عصر البرونز وأخرى بيزنطية وإسلامية”. ليس هذا كل شيء ففي داخل مستودعات المتحف مئات القطع القديمة والهامة يتم جردها في الوقت الراهن وهي أضعاف ما هو معروض للعلن.

سرج بيزنطية من مقتنيات متحف إدلب
سرج بيزنطية من مقتنيات متحف إدلب.

الاهتمام بدا واضحاً على وجوه الطلبة وهم يشاهدون الجرار الفخارية التي وضعت وسط المتحف، في الوقت الذي كان فيه أمين المتحف يقدم معلومات حول الفترة الزمنية لصناعتها، “هذه الجرة تعود للعصر الثالث قبل الميلاد. كان أجدادنا في إيبلا يستخدمونها لتخزين الحبوب” قالها وهو يشير إلى جرة كبيرة الحجم تعرّض جزء بسيط من هيكلها الفخاري للكسر بفعل الزمن. في جناح آخر شاهد الطلاب مجموعة من لوحات الفسيفساء بألوان زاهية وأحجام مختلفة، “طريقة ترميم هذه اللوحات اختلفت على مرور الأيام.. كانت من قبل تحتاج لخلفية من الإسمنت أما اليوم فتطورت المواد المستخدمة”.

مدامع رومانية من مقتنيات متحف إدلب.
مدامع رومانية من مقتنيات متحف إدلب.

وأمام خزانة تضم مجموعة متنوعة من المدامع استمعوا إلى شرح مستفيض حول هذه الأدوات الفخارية الصغيرة والتي كانت تستخدم لحفظ الدموع التي يذرفها أهل الميت وتدفن في قبره، وقد تستخدم لحفظ الزيت المقدس والعطورات والماء المرقي “إن دراستها مهمة جداً فهي أفضل الطرق لمعرفة المرحلة الزمنية لأي مكان أثري يتم اكتشافه” يقول كناوي.

 

 

بالقرب من جرة فخارية كبيرة قال عنها كناوي (الحاصل على شهادة ماجستير في الآثار) إنها كانت لحفظ زيت الزيتون، بدأ الطلبة يتحسسون ملمسها، “لم نستطع التوقف، كان لدينا رغبة بإشراك جميع حواسنا، اللمس والبصر والسمع في آن واحد” يقول واحد من الطلبة، الذي لم يستطع وصف شعوره وهو يضع يده على “جرة يقدر عمرها بـ 6 آلاف سنة”.

أسئلة كثيرة قابلها شرح وافٍ من المسؤولين عن المتحف، بدأت تأخذ طريقها إلى قلوب وعقول الطلبة، كانت الدهشة تعتريهم كلما اقتربوا أكثر من عمر هذه القطع والظروف التي مرت بها والأدوات التي استخدمت في تصنيعها، “نقلنا الشرح الوافي مع المتعة البصرية إلى العصور التي عاشها من سبقنا، شعرنا بهالة من القداسة، عشنا مع شخوصهم وممالكهم، ليتسرب إلينا شعور بالفخر، ونحن نتعرف إلى جذورنا الضاربة في التاريخ، كما تنامى في داخلنا شعور آخر بالمسؤولية تجاه هذه القطع الأثرية التي تعرضت للإهمال والسرقة والتدمير” يقول أحمد.

رقم من ايبلا في متحف إدلب.
رقم من ايبلا في متحف إدلب.

أغلق متحف إدلب نهائياً منذ عام 2013، وتعرض للنهب والتخريب بعد استهدافه من قبل مقاتلات النظام الحربية في 2015، ليقوم بعض من وصفهم مدير مركز آثار إدلب “أيمن نابو” بـ “ضعاف النفوس” بسرقة قطع أثرية كثيرة جداً، وتهريبها إلى خارج البلاد، مؤكداً أن الفريق الذي يدير المتحف يسعى لبث الحياة فيما تبقى منه على أمل انتشاله من حالة الفوضى التي مرت بها المنطقة.. ولا تزال.