فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

ضعف الإقبال على شراء مواد التدفئة رغم وفرتها

محمود يوسف السويد

أسباب كثيرة لضعف إقبال سكان شمال غربي سوريا على شراء مواد التدفئة رغم تراجع سعرها، أهمها أن الدفء لم يعد على قائمة الأولويات

تقلّصت خيارات سكان شمال غربي سوريا لتأمين وقود تدفئة الشتاء الحالي، رغم وفرتها في الأسواق وتراجع أسعارها عن العام الماضي، إذ شهدت ركوداً قدّره تجارها بما يزيد عن الثلث وقد يصل إلى ثلثي حجم المبيعات مقارنة بأعوام سابقة.

يقول تجّار وقود تدفئة تحدثنا معهم، إن إقبال السكان على شراء مواد التدفئة بمختلف أنواعها (القشور بأنواعها، الحطب، البيرين، الفحم، المازوت..) قد تراجع في العام الحالي، حتى إعداد هذا التقرير، وعزوا هذا التراجع لأسباب كثيرة من ضعف القدرة الشرائية وتراجع دعم المنظمات الإنسانية، خاصة في المخيمات، و”الحيرة” في اختيار أنواع جيدة بأسعار مناسبة، إضافة للتغيرات المناخية.

“الوقود بليرة وما في ليرة”

منزل واحد من أصل خمسين منزلاً في أحد أحياء مخيم القلعة بريف إدلب الشمالي تتصاعد منه أدخنة المدفأة، وتغيب عن باقي المنازل، رغم برودة الطقس. تختلف هذه النسب بين مخيم وآخر ومدينة وأخرى.

تزيد هذه النسبة لنحو 25% في مخيمات حزرة بالقرب من مدينة الدانا بريف إدلب الشمالي، تقول مريم السعيد، موظفة في واحدة من المنظمات الإنسانية الداعمة للمخيمات، “ستزيد هذه النسبة خلال الأيام القادمة، لكن السكان يؤجلون تركيب المدافئ إلى الوقت الذي لا يكون لديهم فيه خيار، يعتمدون الآن على الطقس المقبول والالتحاف بالأغطية، لكن ذلك لن يكون مقبولاً مع دخول موجة البرد التي تزيد في كانون الأول القادم”.

الصورة لحطب صنوير مقطع يستخدم كمادة تدفئة في شمال سوريا
الصورة لحطب صنوبر مقطع يستخدم كمادة تدفئة في شمال سوريا

يقدّر منسقو الاستجابة حجم الاحتياج لمواد التدفئة في مخيمات شمال غربي سوريا، والتي يقطنها نحو مليوني إنسان، بنحو 98%، إذ عبّر من استبانهم منسقو الاستجابة عن حاجتهم لمواد التدفئة وضمان استمرارها خلال فصل الشتاء.

تراجع أسعار مواد التدفئة عنه في الأعوام السابقة لم يزد نسبة الإقبال عليها، إذ سجلت القشور تراجعاً في أسعارها تراوح بين (50 إلى 80 دولاراً للطن الواحد، علماً أن أفضل أنواع القشور اليوم تباع بين 140 إلى 160 دولاراً للطن الواحد).

النسبة ذاتها تنطبق على مادة البيرين، إذ يتراوح سعر الطن اليوم بين 120  إلى 140 دولاراً، وفقاً لمواصفاته، علماً أن سعره في العام الماضي تراوح بين (200 إلى 225 دولاراً للطن الواحد).

أما الحطب والفحم فقد حافظا على أسعارهما، إذ يتراوح سعر طن الحطب من النوع الجيد (اليابس) نحو 200 دولار، فيما يتراوح سعر طن الفحم بين (120 دواراً لـ طن فحم الحراقات، 225 دولاراً لـ طن الفحم المستورد من تركيا، 175 دولاراً لـ طن فحم من النوع المتوسط). المازوت وحده من ارتفعت أسعاره، إذ يبلغ سعر برميل المازوت (200 لتر) نحو 165 دولاراً من النوع المكرر الذي يستخدم للتدفئة.

وتحتاج العائلة، بحسب من تحدثنا معهم، وفقاً للأسعار الحالية لنحو 250 دولاراً تكلفة لوقود التدفئة، كحد أدنى لتمضية فصل الشتاء، تزيد هذه التكلفة باستخدام الحطب إلى نحو 400 دولار، و 550 دولاراً باستخدام المازوت.

هشام الحسين، أحد سكان مخيمات وادي عباس، بالقرب من سرمدا، قال إنه لا يجد وسيلة لتأمين مواد تدفئة عائلته في الشتاء الحالي، إذ أن عقد عمله مع إحدى المنظمات الإنسانية انتهى منذ سبعة أشهر، صرف خلالها ما كان قد ادّخره، ولم يوفق حتى الآن بفرصة عمل جديدة.

أم حمزة، تقطن مخيم الشهداء بالقرب من بلدة كفرلوسين، هي الأخرى تواجه مشكلة في تأمين ثمن مؤونة الدفء هذا العام، فزوجها الذي كان يعمل في تركيا لثلاث سنوات مضت، قررت السلطات التركية ترحيله الى الشمال السوري، وها هي تنتظر عودته منذ شهرين ولم يصلها أي خبر منه، أو أي حوالات مالية.

يقول أبو حسين، أحد سكان مدينة إدلب، إن المواد مكدّسة أمام المحلّات لكنه وفي كل يوم يمرّ أمامها يتحسس ما في جيبه من نقود قبل أن يعود إلى منزله خالي الوفاض.

يعمل أبو حسين مدرساً في واحدة من ثانويات المدينة، أجره لا يتجاوز 100 دولار، ما يعني أنه يحتاج لراتب ثلاثة أشهر، دون أن يأكل أو يشرب أو يدفع إيجار منزل، لشراء وقود للمدفأة، على حدّ قوله. يستعير مثلاً متداولاً عن أن “الجمل بليرة وما في ليرة”، ليسقطه على حاله اليوم، ويرى أن الأسعار مهما انخفضت لكنها تبقى دون قدرة المواطن الشرائية، باستثناء فئة وصفهم بـ “الميسورين”.

وتقبع 91,22% من عائلات شمال غربي سوريا تحت خط الفقر، منها 41,49 % تحت خط الفقر المدقع، وفقاً لتقرير منسقو استجابة سوريا، الذي أورد أن نسبة البطالة العاملة بلغت نحو 88,84%، علماً أن متوسط دخل العاملين لا يزيد عن 120 دولاراً.

تجار يبيعون بـ “الكيلو” 

يقدّر إبراهيم الحمصي، بائع حطب وقشور للتدفئة في مدينة الدانا، نسبة تراجع الإقبال في العام الحالي بـ “الثلث”، ويحصر شراء مؤونة المدافئ بالتجار وأصحاب المصانع من قائمة زبائنه التي خرج منها في العام الحالي (الموظفون، عمال المياومة، وأصحاب الدخل المحدود). يرجع الحمصي ذلك لضعف القدرة الشرائية والبطالة، إذ ارتفعت تكاليف الحياة في مجملها وبات الدفء ليس في سلّم الأولويات اليومية للسكان.

صورة لقشور بندق تستخدم كمادة للتدفئة في شمال سوريا
صورة لقشور بندق تستخدم كمادة تدفئة في شمال سوريا

وتختلف نسبة التراجع بين تاجر وآخر، إذ قدّر أبو أبو عدنان صاحب مركز لبيع الحطب والبيرين وقشور التدفئة، في مدينة سلقين بريف إدلب، بنحو (الثلثين) عنها في العامين السابقين. يقول أبو عدنان”أغلب السكان اليوم يشترون كميات قليلة من مواد التدفئة، بضع كيلوات من القشر أو كيس من البيرين”، ويضيف أن تجار المفرق أيضاً “انخفضت الكميات التي يشترونها من مركزه لأقل من النصف”.

يعزو أبو عدنان سبب إحجام الناس عن الشراء ليس لضعف القدرة الشرائية فحسب، ولكنه يضيف التبدلات المناخية كسبب آخر، إذ كان للشتاء الدافئ الذي مرّ على الشمال السوري في العام الماضي أثر في تريث السكان لشراء مواد التدفئة، يقول “أتابع كغيري صفحات الطقس المحلية، والتي تفيد بتوقع شتاء دافئ كسابقه، ومنطقة حارم معروفة بمناخها الدافئ شتاء، ولهذا تجد الناس لا يعيرون قدوم الشتاء اهتماماً كبيراً هذه السنة”.

وفي العام الحالي، دخلت الكهرباء، سباق مواد التدفئة بعد توفرها في كثير من المناطق، وربما يكون وجودها سبب آخر يضاف إلى أسباب تراجع الإقبال على شراء مواد التدفئة التقليدية، يقول خليل العوض صاحب محل لبيع قشور التدفئة والبيرين، في مخيم القلعة بالقرب من سرمدا، “كثر من أهالي المخيم  قرروا استخدام الكهرباء التي دخلت المخيم منذ شهر تشرين الأول، وتوجهوا لشراء مدافئ كهربائية يشاع عنها أنها أوفر وتناسب الشهور الأولى من فصل الشتاء حيث درجات البرودة مقبولة، وتنخفض ليلا في الغالب فقط”.

يصف عبدالإله المعترماوي، تاجر مواد تدفئة، حركة البيع بـ “البطيئة” في محله الكائن ضمن مدينة سرمدا، لكنه لا يربط التراجع بالحالة المادية للمشتري وحدها، ويرى أن  انخفاض أسعار قشور التدفئة لم يفلح بتحريك عجلة السوق، يقول عبد الإله: “من كان يشتري طنين من الحطب أو القشور من محلي العام الماضي، اكتفى بأقل من طن واحد هذا العام، وفي هذا يشترك الميسور ومحدود الدخل فلا فرق”.

وينسب عبد الإله ضعف الإقبال في العام الحالي لوفرة وتنوع مواد التدفئة، ما أوقع كثر من السكان بـ “الحيرة”، يقول  “في السوق قشور وحطب وفحم وبيرين بأصناف مختلفة، بدرجات متفاوتة من الجودة والأسعار، ما يدفع الزبون للتريث قبل الشراء أو التجريب بكميات قليلة أو السؤال عن أفضل الأنواع بأقل التكاليف”.

الحيرة 

يحار زبائن تحدّثنا معهم، ومنهم أحمد النعسان، يسكن في مخيمات وادي عباس بالقرب من سرمدا بريف إدلب الشمالي، في اختيار نوع مادة التدفئة التي سيستخدمونها، بما يتوافق مع رغبتهم في الحصول على الدفء بأسعار مناسبة. يقول النعسان “بدأت هذه الحيرة في الشتاء الماضي، كل يوم يظهر صنف جديد ونوعية من القشور تدفعك الدعايات عنها لتجربتها، ولا أريد أن أندم على اختياري لاحقاً”.

صورة لحطب زيتون مقطع يستخدم للتدفئة في شمال سوريا
صورة لحطب زيتون مقطع يستخدم كمادة تدفئة في شمال سوريا

بسبب هذه الحيرة قرر النعسان أن يكتفي بشراء كميات قليلة من الصنف الذي يقع عليه اختياره، بعد أن كان يشتري كميات تتجاوز طنين كل عام، مع احتمالية تجربة أصناف أخرى إن ثبت لدى الناس أنها أفضل.

رائد العلي، يسكن في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، قال إن المسألة “محيّرة” بالفعل، خاصة وأن لكل نوع من هذه المواد أكلاف إضافية من “شراء مدفأة خاصة به وبواري تصلح لها”، ما يجعل اختيارك لصنف يلازمك لسنوات، خاصة وأن متوسط سعر مدافئ القشر قد يصل إلى 250 دولار، البيرين لنحو 150 دولاراً، والحطب لنحو 100 دولار، حسب جودتها.

ويضيف “يتعلق الأمر بما تمنحه هذه المواد من دفء، في جبل الزاوية على سبيل المثال الطقس بارد جداً ولا يمكن استخدام المازوت، ويميل السكان إلى الفحم والقشور، في مناطق أخرى تختلف الخيارات”.

اختلفت آراء التجار في تحديد أسباب تراجع إقبال سكان الشمال على شراء مواد التدفئة أخيراً، لكنهم اتفقوا على أن قدوم منخفض واحد شديد البرودة كفيل بتنشيط حركة السوق، ومعه ستنتهي حيرة الحائرين منهم، ويصبح تأمين الدفء لأسرهم وأطفالهم في أعلى سلم أولوياتهم .

تسببت موجة الشتاء في العام الماضي بموت 42 إنساناً في شمال غربي سوريا، ارتبطت وفاتهم بالبرد في منطقة لا يملك أكثر سكانها توفير الدفء لعائلاتهم، ويدفعهم لاستخدام بدائل سيئة من والوقود أو أكياس النايلون والثياب والكراتين والأحذية، تترك أثرها الصحي السيء على حياتهم، في ظل احتياجات متزايدة وتناقص للدعم الأممي والمنظمات الإنسانية.