فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

شهيد للحرية في بنش و سراقب تُقصف بالكلور

شهيد للحرية في بنش و سراقب تُقصف بالكلور

لم يستطع حسام حوراني إغلاق الباب في وجه الملثمين الذين حاصروا منزله في مدينة بنش، كان عليه أن يستسلم لهم للحفاظ على حياته. حتى وإن شهد اليوم السابق لمحاصرة منزله مظاهرة عادت بأهالي المدينة إلى أيام الثورة البكر، ونبذ الفصائلية، وإخراج جميع الفصائل من المدينة ومطالبتهم بالتوجه إلى الجبهات. لكن الحال اختلف هذه المرة، فالاعتقال والموت سيكون نصيب كل من يقف في وجه الحكام الجدد.

الصورة أثناء تشييع الشهيد حسام حوراني في مدينة بنش – المصدر: تنسيقية بنش.

قبل أن يكمل إغلاق الباب ليدير ظهره للملثمين خارجاً، كانت الرصاصة قد اخترقت الباب الحديدي وكتف حسام لتستقر في الرئة. الدم ملأ المكان، والمرأة العجوز التي خرجت إثر الصوت، تم تهديدها بالقتل إن لم تعد إلى منزلها، أما والد حسام وشقيقه، فلم يكن هناك بدّ من استعطاف القاتل لحمل ابنهم إلى أقرب مشفى، علّ الحياة تعود إليه.

نجحت محاولة الاستعطاف، إلّا أن حسام فارق الحياة في إحدى المشافي التركية بعد إسعافه إليها، حسام ورفاقه من الناشطين والمدنيين لم تكن تهمتهم سوى السعي للحفاظ على الثورة، والمناطق التي حرروها بدماء أبنائهم وأخوتهم. هي مظاهرة خرجت يوم الجمعة 2/1/2018 من الجامع الكبير في بنش نحو مقرات الفصائل في المدينة التي يسيطر عليها “حركة أحرار الشام” بنسبة كبيرة، بالإضافة إلى فصيل مستقل لا يتجاوز عدد أفراده 15 عنصراً، ومخفر حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام. كان شعارها الوقوف في وجه جيش النظام الذي بات على أعتاب سراقب في تل السلطان “13 كم عن سراقب”، وإخراج الفصائل المقاتلة التي قال المتظاهرون إن مكانها على الجبهات التي تتداعى وليس في شوارع المدينة.

ربما أخطأ المتظاهرون بتمزيق لافتات المخفر والشجار مع عناصره، والأكيد أنهم أصابوا برفع علم الثورة على السارية غرب بنش، أما أن يدخل المدينة بحسب شهود عيان في المدينة أكثر من 150 ملثماً بسياراتهم وعتادهم، ليحرقوا العلم بعد ساعات من رفعه، ويتوجهوا لمحاصرة بيوت الناشطين والإعلاميين، وقتل أحدهم. فذلك رد فعل لا يتناسب مع الفعل ذاته، وربما أعادنا إلى اللبنة الأولى التي أخرجت المتظاهرين في بداية 2011 ضد الظلم والقهر من أجل هدف واحد “الحرية”.

المصادفة وحدها ما يجعل الموت متشابهاً إلى هذا الحد، فالطلقة التي استقرت في رئة حسام تحاكي “بشكل أو بآخر” استهداف مروحيات الأسد لأهالي سراقب بغاز الكلور، هو الشعور ذاته في البحث عن الهواء، يقول أحد الناجين في سراقب “بعد استهدافنا ببرميل لم ينفجر، بدأت أعراض زلة تنفسية واختناق تصيبنا، كنا نبحث عن الهواء، زرقة علت الوجوه، ودماع وتخرش في العين”. 17 حالة تم نقلها إلى المشافي القريبة ومحاولة إنقاذها عبر “الإرزاز والكورتيزون”، نجت جميعها، على حد قول يحيى نعمة (مسؤول المشافي في مديرية صحة إدلب). ليمارس المجتمع الدولي بقيادة أمريكا قلقه من استهداف قوات النظام للمدنيين “بما يعتقد أنه غاز الكلور”، وليتسابق وزير الخارجية “تيلرسون” والدفاع “ماتيس” لتحميل روسيا مسؤولية الهجوم الكيميائي الذي قامت به قوات الأسد، داعين روسيا إلى تحمل مسؤوليتها الضامنة، وعدم استخدام حق النقض “الفيتو” على مشروع يدين قوات الأسد باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً.

كان على رجال الدفاع المدني إسعاف المصابين إلى مشافي خارج سراقب بعد الحملة التي تشنها قوات الأسد لتدمير البنية التحتية -خاصة الطبية- في الأسابيع الأخيرة، والتي أخرجت مشفى عدي في سراقب عن الخدمة في 28/1/2018 بعد استهدافه بغارات جوية، بالإضافة إلى المشفى الوطني في معرة النعمان 4/2/2018، ومشفى الأورينت في كفرنبل  وبنك الدم في سراقب ومشفى سرجه في 5/2/2018، بالإضافة إلى عدد من المراكز الطبية في سراقب والشيخ إدريس وتل مرديخ.

يقول مسؤول المشافي “إن هذه الحملة تهدف إلى قتل كل محاولة للحياة من خلال تدمير البنى التحتية وتهجير الأهالي من المنطقة التي شهدت نزوحاً كبيراً خلال الشهر الأول من عام 2018، بلغ أكثر من 400ألف من المدنيين معظمهم من النساء والأطفال”.

عود على بدء

بعد سيطرة “جيش الفتح” على إدلب في آذار 2015، وجسر الشغور في نيسان وأبو الظهور في أيلول من العام نفسه، أعلنت محافظة إدلب كثاني محافظة محررة بعد الرقة.  بدأت الخلافات بين الفصائل التي انتهت بانحلال جيش الفتح، ثم سيطرة هيئة تحرير الشام على معظم المناطق في محافظة إدلب، لتتجه المنطقة نحو مرحلة الحل السياسي التي أفضت في أيلول 2017 إلى اتفاق على إنشاء مناطق خفض التصعيد، بالتوافق بين روسيا وتركيا وإيران في مؤتمر الأستانه 6.

الاتفاق الهش الذي خرقه النظام وحلفاؤه الضامنون مرات عديدة انهار بعد التقدم البري في ريفي حلب وإدلب الجنوبيين، لتسيطر تلك القوات على مساحات كبيرة كان أهمها مطار أبو الظهور العسكري وسنجار في ريف إدلب الجنوبي وتل الضمان والقرى المجاورة في ريف حلب الجنوبين. وتوجههم نحو مدينة سراقب التي استهدفتها قوات الأسد بمئات الغارات الجوية وحولتها إلى مدينة منكوبة بحسب إعلان المجلس المحلي في المدينة في 28/1/2018.

لم تنجح المعارك التي نظمتها الفصائل المسلحة رد الطغيان في 11/2/2018، ودحر الغزاة -التي ما زالت مستمرة- سوى في استرجاع عدد قليل من القرى التي سيطرت عليها قوات النظام، كما لم تنجح الاتفاقات التي تمت في غرف أستانه في إيقاف هذا التقدم، على الرغم من دخول رتل من الجيش التركي إلى تل العيس في ريف حلب الجنوبي -منذ أيام- لبناء قاعدة عسكرية و12 نقطة مراقبة لخفض التصعيد، موزعة على مناطق في إدلب وحماه وريف حلب الغربي بحسب الاتفاق.

الرتل الذي قابله الأهالي بالذبائح -بحسب مقاطع فيديو- تم استهدافه مرتين قبل وصوله إلى المنطقة، ومن ثم جرى استهدافه يوم الاثنين الماضي 4/2/2018من قبل الميليشيات الإيرانية الموجودة في الحاضر جنوبي حلب، ما أدى إلى مقتل جندي تركي وجرح خمسة آخرين، ما استدعى الرد من قبل الرتل التركي والفصائل المعارضة بصواريخ أرض أرض على منطقتي “سد الشقيفة والحاضر” بحسب رئاسة الأركان التركية.

عبد الله العلي رئيس مجلس بلدة العيس قال “إن هناك ارتياح عام لدخول الرتل التركي، والذي سيسهم في عودة الأهالي النازحين التي بدأت بالفعل منذ يوم أمس بعودة بعض أهال الهضبة وتل حدية المجاورتين”. معظم ردود الأفعال التي تتبعناها كانت ممتنة لإقامة نقاط المراقبة، ومتعلقة بالحل السياسي بعد حالة اليأس التي شهدتها المنطقة إثر التقدم السريع لقوات الأسد وانسحاب الفصائل العسكرية المتواجدة هناك.

على باب بيت حسام كان والده يسأل الملثمين عن سبب قدومهم، أجابوه أنهم يريدون اعتقال ابنه، حين فتح الباب وجد ابنه ممداً على الأرض وسط بركة من الدماء وعلى رأسه زوجته تبكيه، “قتلوه، خدوه اعتقلوه”، يقول أحد الناشطين “كان بالإمكان اعتقاله هم أرادوا قتله، لم يكن هناك مقاومة، رصاصة واحدة كانت في جسد حسام”.