طالب مكتتبو السكن الشبابي والإدخاري خلال وقفة احتجاجية، في 15 تشرين الأول 2024، أمام مقر وزارة الإدارة المحلية والخدمات في حكومة الإنقاذ، بتسليمهم منازلهم التي سجّلوا عليها قبل نحو 20 عاماً منذ سنة 2004 و 2005، على أن يتم تسليمها خلال خمس سنوات من تاريخ التسجيل، لكن ذلك لم يحدث، وسلّمت لمهجّرين منذ عام 2016 وفق عقود سكن لمدة ثلاث سنوات وما تزال مشغولة من قبلهم حتى اللحظة.
قبل عقدين من الزمن
يقول عبد الحكيم أبو كريم، مُكتتب على السكن الشبابي شارك في الوقفة الاحتجاجية، إنه “خلال أعوام 2004 و 2005 تم الاكتتاب على السكنين الإدخاري والشبابي، وكانت الأقساط التي يودعها المُكتتبون في ذلك الوقت ذات قيمة، معظم المُكتتبون وقتها باعوا عقارات أو مصوغات ذهبية يملكونها من أجل الاكتتاب على هذا السكن، وكان الوعد أنه وخلال أربع أو خمس سنوات سيتم تسليم المكتتبون شققها، لكن ذلك لم يحدث وما تزال البيوت عالقة حتى اللحظة”.
يفرّق المكتتبون بين السكن الشبابي والإدخاري، رغم تشابههما من حيث الأقساط والدفعات الأولى، إلّا أن للسكن الشبابي ميزة خاصة منحتها الدولة آنذاك للشباب المقبلين على الزواج في ظل أزمة السكن، لكن بمساحات أضيق من شقق السكن الإدخاري، إضافة لعدم مراعاة الوجائب بين الوحدات السكنية، وأيضاً من خلال تسليم المنازل قبل الانتهاء من الأقساط بعد تجهيزها مباشرة، والاستمرار بالدفع حتى تسديد كامل المبلغ، وهو ما لا يتوفر في السكن الإدخاري.
دفع المكتتبون مبالغ مالية وصفوها بـ “الكبيرة” سواء في الدفعة الأولى أو الأقساط الشهرية التي استمر بعضهم بدفعها لأكثر من 8 سنوات. يقدّر فادي حمروش، أحد مكتتبي السكن الادخاري في إدلب المشاركين في الوقفة الاحتجاجية، الدفعات والأقساط التي دفعها خلال السنوات الماضية بين عامي 2004 و 2013 بنحو 350 ألف ليرة سورية، أي نحو 7 آلاف دولار علماً أن( سعر صرف الدولار آنذاك كان 50 ليرة سورية لكل واحد دولار).
يشرح حمروش أن هناك ثلاثة أنواع من الشقق، سواء في السكن الشبابي أو الإدخاري، مقسمة إلى فئات (أ -ب -ج) تختلف عن بعضها البعض بعدد الغرف والمساحة، إذ تحوي الفئة أ على (غرفتين ومنافع) والفئة ب على (ثلاثة غرف ومنافع) أما الفئة ج فتضم (أربعة غرف ومنافع)، كما تختلف أسعارها أيضاً بواقع (960 ألف، مليون و60 ألف، مليون و160 ألف ليرة سورية) في السكن الإدخاري، و نحو (400 ألف، 500 ألف، 670 ألف ليرة سورية) في السكن الشبابي.
وتختلف الدفعة الأولى بين كل فئة، إذ تبلغ 50، 60، 70 ألف ليرة سورية بحسب الفئة، كما تختلف الأقساط الشهرية التي كان يودعها المكتتبون في المصرف العقاري والتي تتراوح بين (2000، 2500، 3000) ليرة بحسب الفئة.
يقول حمروش إنه استمر بدفع الأقساط حتى عام 2013، لكن مكتتبون آخرون توقفوا عن الدفع منذ عام 2011، وإن معظم المكتتبين دفعوا أقساطاً شهرية لمدة سبع سنوات على الأقل، ويستطيعون إثبات هذه الدفعات بدفاتر إيصالات كانت تمنح لهم من المصرف العقاري بعد تسديد كل قسط.
ويقول أبو كريم إن فئتين من فئات السكن الثلاث كانت جاهزة في عام 2011، وكانت الخطة تقضي بتسليم وتخصيص الشقق لأصحابها بعد الانتهاء من بناء الفئة الثالثة، لكن ذلك لم يحدث، علماً أن معظم المستكتبين كانوا من أصحاب الدخل المحدود الذين كانت الأقساط تقضم أكثر من ربع دخلهم الشهري.
مهجّرون وملّاك.. بين الرفض والقبول
في 2016 هجّر النظام سكاناً من محافظة حمص، معظمهم من مدينة القصير، واتجهوا إلى مدينة إدلب التي أصبحت تحت سيطرة جيش الفتح منذ عام 2015.
بعد وصولهم إلى مدينة إدلب التي كان يديرها في ذلك الوقت “جيش الفتح”، وهو تجمع تشكّل من انضمام عدة فصائل عسكرية، تعهدت إحدى المنظمات العاملة في المدينة بإكساء شقق السكن الشبابي والإدخاري وتقديمها للمهجّرين وفق عقود تضمن سكنهم فيها لمدة ثلاث سنوات، لكنهم ما يزالون يشغلونها حتى اليوم.
ومنذ تشكيل حكومة الإنقاذ في عام 2017 وإعادة تفعيل مديرية الإسكان، بدأ مكتتبو السكنين الإدخاري والشبابي بمراجعة المديرية أملاً في استعادة منازلهم. يقول من تحدثنا معهم إن المديرية قامت قبل عامين، بمطابقة الوثائق ودفاتر الإيصالات التي طلبتها منهم وتأكدت من صحتها، لتخصيص شققهم في السكن الشبابي لكن، وحتى اليوم، ما تزال هذه المطالب في أدراج المديرية، ما دفعهم للقيام بوقفات احتجاجية.
بعد الوقفة الاحتجاجية الأخيرة، وعدت الحكومة المكتتبين بتخصيص شققهم وأصدرت قراراً في 23 تشرين الأول الماضي يضمن ذلك خلال الفترة بين 9 إلى 11 تشرين الثاني الحالي.
يقول أبو كريم إن المكتتبين المحتجين وضعوا الحكومة بـ “صورة الوضع” خاصة وزارة الإدارة المحلية والخدمات خلال احتجاجات واعتصامات أمام الوزارة، وإن الوزارة تعهدت قبل أربعة أشهر بتخصيص الشقق، ثم تعهّدت مرة ثانية بذلك قبل أسبوعين، وإن مديرية الإسكان أخطرت ساكني هذه الشقق بإخلاء منازلهم لكنهم لم يلتزموا بذلك.
سكن بديل في كفر جالس والمهجرون يرفضون التخصيص
رتبت حكومة الإنقاذ مع إحدى المنظمات لتجهيز كتل سكنية في بلدة كفر جالس القريبة من مدينة إدلب لتكون سكناً بديلاً لقاطني السكنين الشبابي والإدخاري.
يقول أبو كريم انتظر المكتتبون تجهيز الكتل السكنية بطلب من حكومة الإنقاذ، وبعد تنفيذها راجعوا وزارة الإسكان ورئاسة مجلس الوزراء، لتخصيص شققهم السكنية، كما وُعدوا، لكن ذلك لم يحدث، إذ رفض قاطنو السكنين الشبابي والإدخاري الانتقال إلى السكن البديل بحجة عدم تخديمه بالصرف الصحي، فعمدت الحكومة إلى تجهيزه وإصدار قرار بالتخصيص وإبلاغ المهجرين بضرورة إفراغه ليتسنى لها تسليمه للمكتتبين.
يقول من تحدثنا معهم من المكتتبين إن معظم قاطني هذه المنازل رفضوا الانتقال إلى السكن البديل، حتى بعد تجهيزه وإصدار قرار الإفراغ، وهو ما دفع الحكومة للطلب من شاغلي السكنين الشبابي والإدخاري كتابة تعهدات بالإخلاء تتضمن دفع 100 دولار بدل إيجارعن كل شهر تأخير، لكنهم رفضوا التوقيع عليه، باستثناء شخصين عادوا في اليوم التالي لسحب التعهد.
المهجّرون الرافضون الخروج من السكنين الشبابي والإدخاري نظموا وقفة احتجاجية رفضاً لقرار حكومة الإنقاذ، وأصدروا بياناً تحدث عن سكنهم في هذه المنازل بـ “إذن شرعي صادر عن جيش الفتح عام 2016″، وأنهم قاموا بتمديد شبكة مياه وصرف صحي من خلال منظمات قدمت المساعدة لهم، وتمديد شبكة كهرباء من مالهم الخاص، إذ دفعت كل عائلة نحو 75 دولاراً (أزيد بـ 25 دولار عن ثمن العداد في السكن العادي في باقي أنحاء المدينة).
كما تحدّث المهجرون أن 100 شقة من أصل 400 شقة في السكنين الشبابي والإدخاري كانت “شبه جاهزة، ينقصها فقط الأبواب والنوافذ التي ساعدت في تقديمها منظمات إنسانية”، أما الشقق الأخرى وعددها 300 شقة، فقد كانت عبارة عن “أسقف وأعمدة”، تحمّل سكانها تكاليف تقطيعها وتجهيزها من أموالهم الخاصة، إضافة إلى قيام المنظمات بفرش طرقات السكن بالجماش، إذ كانت الطرق غير صالحة للمشي فيها لا بالسيارات ولا بالدراجات النارية.
يصف البيان المسألة بـ “تعارض حقوق”، فالمُكتتب دفع مالاً للحكومة السابقة (حكومة النظام) وقامت بصرفه على المشروع والمهجر أنفق أموالاً وأصبحت عيناً في السكن فالقضية فيها تنازع حقوق مالية، بحسب بيان المهجرين.
ويقول من تحدثنا معهم من مهجّرين إن “وزير الإدارة المحلية قدم إليهم عام 2018 وطلب منهم إخلاء القسم الغربي من السكن لتسليمه للمُكتتبين، وأخبرهم أن موضوع السكن الشبابي قد تم إغلاقه، ومن حضر من المكتتبين أخذ حقه وأن المكتتبين أخذوا مهلة ثلاثة أشهر لمن يريد التخصيص”.
أبو صهيب، أحد المهجرين القاطنين في السكن الشبابي، قال إن “معظم ساكني هذه الشقق من مهجري مدينة القصير بريف حمص، وإنهم يسكنون فيها منذ عام 2016، وتأقلمت حياتهم وأعمالهم كموظفين وطلاب جامعات، وإن الانتقال إلى مكان آخر يفرق نسيجهم الاجتماعي”.
ويضيف أبو صهيب أن “الحكومة قادرة على إرضاء المكتتبين بطريقة أخرى إن أرادت، فهي صاحبة قرار، وكما اتخذت قراراً بالتخصيص يمكنها أخذ قرار بإرضاء المكتتبين من أراضي السكن الشبابي، وأمامها بدل الحل حلول، منها إكمال المشروع وتسليمه للمكتتبين، أو تقسيم الأرض وتوزيعها محاضر على المكتتبين، أو احضار منظمات واستكمال بعض قواعد الأبنية الموجودة كما فعلت بالسكن الغربي الذي يضم نحو 200 شقة”.
يعترض المُكتتبون على دعاوى المهجرين، ويصف من تحدثنا معهم الحجج التي ساقوها بـ “غير المقبولة شرعاً و قانوناً”، إذ لا يملك أحد حق منح المهجرين البقاء في مساكن يملكونها، يقول عدنان السعيد، مكتتب من جبل الزاوية، إن “حق السكن الذي مُنح للمهجرين كان مؤقتاً، وأصحاب السكن الحقيقيين هم المُكتتبين الذين دفعوا ثمنها منذ عام 2004 والمهجرين أعطوا الحق بالسكن فيه للضرورة في تلك الفترة”.
يصف عدنان السعيد إشغال منازل السكنين الشبابي والإدخاري بـ “اغتصاب الحقوق“، إذ أن لهذه الشقق ملاك، هم الأحق بإشغالها والسكن فيها، خاصة أن قسماً منهم اليوم مستأجرون، وأن قيام المنظمات بأعمال صيانة وإصلاح في هذه الشقق لا يعني أن يصبح السكن ملكاً لساكنيه الذين وقعوا على عقود بالاستفادة من هذه المنازل لمدة ثلاث سنوات فقط، “لا أن يعصوا بها”، وإنهم لا يدفعون الإيجار، وأن الحكومة قدمت له مساكن بديلة مجانية وبخدمات وصفها بـ “المتكاملة”، مطالباً الحكومة بإخراجهم بالطرق القانونية تنفيذاً لقرارها الذي يجده محقاً.
تواصلنا مع مسؤولي السكن الشبابي في حكومة الإنقاذ للاستفسار عن الموضوع بما فيه مسألة تسليم المكتتبين وآلية ذلك، إضافة لأسئلة كثيرة مرتبطة، إلا أن الرد جاء برفض التصريح حالياً بدعوى طرح مشكلة السكنين الشبابي والإدخاري للنقاش من جديد، وأن البحث ما يزال جارياً عن آلية أخرى ترضي الطرفين، وأن أي كلام قد يدلون به الآن ربما سيصدر ما يعارضه لاحقاً.