فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

أطفال يمارسون طقوس تأخر المطر في واحدة من قرى محافظة الحسكة (أنترنت)

أهازيج عن ذاكرة المطر في سوريا

مصطفى أبو شمس

أمام منزل “الحجة” أم محمد في جبل الزاوية، تجمّع بعض الأطفال يحملون في أيديهم عيداناً صغيرة من الرمان وصحوناً من الألمنيوم، يطرقون عليها بلطف، ويطالبون أهل المنزل بحفنة من “البرغل” […]

أمام منزل “الحجة” أم محمد في جبل الزاوية، تجمّع بعض الأطفال يحملون في أيديهم عيداناً صغيرة من الرمان وصحوناً من الألمنيوم، يطرقون عليها بلطف، ويطالبون أهل المنزل بحفنة من “البرغل” أو “العدس” وقليلاً من “زيت الزيتون” والبصل” في استحضار لـ “طقس” قديم موروث، قالت أم محمد إنه “من العادات القديمة لاستسقاء المطر ، عند تأخره”.

وروت أم محمد (72 عاماً) إن هذه العادة رافقت أيام طفولتها، إذ كان الأطفال في مثل سنها (6-12 عاماً) يجتمعون في ساحة القرية، بطلب من أمهاتهم، بعد تزويدهم بصحون من الألمنيوم “لإصدار الصوت” وعيداناً من شجر الرمان “لليونته وهو دليل على احتفاظه بالماء”، أما اختيار الأطفال فـ “ذلك لبراءتهم وخلوهم من الذنوب، وكرامتهم عند الله” على حد قولها “عسى الله يستجيب لهم، ويسقيهم المطر لمحاصيلهم الزراعية”.

يمر الأطفال بكل بيوتات القرية، ليأخذوا من كل بيت “حفنة من البرغل أو العدس”، ومن بيوت أخرى “قليلاً من الزيت والبصل”، وهم يرددون: “ربنا يا ربنا بالغيث تسقي زرعنا /هم الكبار الـ أذنبوا نحنا الصغار أشو ذنبنا /يا ربنا يا ربنا”

يترافق غناء الأهزوجة مع الطرق على الصحون، والشكر والدعاء للبيوت التي يمرون بها، وإن صادف أن أحد البيوت “نهرهم أو امتنع عن تقديم ما يريدون” فيرددون صفات “هجائية بالبخل واليد الماسكة” على صاحبة البيت خلال غنائهم.

وعند الانتهاء تقوم الفتيات الأكبر بإشعال النار وطبخ طبق من “المجدرة” من المواد التي حصلوا عليها، وتسكبن للأطفال في صحونهم، في جو من “الفرح والغناء وترديد الأهزوجة ذاتها”.

ليس ببعيد عن قرى جبل الزاوية كان الأطفال في قرى سهل الغاب والساحل السوري يحملون “بعض الدمى” التي كانت الأمهات تصنعها لـ بناتها من “بقايا القماش التالف وبعض الصوف، أو من الاسفنج” في طقس يسمى “أم الغيث”، يمرون على بيوت القرية ويطلقون العنان لأصواتهم ببعض الأغاني

“عروستنا عطشاني.. يا رب تردها غرقانة”، “عروستنا مهمومي.. يا رب تردها مبلولي”، ويقدم لهم أصحاب البيوت شيئاً من منتجات حقولهم كـ “القمح والبرغل والطحين”، وأحياناً “النقود”.

في دمشق انتشرت أهزوجة يعتقد أنها من التراث الفلسطيني، ويطلق عليها “شوربنه”، إذ كان الأطفال يجتمعون في الأزقة والحواري، في حال تأخر المطر ويرددون، فيما يشبه كلمات الأغنية في قرى جبل الزاوية مع زيادة في بعض المقاطع: “يا ربنا يا ربنا واحنا الصغر ويش ذنبنا / طلبنا الخبز من إمنا ضربتنا على تمـنا /يا ربنا ما هو بطر تعجل علينا بالمطر / يا ربي بل الشرموح واحنا تحتك وين نروح”.

أما في المناطق الشرقية من سوريا فكان الصبية يتجمعون مساءً، حول واحدة من الفتيات التي تحمل بيدها “عوداً” تضع في رأسه “قطعة ثياب لامرأة “مباركة، كبيرة في السن” من نساء القرية، ليبدأ الصبية جولتهم في أزقة القرية وهم ينشدون: “أم الغيث غيثينا بلي بشيت راعينا/ راعينا حسن أقرع لو سنتين ما يزرع /والحنطة بطول الباب والشعير مالو حساب”

وهي أغنية يقال إنها، سابقاً، ارتبطت بمخاطبة الآلهة للتضرع إلى السماء حتى تبتل عباءة راعي الغنم، وعند مرور الصبية وهم يرددونها على أبواب البيوت، تقوم ربات المنازل بإكرامهم وإعطائهم الطعام، وتسكبن الماء وراءهم “طمعاً بنزول الغيث”. وإن استجابت السماء لدعائهم كان الصبية يركضون في الأزقة ويغنون: “مطر مطر عاصي بلل شعر راسي / راسي بالمدينة ياكل حبة وتينه”

ويعتقد أنها أغنية عراقية في الأصل، وانتقلت إلى المناطق الشرقية لسوريا بحكم القرب الجغرافي وتشابه اللهجات.

يترك الصبية بيت أم محمد، ليمروا ببيوت أخرى خلال رحلتهم الصغيرة لاستسقاء المطر، وهم يرددون: “تنسقي حلق القطة يا رب نقطة نقطة /حتى نسقي هالبقر يا رب مطر مطر”.