فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

مصير مجهول  لنزلاء دار السلامة المسنين وذوي الإعاقة

حسين الخطيب

تحدّيات عديدة تواجه دار السلامة للمسنين، آخرها قرار بإغلاق مبناها داخل حرم معبر باب السلامة، ليضاف البحث عن مكان إلى جملة المشكلات التي تواجهها من نقص في التمويل وتأمين اللوجستيات والتكاليف التشغيلية

بـ “قلق”، ينتظر 42 نزيلاً في دار السلامة لرعاية المسنين وذوي الإعاقة في مدينة إعزاز، شمالي حلب، مصيراً مجهولاً رسمه قرار إغلاق اتخذته إدارة معبر باب السلامة التي تقع الدار داخل المخيم المبني في حرمه، ونقص التمويل والتكلفة التشغيلية، إضافة لعجز الحصول على بديل مناسب. 

مصير مجهول

يضم نجم الدين عبد المنان، (42 عاماً) نزيل في دار السلامة، أطفاله الذين يسكنون رفقته في الّدار محاولاً طمأنتهم عن مصير يجهله هو ذاته. ست سنوات أمضاها المنان في دار السلامة طريح الفراش بعد إصابته بشلل رباعي، نتيجة خطأ طبي خلال عملية جراحية لاستئصال كتلة سرطانية بالنخاع الشوكي في إحدى مستشفيات مدينة حلب خلال عام 2015.

“بعد إصابتي بشلل رباعي تركت وحيداً، تخلت عني زوجتي ووضعت أطفالي في دار للأيتام لأنني لا أستطيع خدمتهم، بينما غادر أخوتي البلاد، وأنا لا أستطيع الحركة”، يقول عبد المنان، الذي ينحدر من مدينة عفرين ووُجد في غرفة بعد سيطرة الجيش الوطني عليها في عام 2018.

ويضيف “تركت في غرفة لا أرى فيها الضوء، تقرّح جسمي وتكلست أطرافي لعدم قدرتي على الحركة، لكن بعد وصولي إلى الدار، تابعت علاجي في مستشفى الهلال الأزرق المجاور، وخضعت لجلسات علاج فيزيائي، وتحسنت صحتي حتى استطعت تحريك يدي والخروج يومياً على الكرسي المتحرك لرؤية الضوء”.

صورة لنزلاء في دار السلامة في مدينة إعزاز- تصوير: حسين الخطيب
صورة لنزلاء في دار السلامة في مدينة إعزاز- تصوير: حسين الخطيب

“بحث القائمون على دار السلامة عن أبنائي الذين أضعتهم وعثروا عليهم في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في عين العرب، وأعادوهم إليّ بصعوبة بالغة، واستضافتهم الدار ليكونوا بجانبي طيلة السنوات الماضية”، يروي المنان الذي يعتبر دار السلامة ملاذه الوحيد، ويخشى خسارة المأوى الذي يسكنه رفقة  41 نزيلاً من كبار السن وذوي الإعاقة.

يقول “أولادي صغار، وأنا غير قادر على الحركة إطلاقاً، ولا يمكنهم أن يعملوا أو يدرسوا فحياتهم ومستقبلهم مهدد في حال لم يبق لدينا مكان، كانوا يدرسون في مدارس المخيم، وينامون في الدار التي تقوم على رعايتنا جميعاً”.

المصير المجهول ينتظر أيضاً غسان شيخو، (65 عاماً) لبناني الأصل من سكان مدينة حلب، يشكو  مرض عقلي، ويعيش منذ عام 2018 في دار السلامة، إذ لا يمكنه الاعتماد على نفسه في تأمين عمل وسكن، لتشكل الدار بيته الآمن.

يتساءل من تحدثنا معهم من نزلاء في الدار عن الحلول المتوفرة، وإن كان هناك بديل لدار السلامة أسوة بسكان المخيم الذين يجري نقلهم إلى شقق سكنية بنيت لهم.

إلى أين

تغيب الحلول لدى إدارة دار السلامة التي تأسست في عام 2018 في بناء من أربعة غرف أنشئ داخل معبر باب السلامة بتبرعات “من أهل الخير”، بحسب ما شرح مديرها  نزار نجار، والذي أرجع فكرة إنشائها إلى عام 2013، حيث كانت عبارة عن خيمة واحدة تستقبل المسنين.

من خيمة إلى غرف أربعة، ثم إلى 11 غرفة، ثلاثة منها مخصصة للإدارة والموظفين وثمانية لاستقبال النزلاء، تطورت مساحة دار السلامة خلال السنوات الماضية. ورغم توسعها بقيت عاجزة عن استقبال العديد من الأشخاص رغم استيفائهم للشروط التي حددتها الدار لاستقبال النزلاء ممن “لا يملكون مأوى ولا يوجد لديهم من يعيلهم ولا يستطيعون خدمة وإعانة أنفسهم”، إذ تستقبل الدار اليوم ضمن نزلائها كبار السن وذوي الإعاقة (المرضى العقليون، المرضى النفسيون، المصابون بإعاقة، مرضى التوحد)”.

غرفة نزلاء في دار السلامة بمدينة إعزاز- تصوير: حسين الخطيب
غرفة نزلاء في دار السلامة بمدينة إعزاز- تصوير: حسين الخطيب

يبرر مدير الدار عدم القدرة على استقبال نزلاء جدد بـ “قلة الدعم وعدم توفر مساحة كافية في الدار، فضلاً عن كونها غير مستوفية لشروط السلامة ووجودها في مخيم عشوائي يفتقر للبيئة الملائمة”.

الدّار التي تحوّلت إلى ملاذ  لعشرات النزلاء ممن تقطّعت بهم السبل أو تُركوا لمصيرهم خلال سنوات الحرب وما خلفته من تهجير وتشريد وقصف، وفقدوا الاتصال بذويهم، في طريقها إلى الإغلاق، بعد قرار اتخذته إدارة معبر باب السلامة بترحيل سكان مخيم “باب السلامة” إلى قرية سكنية تقع في قرية “الطقلي” شمالي مدينة صوران، بالتعاون مع منظمة قطر الخيرية، متجاهلين تأمين مكان مناسب لنقل دار المسنين.

يرجع كمال، مقاتل في الجبهة الشامية، قرار الترحيل وتفريغ المخيمات داخل حرم معبر باب السلامة وعلى الطريق الرئيسي إلى ضغوط تركية ترتبط بحوادث سابقة، بعد أن اعترض نازحون سيارات للمخابرات التركية خلال شهري حزيران وتموز الماضيين، وهاجموا بوابة المعبر.

يبدو أن دار المسنين لا تقع في حسابات إدارة المعبر و الجهات التي أشرفت على نقل المخيم، يقول نجار إن “إدارة الدار تواصلت مع شخصيات من الجبهة الشامية وإدارة معبر باب السلامة بهدف منحهم فرصة أسابيع ريثما يستطيعون تأمين مكان بديل عن هذا الموقع”، مشيرًا إلى أنه “من المفترض أن ينقل النزلاء إلى دار متخصصة برعاية المسنين في مدينة أعزاز، لم يكتب لها النجاح، بعد توقف بنائها عند مرحلة الإكساء لقلة التمويل”.

ويضيف نجار أن الدار البديلة في إعزاز “بنيت من تبرعات شخصية، إذ منحهم أحد أهالي المدينة أرضاً للبناء، فيما قدّم متبرع غير سوري تكلفة البناء الذي تولّت أعمال تنفيذه منظمة وقف الديانة التركية، لكنه لم يكتمل بعد وصوله إلى مرحلة الإكساء لتوقف الدعم من المتبرع”. لا تتوفر حلول حتى اللحظة لمشكلة النزلاء في دار السلامة، دار المسنين التي واجهت وتواجه منذ سنوات صعوبات جمّة تهدد بإغلاقها. 

خطر الإغلاق 

مثل نزلائها تواجه دار السلامة تحديات ومخاطر، التهديد بالإغلاق كان آخرها، لكنه ترافق خلال السنوات الماضية، خاصة في السنة الأخيرة من مشكلة في التمويل في ظل عجز القائمين على الدار عن تغطية الاحتياجات الأساسية للنزلاء في السكن الحالي، إضافةً إلى عدم قدرتهم على توفير مكان آمن مجهز بالخدمات اللوجستية والصحية المناسبة للرعاية.

تعتمد دار السلامة في تأمين أكلافها ومصاريفها على تبرعات الشخصية، ومساعدات غير منتظمة من قبل منظمات المجتمع المدني، إلا أنها لا تغطي التكاليف التشغيلية لتأمين احتياجات النزلاء بشكل يومي عبر توفير الغذاء، والدواء، والطبابة، والنظافة، والعلاج النفسي، والعلاج الفيزيائي التي يقدمها موظفون وعاملون في المجال بالتنسيق مع مستشفيات محلية متعددة.

يقدّر مدير دار السلامة “التكلفة التشغيلية الشهرية بين 4 إلى 5 آلاف دولار أمريكي”، ويقول إن “التبرعات المحلية التي تحصل عليها الدار لا تغطي ثلثي التكلفة، ما راكم علينا الديون كل شهر، إذ  بلغت خلال الأشهر الأخيرة نحو 6300 دولار أمريكي”. ويضيف: “التكلفة التشغيلية مرهقة للغاية، النزلاء يحتاجون إلى التدفئة في ثماني غرف منفصلة و أغطية وألبسة شتوية، إلى جانب الاحتياجات المتواصلة من أدوية الأمراض المزمنة والأمراض النفسية، والغذاء، ومراجعة الأطباء، والعمليات الجراحية المفاجئة، والنظافة الشخصية”.

وتراجعت التبرعات في العام الحالي لدار السلامة إلى “أقل من النصف”، بحسب نجار، الذي قال إن هذه التبرعات كانت تصل بشكل متواتر خلال السنوات الماضية حتى مطلع العام الحالي، “كانت تصل لنحو ألفي دولار أمريكي شهرياً”،  إذ نقصت إلى أقل من النصف، كما يقدم تجار وأصحاب رؤوس أموال في المنطقة تبرعات محدودة غير منتظمة، إضافة لدعم مالي شهري يبلغ 600 دولار أمريكي من منظمة رحمة حول العالم.

دار السلامة للمسنين في مدينة إعزاز- تصوير: حسسين الخطيب
دار السلامة للمسنين في مدينة إعزاز- تصوير: حسسين الخطيب

انعكست قلة الدعم سلباً على الخدمات الرئيسة في الدار التي تفتقر، بحسب مديرها، إلى العديد من المعدات اللوجستية لتحسين جودة الخدمات، إضافة إلى توفير سيارة إسعاف لنقل المرضى والكوادر الطبية والصحية إلى المستشفيات و المستوصفات القريبة، خاصة في ظل عدم وجود كادر طبي ضمن الدار.

كذلك تسبب تراجع الدعم بنقل عدد من نزلاء دار السلامة، نحو  8 أشخاص،  إلى دار الرفاه التي افتتحتها الرابطة الطبية للمغتربين “سيما”، في آب 2023، بينما تبقى 10 من المسنين، و31 من ذوي الاحتياجات الخاصة بينهم 17 شخصاً لا يستطيعون خدمة أنفسهم.

تبقى دار السلامة، رغم ضعف الإمكانيات اللوجستية والبيئية والطبية، ملاذاً للمسنين وذوي الإعاقة في ريف حلب، وسط ندرة المراكز التخصصية لرعايتهم، ما يستوجب تضافر جهود حكومية بالتعاون مع  منظمات المجتمع المدني والمؤسسات المحلية لإيجاد حل حقيقي يمنحهم استقراراً فقدوه خلال سنوات من الحرب والتهجير والنكران وضعف التمويل والغياب الحكومي والدولي عن تلبية احتياجاتهم.