فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

تصوير: جلال المامو

غجر سوريا “القرباط”

فريق التحرير

غجر سوريا “القرباط”

تمائم سحرية للرغبات. رقص للحياة. غناءٌ وترحال، هكذا هم، شعب ارتاد الحياة دون أهمية، ربما لم يكن يعنيهم كل ما يمكن أن يجري في هذا الواقع، فكان كذلك الغجر “القرباط”، أحد أسئلة الحياة الغامضة الإجابة. قصة ذاكرة بلد بهذا الجزء من المكون البشري.

من هم الغجر؟ وأين كانوا؟ كيف عاشوا وأين أصبحوا؟ اسمهم “القرباط” في سوريا، عوضاً عن الاسم المتعارف عليه عالمياً “الغجر” (Gypsies أو Romany)، وهم جزء من مكون غجري عالمي بالثقافة والعادات، وليس بالضرورة العرق.

هم في سوريا أربع مجموعات: البركي، الغربتي، الزلط، والنَوَرْ.

من هم الغجر؟

هناك الكثير من الحكايات والقصص والأساطير التي نسجت عن الغجر وأصولهم ونشأتهم. يعتقد البعض بأن الغجر جاءوا من القارة المفقودة “اتلانتس” قبل اختفائها، ومكثوا في المنطقة الواقعة على مضيق جبل طارق حيث تعلموا كل فنون السحر ومن ثم انطلقوا في العالم كمجموعات لمعالجة الناس، وشفاء الجرحى بطقوس علاجية ودينية.

هناك فرضية تقول إنهم طائفة “فارسية” يحملون اسم Athinganoi باليونانية، بمعنى لا يُلمسون، وهم من السحرة والمشعوذين والعرافات، كانوا قدِموا إلى Hellas اليونانية في القرن الثامن الميلادي. وهناك من يقول إنهم المصريون الذين لاحقوا اليهود وضلوا طريق العودة، ونظرية معاكسة تقول أنهم اليهود الذين هربوا من المصريين وتاهوا في الأرض.  وفرضية أخرى تقول أنهم أحفاد جساس بن مرة البكري قاتل الفارس والشاعر الزير سالم.

وفي كل هذه الفرضيات والروايات عن الغجر وأصولهم تظهر الفرضية الأكثر خيالاً، وهي أنهم مجموعة من “اللصوص والمتشردين” صبغوا جلودهم بعصير الفواكه ليأخذ اللون الكستنائي، وخلقوا لغة خاصة بهم من أجل حفظ أسرارهم.

في المقابل، فإن الرواية الأكثر منطقية وأقرب للحقيقة، أنهم قبيلة أو مجموعة قبائل أتوا من الهند من منطقة اسمها “قرباط” للبحث عن المعيشة، أو هرباً من “البوذيين” إثر التصفية العرقية التي حصلت نتيجةاعتناقهم الإسلام آنذاك، بحسب بعض شيوخهم. ويقول هؤلاء الشيوخ أنهم يختلفون في أساليب معيشتهم وتقاليدهم في سوريا عن الغجر المعروفين في العالم.

كيف عاشوا؟ وأين؟

عاش الغجر في ظروف الحضارة الحديثة بشكل سيء في أغلب المجتمعات. فكانوا يُقابلون بالازدراء دائماً من العروق الأخرى والطبقات الأكثر تمدناً، إذ اعتبروا العصابات المشردة في المدن. ورويت حكايات حول مقدراتهم في السحر وعن إيمانهم ودينهم الخاص، وعن ممارستهم في السرقة، وخصوصاً سرقة الأطفال وبيعهم. تلك الحكايات كانت من أكثر الأسباب لنفور الجزء الأكبر من الناس وخصوصاً الشريحة الإيمانية منهم.

“الهولوكست”

وبالطبع، كانت الحادثة الأكثر انتشاراً حول الغجر هي “الهولوكست” التي نفذها النازيون بحق مئات الآلاف منهم في ألمانيا. وعلى الرغم من عدم وجود إحصائية دقيقة للغجر، إلا أنه تم إحصاء عددهم بعشرة ملايين في العالم، موزعين على مجموعتين رئيسيتين “الرومن والدومر”، ويفرع عن كل منهما مجموعات أصغر.

بالرغم من قلة عددهم إلا أنهم يملكون إرثاً فنياً كبيراً، ولهم بصمة واضحة في مجال الفن، جُمعت حكاياتهم وقيمهم في القصص “الغجرية” الأصلية.

ولذا يظهر ألا لغة مكتوبة “للغجر”، وأنهم من الشعوب الشفهية، وكانوا يحفظون ذلك الإرث عبر أغانيهم وموسيقاهم التي  تأثرت بطبيعة المجتمع الذي يقيمون ضمنه.

إن الغجر يملكون قدرة كبيرة في التأثير بثقافات الشعوب وخيالاتها. فهم معروفين بين جميع المجتمعات والثقافات على عكس أقليات كثيرة. وما زالت الدراسات والبحوث النقدية قائمة في دراسة الغجر وأصولهم، وما زالوا منتشرين في كل أصقاع العالم، يجوبون البلاد، والكثير منهم دخل ضمن وظائف في دول أوروبا وأصبحوا ضمن عمل المنظومة الإنتاجية للدول. وتماهوا بمقدار كبير مع طبيعة مجتمعاتهم.

لا يزال الغجري في منطقة الشرق الأوسط ووبخاصة سوريا يعاني الرفض الاجتماعي والسياسي له، نتيجة الحكايات المنتشرة عنهم.

“القرباط” يتوزعون في حلب وريفها وحماه وجزء من دمشق. غالبيتهم لم تدخل في قيود “النظام السوري”، فكانوا عبارة عن تجمعات بأحياء معينة لا ينالون أي رعاية أو اهتمام. ولكن كان “القرباط” دائماً حاضرين في الخليط العرقي والديني السوري. لكن بدأت أخبارهم تتلاشى مع بداية حكم بشار الأسد عام 2000 . ولم يكن “للقرباط” دور فعلي في الثورة نتيجة قلة عددهم والخوف من كسر  نظام “حرمة تجمعاتهم”. وهكذا تلاشى غجر سوريا “القرباط” أو جزء كبير منهم في زحمة الحرب السورية الحالية.

علي الأعرج