عقب ساعات من سيطرة الإدارة العسكرية لمعركة ردع العدوان على مدينة حلب، في 30 تشرين الثاني 2024، زُوّدت معظم أحياء المدينة بالكهرباء لساعات تفوق ساعات التقنين القديمة، ووصلت في قسم من المناطق إلى توفر الكهرباء على مدار الساعة، لكن سرعان ما عاد وضع الكهرباء في حلب إلى سابق عهده، ليكون لسان حال سكانها اليوم “دوام الحال من المحال”.
منذ سيطرة قوات النظام على “حلب الشرقية” في نهاية عام 2016، غابت الكهرباء عن معظم أحياء المدينة الشرقية، في الوقت الذي كانت تزوّد فيها باقي المناطق بالكهرباء ضمن ساعات تقنين تراوحت بين 16 إلى 20 ساعة يومياً، وقد تغيب لأيام، بحسب توفّر الوقود من جهة، وإصلاح الشبكات المهترئة والمدمّرة بفعل القصف أحياناً أخرى.
الحلول الجزئية التي أوجدتها مديرية كهرباء النظام في السنوات الثمان الماضية كانت حلولاً جزئية، كان أبرزها إعادة تأهيل وصيانة محطة تحويل كهرباء بستان القصر، والتي لم تخدم سوى جزء يسير من الحي ومحيط قلعة حلب وجب القبة، كما وصلت الكهرباء الصناعية إلى منطقتي العرقوب والشيخ نجار الصناعيتين، في الوقت الذي غابت فيه الكهرباء عن الجزء الواقع بعد حديقة بستان القصر وباقي الأحياء الواقعة في الجهة الشرقية من المدينة، على الرغم من مد الأعمدة، دون وصول التيار إليها، تحت حجج كثيرة وواهية، ليعيش أهالي تلك المناطق تحت رحمة “تجار الأمبيرات”، الشركاء لمتنفذين في المدينة.
دخول الإدارة العسكرية إلى حلب فنّدت الادعاءات حول واقع الكهرباء التي وصلت دون انقطاع إلى أحياء كثيرة من المدينة، يقول بلال عبد الله، موظف في مديرية كهرباء حلب، إن سبب عدم انقطاع الكهرباء عن عدة أحياء في المدينة لاسيما الجزء الغربي منها، يعود إلى أن جزءًا كبيرًا من كمية الكهرباء المخصصة لسكان حلب، كان يخصصها النظام السابق إلى الفروع الأمنية ومساكن الضباط والبحوث العلمية التي يسكنها المسؤولون والميليشيات الأجنبية.
وأضاف بلال لفوكس حلب، أن جزءًا آخر من الكهرباء التي تأتي من المحطة الحرارية بريف حلب أو سد تشرين، كان يوزعها النظام على المحافظات الأخرى، ويبيع قسماً منها إلى لبنان، ولكن عقب سيطرة الإدارة العسكرية على حلب، قطعت الكهرباء عن الأفرع الأمنية وعن باقي المحافظات، وخصصتها بالكامل لمدينة حلب.
ومع ذلك، لم تنعم أحياء في مدينة حلب بالكهرباء عقب زيادة التغذية الكهربائية وعدم انقطاع التيار عن أحياء عدة في حلب الغربية. ويعود السبب في ذلك، بحسب ما ذكر بلال عبد الله، إلى أن 70% من أحياء حلب الشرقية تشكو من بنية تحتية منهارة، بسبب القصف العنيف الذي تعرضت له خلال فترة الحصار، فضلًا عن سرقة ميليشيات الأسد المحولات والكابلات الكهربائية بعد السيطرة على حلب، وبالتالي “كيف سيستفيد الأهالي من التغذية الكهربائية إذا كانت الشبكات في مناطقهم لا تعمل”.
وأضاف بلال، “نعمل على صيانة الأعطال، إذ تمت صيانة أكثر من نصفها حتى الآن، لكن مديرية الكهرباء تشكو من نقص في الكوادر، إذ وصل عدد العاملين في شركة كهرباء حلب نحو 6 آلاف عامل، وبعد سقوط النظام لم يبقَ أكثر من 1500 عامل، وهو عدد غير كافٍ لتغطية مدينة حلب الكبيرة وريفها”.
وفرة الكهرباء التي عاشها سكان حلب خلال الأيام الأولى التي أعقبت تحرير المدينة لم تدم، إذ عاد التقنين الكهربائي لجميع الأحياء بنسب متفاوتة. يرجع بلال عبد الله السبب، إلى أنه وخلال معارك السيطرة على مدينتي حماة وحمص، تضررت شبكات الكهرباء على أوتوستراد حلب -دمشق، فضلًا عن أضرار لحقت بمحطة محردة الكهربائية بريف حماة، ما أثر على واقع الكهرباء في المحافظات الوسطى، “لذلك اضطررنا إلى تحويل جزء من الكهرباء التي كانت تصل عبر المحطة الحرارية من حلب إلى تلك المحافظات، إضافة إلى أن نقص الوقود أثر على فترات التشغيل”.
فوكس حلب تواصلت مع عدد من سكان مدينة حلب للاستفسار عن عدد ساعات التقنين حاليًا في مناطقهم، إذ تبلغ ساعات التقنين في أحياء الميدان والعزيزية والموكامبو والسليمانية نحو 5 ساعات يومياً، أما في أحياء الفرقان وحلب الجديدة والحمدانية والجميلية وباقي الأحياء غربي حلب فتتراوح ساعات التقنين بين 8-12 ساعة، وتتراوح في معظم الأحياء الشرقية بين 20-22 ساعة.
وما يزال سكان حلب يعتمدون على نظام الأمبيرات لتوفير الكهرباء لمنازلهم، إذ لا يكاد يخلو شارع في المدينة من مولدات كبيرة تعمل على المازوت، وتزود المنازل بخطوط كهربائية وفق اتفاق مع صاحب المولدة.
مؤيد قلعجي (46 سنة) من سكان حي الجميلية في حلب، قال إن أسعار الأمبيرات تختلف بين حي وآخر، لكنها جميعاً مرتفعة الثمن، إذ يتراوح سعر الأمبير الواحد بين 75 إلى 125 ألف ليرة سورية أسبوعياً.
يقول القلعجي التكلفة تحدد بناء على عدد ساعات التشغيل وعدد الأمبيرات التي يطلبها المستفيد، وسعر المحروقات، إضافة لسعر تصريف الدولار، إذ ارتفع ثمن الأمبير الواحد في حي الجميلية خلال الأيام الماضية من 80 إلى 125 ألف ليرة سورية، بحجة ارتفاع سعر تصريف الدولار الذي وصل إلى 25 ألف ليرة سورية للدولار الواحد، لكن ومع هبوط سعر الصرف إلى 13500 ليرة اليوم لم يعاد النظر في سعر الأمبيرات من قبل أصحاب المولدات الذين اتهمهم بـ “الجشع”.
يوجّه سكان مدينة حلب مناشدة لمديرية الكهرباء والإدارات المسؤولة حالياً عن المدينة لتوفير الكهرباء وإصلاح الأعطال، وضبط الأسعار وإعادة تشغيل المولدات التي تركها أصحابها، (من التابعين للنظام وشبيحته بحسب من تحدثنا معهم)، وهربوا من المدينة.
معتز دسوقي، من سكان حي الإسماعيلية بحلب، قال لفوكس حلب إنه لم يعد يحتمل تكلفة الاشتراك بالأمبيرات، “أدفع شهريًا 800 ألف ليرة سورية تكلفة الاشتراك بـ 2 أمبير، أي ما يعادل راتب موظف لثلاثة أشهر”، مشيرًا إلى أن أصحاب المولدات لا يأخذون بعين الاعتبار الفترات التي يعمل فيها التيار الكهربائي، بل يحسبونها ضمن ساعات تشغيل المولدة.
يضيف دسوقي الذي يعمل في ورشة سيارات، أن ابنه يرسل له 100 دولار شهريًا يدفع نصفها ثمن كهرباء فقط، والنصف الآخر لتأمين الاحتياجات الأساسية، يقول “دخلي الشهري لا يتجاوز 500 ألف، ولولا الحوالات المالية لمتنا من الجوع”. يكفي الأمبير الواحد لتشغيل الإنارة والشواحن والتلفاز فقط، ومن يريد تشغيل الثلاجة وبعض الأدوات الكهربائية ذات الاستطاعة المنخفضة، فإنه يحتاج للاشتراك بـ 2 أمبير.
طمع أصحاب المولدات وغياب الرقابة، دفع أهال في حلب للاستغناء عن الأمبيرات دون رجعة، رغم سوء وضع الكهرباء، وأصبحوا يستخدمون البطارية من أجل الإنارة فقط، وهناك من تلقوا حوالات مالية من ذويهم في الخارج، وقاموا بتركيب ألواح طاقة شمسية.
حنا بصمة جي (38 سنة) من سكان حي العزيزية، استغنى عن الأمبيرات بسبب غلاء أسعارها المتكرر، ولجأ لاستعمال الطاقة الشمسية، حيث اشترى لوحين طاقة وانفرتر وبطارية بـ 15 مليون ليرة سورية. يقول بصمة جي صاحب محل ألبسة لفوكس حلب، إن ألواح الطاقة الشمسية في الشتاء غير مجدية كثيرًا، لكنها تكفي لتشغيل الإنارة، بينما يستفيد منها بشكل كبير في الصيف والأيام المشمسة، مضيفًا، “الطاقة الشمسية جعلتني أتخلص من جشع أصحاب المولدات، ونأمل أن يتحسن واقع الكهرباء في المدينة”.
تحتاج مدينة حلب وجميع المحافظات السورية لإعادة تأهيل شبكات الكهرباء ومحطاتها، إذ يبدو حلم توفّر الكهرباء بالحد الأدنى حلماً ينهي استغلال أصحاب المولدات ويؤمن احتياجاتهم الأساسية ويعيد تشغيل أدواتهم الكهربائية التي غلفها الغبار والنسيان.