“انقطاع الإنترنت يعزلنا عن العالم”.. بهذه الكلمات عبّر فراس دقسي من سكان حي سيف الدولة بحلب، عن استيائه من التغطية السيئة لشبكة الإنترنت بعد أن قطعت شركتا “سيرتيل” و”إم تي إن” الاتصالات عن معظم أحياء حلب، في وقت أشدّ ما تكون فيه الحاجة لها.
قبل سيطرة الإدارة العسكرية لمعركة ردع العدوان على مدينة حلب، في 29 تشرين الثاني 2024، كان سكان المدينة يحصلون على خدمة الإنترنت عبر باقات شهرية ضمن خطوط “سيريتل” و”إم تي إن”، أو عن طريق خطوط DSL عبر الشركة السورية للاتصالات التابعة للنظام.
لكن، ومنذ بداية شهر كانون الأول الحالي توقفت شبكات الاتصال والإنترنت عبر خطوط “سيريتل” و”إم تي إن” عن معظم أحياء مدينة حلب، بعد أن أوقفت الشركتان تفعيل الأبراج التابعة لهما.
يقول فراس دقسي (23 سنة، طالب في كلية الآثار بجامعة حلب)، لموقع فوكس حلب، إن لديه خط “سيريتل سبيد طلابي” يقوم بتسديد فاتورته شهريًا، لكن شبكة الإنترنت أصبحت بطيئة جدًا، وبالكاد يمكن للمستخدم إرسال رسائل مكتوبة وأحيانًا صوتية، بينما يتعذر إجراء المكالمات أو القيام بعمليات تحميل ورفع البيانات.
وأضاف “سئمت من ضعف الإنترنت فطوال الوقت وأنا أقوم بإطفاء الهاتف أو شبكة البيانات وإعادة تشغيلها على أمل أن يتحسن الإنترنت لكن بلا فائدة، وأصبح تواصلي مع أخوتي الموجودين في ألمانيا يقتصر على الرسائل المكتوبة”.
كذلك تراجعت سرعة الإنترنت في خطوط “DSL”، لكنها كانت أفضل نسبيًا من خطوط “سيرتيل” وإم تي إن”، تقول أم علاء، تسكن في حي الأشرفية، إن هذه الخطوط ترتبط بوجود الكهرباء، وفي حال انقطعت فلن نتمكن من استخدامها، كذلك شهدت تراجعاً في سرعتها، واقتصار خدمتها على الرسائل، وفي أفضل الأحوال اتصال متقطع.
وعبّرت السيدة عن خوفها من قطع النظام لخدمة DSL أيضاً خلال الفترة القادمة، أسوة بشركتي مزود الانترنت في المدينة، ووصفت ذلك بأنه “مشكلة كبيرة”، فالاتصالات، بحسب وصفها، هي الوسيلة الوحيدة لمعرفة ما يحدث في المنطقة، ومتابعة التعليمات الواردة، مثل بلاغات حظر التجوّل وأماكن وجود الخدمات، والاطمئنان على أبنائها في المدينة وخارجها، والأهم من ذلك، التواصل مع المؤسسات الخدمية مثل الإسعاف على سبيل المثال في حال وجود أي طارئ.
يقول عمر، طبيب مخبري في حي الحمدانية بحلب، إن انقطاع الإنترنت خلق مشكلة كبيرة حول تواصله بالمرضى الذين يراجعون مخبره، “بمجرد أن بحثت عن نقطة انترنت في المكان ووصلت إليها وصلتني عشرات الرسائل لأشخاص يسألون عن نتائج فحوصاتهم أو إن كان المخبر قيد العمل، وتعذّر علي الردّ على معظمها”. ويضيف “لم تعد خدمة الإنترنت رفاهية، بات معظم علمنا يعتمد عليها، وفي ظل المعارك والقلق الذي يعيشه السكان بات وجود هذه الخدمة أكثر إلحاحاً”.
من جهته قال غسان عكاش مدير الشركة السورية للاتصالات التابعة للنظام لإذاعة “شام إف إم” المحلية، إن الاتصالات ستبقى مستمرة لدى جميع المشتركين في حلب حتى نهاية الشهر الجاري حتى لو لم يسدد المشترك الفاتورة، مشيرًا إلى أن الاتصالات ماتزال فعّالة في حلب، مع استمرار وجود مراكز الخدمات التابعة للسورية للاتصالات”.
ودعا عكاش سكان حلب إلى تسديد رسوم الفواتير عبر الدفع الإلكتروني من خلال هواتفهم، زاعمًا أن الغاية من التعميم ليست تحصيل المال أو الفواتير، وإنما حماية المواطنين وعدم اضطرارهم للخروج من منازلهم لدفع فواتير الإنترنت.
سكان حلب بدؤوا بالبحث عن حلول لمشكلة ضعف الإنترنت في مناطقهم، كان أحدها شراء خطوط من شركة “سيريا فون” للاتصالات، العاملة في مدينة إدلب والتي قامت بتركيب أبراج في أحياء حلب الجديدة والجميلية ومبنى الإذاعة بحلب، مع العمل على تركيب أبراج في مناطق أخرى. وتدعم الشركة منذ آب 2023 خدمات الاتصال والرسائل النصية ومكالمات الفيديو والإنترنت من الجيل الخامس، ويقع مركز عملها في مناطق سيطرة “حكومة الإنقاذ” في شمال غربي سوريا.
يقول سعيد العلي (39 سنة من مهجري حلب)، إن خط “سيريا فون” الذي كان يمتلكه عندما كان في مدينة إدلب أصبح يعمل في حي الصاخور الذي عاد إليه يوم أمس، بعد تركيب أبراج في ساحة سعد الله الجابري. ويضيف أن الخط ذاته لم يكن يعمل في أحياء أخرى، آملاً أن تعمل “سيريا فون”على تركيب أبراج تغطي أحياء المدينة كافة.
ودعا من تحدثنا معهم، أسامة وعمر وغيرهما، شركة سيريا فون لتزويد محلّات الهواتف المحمولة بالخطوط لبيعها للمواطنين، خاصة وأن جولتهم لشراء خط جديد باءت بالفشل، قبل أن تصل اليوم، الأربعاء، إلى محلات في حي حلب الجديدة.
المشكلة الأخرى التي تواجه سكان حلب كانت في فارق أسعار خطوط الإنترنت بين إدلب وحلب، إذ يبلغ سعر خط سيريافون 20 دولاراً محمل بـ 6 جيجا مجانية، تكفي نحو شهر من الاستخدام المحدود، ويضطر بعدها المشترك لشراء باقة 3 جيجا بسعر 3 دولارات، أو 20 جيجا بسعر 12 دولاراً، وهو ما يعادل راتب موظف حكومي في حلب، علماً أن تكلفة بوابة DSL بسعة 120 جيجا كانت نحو دولارين ونصف الدولار سابقاً.
الشركة وضعت أسعاراً بالليرة السورية، بحسب حسام، صاحب محل لبيع خطوط الإنترنت في حي حلب الجديدة، إذ يبلغ سعر خط سيريافون نحو 400 ألف ليرة سورية، أما باقات الاتصال والرسائل فتوزعت على ثلاث فئات، الباقة الأولى تضم (300 دقيقة اتصال، 400 رسالة، 6 جيجا صالحة لمدة 30 يوماً) بسعر 75 ألف ليرة سورية، الباقة الثانية تضم (350 دقيقة اتصال، 400 رسالة، 10 جيجا صالحة لمدة 60 يوماً) بسعر 125 ألف ليرة سورية، الباقة الثالثة تضم ( 800 دقيقة اتصال، 600 رسالة، 20 جيجا صالحة لمدة 90 يوماً) بسعر 210 ألف ليرة سورية.
يجد سكان في حلب في خطوط سيريا فون حلّاً لمشكلتهم، لكن آخرين لا يرون في أسعارها غير المناسبة لدخلهم ما يحول دون اقتنائها، كذلك لأسباب أمنية بحسب من تحدثنا معهم.
يقول، أحمد من سكان حي الجميلية بحلب، إن بيع خطوط الإنترنت بأسعار مناسبة قد يكون حلّاً مجدياً، لكن سكان في المدينة يفضلون البقاء على شبكتي “سيرتيل” و”إم تي إن”، رغم بطئها الشديد، وقسم ممن توقفت الشبكة في مناطقهم، لا يفكرون حاليًا في شراء خط “سيريا فون”، وذلك من خلال من تحدثت معهم فوكس حلب في عدة أحياء من حلب.
يقول، أحد سكان حي الحمدانية بحلب، فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، إن بعض سكان حلب يتخوفون من عودة مدينة حلب إلى قبضة الأسد، لذا لا يريدون شراء خطوط “سيريا فون”، لأنهم يعلمون أن عودة النظام تعني إغلاق الشركة، وبالتالي توقف الخط الذي اشتروه. ويضيف أنه يستخدم رصيد الإنترنت المتبقي لديه مسبقًا على خط “سيريتل”، مضيفًا أن تعبئة رصيد جديد من الإنترنت على خطوط “سيرتيل” لم يعد متاحًا حيث توقف السيستم الخاص بتعبئة الرصيد من قبل الشركة حاله كحال شركة “إم تي إن”.
وجد مستخدمون لـ “سيرتيل” و”إم تي إن” من سكان حلب حلًا بديلًا، عبر التواصل مع أحد أقربائهم خارج المدينة، إذ يمكن لأي شخص تحويل مبلغ من المال إلى صاحب أي محل هواتف موجود في مناطق النظام، ليقوم بتعبئة الرصيد له حسب الباقة المطلوبة.
بعض المحلاّت في مناطق النظام نشرت إعلانات عن إمكانية تعبئة رصيد لأهالي حلب، حيث يمكن لأي شخص في الخارج تحويل مبلغ إليها عبر حساب “بايبال” أو عبر أحد فروع شركة الهرم ، كون شركات الصرافة في حلب توقفت عن العمل. وتبلغ تكلفة تعبئة 90 ألف وحدة لخطوط “سيريتل” أو “إم تي إن” على سبيل المثال، نحو 10 دولار أي ما يعادل 250 ألف ليرة سورية.
خدمات كثيرة ملحّة على جدول احتياجات السكان في حلب، الماء، الكهرباء، الخبز، الوقود، لكن يبقى الإنترنت حاجة إسعافية ترتبط بكل الخدمات الأخرى، أملاً في إيجاد حلول تساعدهم على الاستمرار.