فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الصورة من مظاهرات حماة 2011 (أنترنت).

الأغاني الثورية في حماه.. ألحان موروثة ومفردات من قاموس الثورة

سوسن الحسين

خرجت كلمات الأغاني الثورية وهتافاتها في المظاهرات التي عمّت المدن والبلدات السورية، عن عباءة المطالب المعيشية كغلاء الأسعار وتحسين الظروف الاقتصادية وإيجاد فرص للعمل، وتعدتها إلى الإصلاحات السياسية والمطالبة بإسقاط […]

خرجت كلمات الأغاني الثورية وهتافاتها في المظاهرات التي عمّت المدن والبلدات السورية، عن عباءة المطالب المعيشية كغلاء الأسعار وتحسين الظروف الاقتصادية وإيجاد فرص للعمل، وتعدتها إلى الإصلاحات السياسية والمطالبة بإسقاط النظام، مستخدمة في ذلك ألفاظاً مستوحاة من قاموس مبادئ الثورة والظلم والقهر الذي عاشه أهالي المدن الثائرة، كلمات ألفها الأشخاص بأنفسهم، وارتبطت في كثير من الأحيان بحدث آني، امتازت باللغة البسيطة واعتمدت على ألحان موروثة بحسب هذه المناطق، لتجد كلمات “الخذلان والقتل والقصف والحرية والكرامة” حاضرة في معظمها، وتحوّلت في قسم منها إلى رسائل توجه للحكام والشعوب (العربية والعالمية)، على شكل مطالب أو سخرية وتهكم، معبرة في مجملها على حالة من التآلف بين مصير المناطق الثائرة والتأكيد على وحدتها، والإحساس بوجعها.

وإن كان لكل مدينة أو بلدة “قاشوشها”، فقد كانت مدينة حماه وأريافها سبّاقة باستحضار قاموس الثورة للتعبير عن ما يعتمل في صدورهم بعد سنوات من الخوف والقهر، عاشها أهالي المدينة وما زالت حاضرة في ذاكرتهم ووجدانهم، لتمتلئ الساحات بالمتظاهرين الذين خرجوا للإفراج عما كان مكبوتاً في حناجرهم من ألم، على شكل أناشيد متكاملة وبكلمات معدودة وألحان شعبية، مستغلين مساحة الحرية المؤقتة التي نالوها، بمظاهرات مليونية شهدتها ساحة العاصي إضافة إلى شوارع وساحات القرى المجاورة.

وإن كان عام 2011-2012 قد شهد ذروة الاحتجاجات السلمية، والفترة الأغنى بـ الأغاني الثورية ، ابتداء بأغنية “يا حيف” لسميح شقير، و”يالله ارحل يا بشار” لابراهيم القاشوش، وليس انتهاء بعشرات، إن لم نقل المئات، من الأغاني الثورية التي تطورت، وبشكل عفوي، من أغانٍ وألحان تراثية، أسقط المتظاهرون عليها، وفي كل مرة، حدثاً مهماً من الأحداث الجارية، أو اسم منطقة من المناطق المنكوبة، محورين هذه الأغاني والهتافات للتعبير عن همومهم وأمانيهم وأحلامهم.

وبعيداً عن أغاني الشيخ إمام وسيد درويش والتي ارتبطت لفترة طويلة بذاكرة الشعوب العربية، ووجدوا فيها متنفسّاً للتعبير عن همومهم، وكذلك أغنيتا سميح شقير والقاشوش والتي لاقت صدى كبيراً في أوساط السوريين، وباتت شعاراً لمظاهراتهم، وحياتهم اليومية، ألف الحمويون أغانيهم الخاصة والتي لاقت هي الأخرى شهرة كبيرة، وسرعانما انتقلت إلى مناطق أخرى، من هذه الأصوات كان أبو صهيب الحموي (واحداً من الأصوات الحرة التي علت وجاب صداها شوارع وساحات المحافظات السورية).

بمفردات بسيطة، ومن معاناة الشعب السوري استوحى أبو صهيب أناشيده وهتافاته، ليصبغ تلك الكلمات بطابع شعبي، يقول أبو صهيب لفوكس حلب إنه اعتمد على خبرته في التلحين والإنشاد، قبل الثورة، لتأليف هذه الأغاني التي وصفها بـ “الرسالة التي تحمل أهدافاً معينة كإسقاط النظام وميليشياته والمطالبة بالحرية والكرامة” واصفاً شعوره بالرائع في كل مرة يسمع صوت واحدة من أغانيه تتردد على ألسن المتظاهرين في المحافظات السورية، ويرى تفاعل الناس معها وحفظهم لها.

وجه أبو صهيب أغانيه لمدينته حماه، والمحافظات الأخرى، والجيش الحرّ، وتهكم من النظام السوري ورأسه بشار والحكام العرب، لتنال بعض أغانيه “خافوا الله يا عرب”، و”شهيدينا راح” و “بدنا نحكي بحرية” و “يا جيش الحر” و “يلي خايف من الموت” و “مطلبنا الحرية”… شهرة واسعة، ولتبقى اللازمة التي أطلقها “يلعن روحك يا حافظ” رفيقة الدرب والأحاديث لمعظم السوريين الثائرين ولافتاتهم.

أما أغنيته “خافوا الله يا عرب” فقد كانت شريكة معظم ساحات الحرية السورية، وفيها يتهم الحكام العرب بخذلان وقتل الشعب السوري يقول (خافوا الله يا عرب/ يا عرب قتلتونا/ فكرونا رح منخاف/ قمنا طلعنا عالكتاف/ صرنا ننادي بالهتاف/ حرية حرية) ويسخر من المراقبين الدوليين يقول (هادا يندد وهاد يدين/ شو القصة مانون عارفين/ والمراقبين قاعدين/ سياحة بركن الدين/ خافوا الله يا عرب/ يا عرب قتلتونا/ احنا والله الحموية /خلقنا ننادي حرية).

ليس ببعيد عن حماة المدينة كان أبو عبد الله الملقب بـ “قاشوش اللطامنة” يسهر في كل ليلة خميس، ليكتب الكلمات التي سينشدها ويهتف بها أمام المتظاهرين، يقول إن كلماته “كانت واقعية لشرح الظلم” وتعدّت مدينته حماه لتحاكي “كافة المحافظات السورية، وإنما هي وليدة القهر المتراكم الذي انفجر على شكل بركان شعبي”، مؤكداً أن هذه الكلمات “لن تموت وستورّث جيلاً بعد جيل، لأنها عابقة بروح الثورة”.

لا يرى قاشوش اللطامنة نفسه إلّا من خلال كلماته التي يعتبرها سلاحاً في وجه الديكتاتور وأعوانه قضت مضاجعهم، لذلك سعى إلى اعتقال وقتل أصحابها ومنذ البداية، ولكنه يصر على الاستمرار آملاً أن يعود للثورة رونقها الخاص وشريانها المغذي من خلال المظاهرات السلمية والتعبير بالأغاني والهتافات.

أما عن مظاهرات ريف حماة الغربي والتي أنشد فيها عدد من المنشدين الثائرين من أبرزهم المنشد “إبراهيم حمزة” والذي شارك بمعظم مظاهرات المنطقة ممثلة بقلعة المضيق وسهل الغاب و شحشبو منذ بداية الثورة وحتى الوقت الحاضر.

يقول إبراهيم حمزة والذي كتب العديد من الأغنيات الثورية التي لاقت صدى في أوساط المتظاهرين كـ ” بشار روح لهلك، طولوا طولوا عن نصرتنا طولوا، الخوان الخوان ، ارحل أرحل يا بشار يا عميل ويا غدار، يا بشار لاتتحدى هالثورة مانك قدا، مانك منا ومامنحبك ارحل عنا ياخوان” يقول: تختلف الثورة السورية عن باقي الثورات التي شهدها الوطن العربي، واختلافها ليس بالأهداف إنما بأسلوب التعبير للوقوف في وجه الظالم، والصرخات التي تم التعبير عنها على شكل أناشيد وهتافات متعددة، متأثرة بالغرب الذي اكتسب منه العالم العربي بعض أساليب التعبير عن الحقوق منها التظاهر والاعتصامات وغيرها للمطالبة بالحقوق، وكون الألحان التي تتناسب مع الكلمات أكثر تأثيرا في كل من المستمع والمنشد والمتظاهرين عامة على حد سواء.

مثلت الأغاني الثورية تعبيراً صادقاً عن روح الشعب السوري الفطرية والحالمة بالحرية، وشكلت وعياً جمعياً لقيم ومبادئ حركت سلوكه وتبناها خلال السنوات الأولى من المظاهرات، لتصوغ بعبارات بسيطة وألحان موروثة تطلعاتهم بصدق، ودون تكلف.