ازدادت في الآونة الأخيرة نسبة الولادات القيصرية عن الطبيعية في محافظة إدلب وريفها، وشكّلت العوامل النفسية وحالات الهلع والخوف التي تتعرض لها النساء الحوامل، نتيجة القصف والمعارك من قبل قوات الأسد، العامل الأهم في ارتفاع هذه الحالات، إلّا أن عوامل أخرى كقلة الكوادر الطبية وجشع بعض الأطباء ساهمت إلى حد كبير في زيادة معدل الولادات القيصرية، التي تؤثر بشكل أكبر على صحة الأم مع ما يرافق العمل الجراحي من اختلاطات.
وإن كان الأطباء لا يرون في إجراء العملية القيصرية “خطأ طبياً”، إلّا أن اللجوء إليها يكون عند تعذر الولادة الطبيعية، وذلك لما تتركه من آثار جانبية على صحة الأم، وفقاً لمواقع طبية متخصصة أكدت تناقص فرصة الولادة الطبيعة بعد إجراء أول عملية قيصرية بسبب الجرح الكبير أسفل البطن، والذي من الممكن أن يسبب آلاماً مضاعفة أو يتعرض للتمزق، فأسباب كـ ” الحمل بسن مبكرة، وارتفاع الضغط والسكري أثناء الحمل، وتنافر الزمر، إضافة إلى ارتفاع نسبة الشحوم والكولسترول” تستوجب في كثير من الحالات إخضاع الحامل لعملية قيصرية، تجنباً لحدوث مضاعفات خطيرة في الولادة الطبيعية، بحسب الطبيبة النسائية مرام قاضي، التي أضافت أسباباً أخرى تتعلق بالتوتر النفسي وعدم الاستقرار الذي تعيشه الأسر، ما يسبب آثاراً نفسية على الأم الحامل يحتم إجراء ولادة قيصرية خوفاً من صعوبة المخاض.
يتفق الأطباء على ضرورة إجراء مثل هذه العمليات في حالات “عدم التناسب الجنيني الحوضي, صغر الحوض قياساً برأس الجنين, المجيئات المقعدية, عندما يتقدم مقعد الجنين بدلاً من رأسه, عند الحمل بالتوائم، وفي حالة انفكاك المشيمة”.
يفضل الأطباء الولادة الطبيعية إلّا في الحالات السابقة التي يضطر الطبيب حين وجودها لإجراء العملية القيصرية، كما برزت في السنوات الأخيرة حالات لنساء طلبن إجراء العملية القيصرية خوفاً من آلام المخاض، وعندها يضطر الطبيب بعد موافقة الزوج على إجراء هذه العملية.
ترتفع نسبة الولادات القيصرية في إدلب إلى 40% من حالات الولادة بحسب مديرية الصحة، بينما لا تزيد النسبة العالمية لمثل هذه العمليات عن 30%، إذ وصل عدد الولادات خلال شهر آب الماضي في مشفى الأمومة التخصصي المدعوم من منظمة سامز إلى 469 حالة ولادة 273 طبيعية و196 حالة قيصرية، وترتفع نسبة الولادات بحسب المشفى نظراً لتحويل حالات من قابلات أو عيادات خاصة، ويتم تقييم الحالة التي تستدعي القيصرية مرة ثانية من قبل الطبيبة المناوبة بالمشفى لتلافي الأخطاء.
تقول الخالة سناء من مدينة إدلب (أم لأربعة أطفال) “إن فكرة الولادات القيصرية لم ترق لها يوماً، ولم تفكر حتى في التوجه لدكتورة طيلة فترة حملها، وإنها كانت تتابع حملها عند القابلة في فترات زيارة لا تتجاوز ٦ مرات طيلة أشهر الحمل”، إلّا أنها لم تستطع إقناع ابنتها ضحى (18 عاماً) بعدم إجراء عملية قيصرية، بناء على طلبها، لما سمعته الأخيرة عن “صعوبة آلام الولادة الطبيعية وموت بعض النساء أو الأجنة خلالها”، وهو ما ندمت عليه ضحى التي أخبرتنا وهي تئن “أشعر بألم كبير، وكم أنا نادمة لأنني لم أسمع نصيحة والدتي وولدت دون عملية”.
بينما تقول ابتسام (٣٥ عاماً مهجرة من ريف دمشق وتقيم بريف إدلب) إنها أنجنب أطفالها الأربعة بولادة طبيعة، ومع قدومها إلى إدلب ونظراً للضغوط النفسية التي عاشتها وقلة الراحة أثناء الحمل، خاصة رحلة التهريب التي أرادت خوضها مع زوجها للدخول إلى تركيا، سببت لها ارتفاعاَ في ضغط الدم أجبرها على إجراء عملية قيصرية لمولودها الخامس.
من جهتها تعتبر القابلة حنان أن قلة الكوادر الطبية شكلت سبباً إضافياً لزيادة القيصريات في المنطقة “لا تتجاوز مدة العملية القيصرية نصف ساعة، في حين تحتاج بعض الولادات الطبيعية للمراقبة لساعات طويلة”، وهذا ما يدفع العديد من الأطباء إلى اختلاق أسباب تقنع أهل الأم الحامل بإجراء العملية، كما تلجأ بعض القابلات أو الطبيبات لإعطاء الحامل “محرضاً على الطلق” لتسريع عملية الولادة، والذي يسبب، طلقاً في غير وقته، قبل التوسع بعد فتحة عنق الرحم ليناسب الولادة، مما يضطر الحامل لإجراء عملية قيصرية، ويعمد إلى استخدامه لكسب الوقت بالمشافي المجانية، ولزيادة أجرة الولادة في المشافي الخاصة، وهو أجر يفوق أجر الولادة الطبيعية بعدة مرات، إذ تبلغ كلفة الولادة الطبيعية 35 ألف ليرة سورية، في حين تتجاوز كلفة العملية القيصرية 75 ألف ليرة، ناهيك عن غرفة المنامة في المشفى وثمن الأدوية.
يتوزع 24 قسماً للتوليد ورعاية الأمومة في مدن وقرى محافظة إدلب، بحسب الدكتور وسيم باكير (مدير نظام الأمومة في مديرية الصحة) الذي قال إنالمديرية تسعى لتحسين نظام الأمومة والوضع الطبي، وتلافي الأخطاء عن طريق حملات توعية ودورات تأهيل للكوادر الطبية، من خلال توقيع “مذكرات تفاهم مع منظمات طبية لدعم مشافي الأمومة، ومنظمات مجتمع مدني مهمتها تتجلى في حملات تزيد من وعي الأسرة والكادر الطبي بالقوانين السليمة التي تخص الصحة الإنجابية”.
ويوضح الباكير أن المديرية تعمل على إنشاء معاهد القبالة، وتنظيم الدورات التدريبية التي تشرف عليها منظمة “يونف إي بي” التابعة للأمم المتحدة، وتهدف إلى رفع السوية المجتمعية عند النساء في ظل الحرب بإمكانية التوليد الطبيعي، منوهاً إلى أن منصب مدير الأمومة الذي يشغله حالياً قد تم استحداثه مؤخراً بهدف وضع سياسة مشافي الأمومة، ومراقبة سير عملها.