فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

من إدلب إلى برلين.. رحلة تعلم اللغة الألمانية

منيرة بالوش

نهى وفاتن مثالان لنساء تعلّمن الألمانية عبر الانترنيت تمهيداً لاستكمال إجراءات السفر إلى ألمانيا، بينما فضل آخرون تعلم هذه اللغة في معاهد خاصة

قبل عامين ونصف العام، واجهت الشابة العشرينية نهى تحدياً لم تخطط له من قبل، فمع اقتراب موعد سفرها إلى ألمانيا بعد استكمال خطيبها أوراق لمّ الشمل كان تعلمها للُّغة الألمانية مطلباً وتحدياً في آن معاً، ففي مكان سكنها بريف إدلب الشمالي لم يتوفر حينها مراكز للتعليم.

لمنح التأشيرة يتعين على الراغبين بالسفر إلى ألمانيا اجتياز امتحان اللغة في معهد غوته  الذي يتوزع في 80 دولة حول العالم ضمن القنصلية الرسمية للبلد بهدف الحصول على شهادته المعترف بها دولياً.

نهى، واحدة من عشرات الحالات المشابهة في إدلب يتوجب عليهم تعلم الألمانية أو على الأقل اجتياز المستوى الأول الذي يؤهل لدخول الامتحان والبدء بحياة جديدة في أوروبا، ما دفعها للبدء برحلة البحث عن مركز تعليمي في ظل انعدام معاهد اللغة وقلّة عدد المتخصصين بتعليمها في إدلب.

يتحدث اللغة الألمانية أكثر من مئة مليون شخص حول العالم، وتحتل بالاشتراك مع الفرنسية المرتبة الثانية كأكثر لغة أجنبية شائعة في الاتحاد الأوروبي بعد الإنجليزية، وزاد اهتمام كثير من السوريين بها إثر موجة الهجرة إلى ألمانيا خلال السنوات الماضية وما نجم عنها من طلبات لمِّ الشمل أو الرغبة بالسفر لإكمال التعليم أو الحصول على فرصة عمل.

الصعوبات الأولى

لم توفق نهى بالعثور على معاهد خاصة تعلم اللغة الألمانية في إدلب، ولم تتمكن من العثور على معلم متخصص رغم وجود حالات لمِّ شمل لعدد من النساء. هنا أيقنت أن عليها البحث عن حلّ بديل، فهذه فرصتها الوحيدة للقاء خطيبها لاستكمال حياتهما معاً.

ابنة مدينة سراقب شرقي إدلب، تشبه نفسها بالرحالة لكثرة تنقلها بسبب التهجير، لم تكن تتوقع أنها ستعود للدراسة من جديد بعد أن تخرجت في كلية الآداب جامعة إدلب، إلا أنها بعد أن فقدت الأمل من تعلم الألمانية في إدلب قررت أن تكسر حاجز اليأس بمجرد وصولها إلى تركيا، حيث ستستكمل إجراءات السفر، وفحص اللغة واحد منها.

بعد محاولات عديدة، تمكنت من الوصول إلى تركيا عبر طرق التهريب. كانت تعلم أن أمامها متسعاً من الوقت للبدء بتعلم اللغة قبل أن يحين موعد لمّ الشمل في ألمانيا. تقول نهى: “هاجس تعلم اللغة رافقني من إدلب إلى تركيا وزاد الطين بِلّة صعوبة التسجيل في معهد لغات كوني لا أتقن التركية أيضاً، وهذا ما دفعني إلى استبعاد المعاهد لاسيما أني مقيدة الحركة ولم أحصل على كملك (إقامة) بعد”.

ما الحل؟

 بحثت نهى عن طرق بديلة، وبعد نصائح من معارفها لجأت إلى الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي. تقول “بعد البحث توصلت إلى عدة قنوات على اليوتيوب تعلّم الألمانية للمبتدئين من مكان إقامتي في تركيا”.

بعد الاستماع لعدة دروس وجدت نهى أن التعلم عن بعد هو فعلاً كما قيل لها، الملاذ الأنسب لحالتها. فبدأت تكثف ساعات التعلم مع اقتراب موعد الامتحان في معهد غوته بمدينة إسطنبول، وراحت تستغل كل دقيقة من وقتها، وتمكنت من حجز موعد الامتحان (أونلاين) عن طريق جواز السفر، وحصلت على الموعد بعد شهر ونصف الشهر من يوم الحجز. هذه الفترة كانت فرصة نهى الأخيرة لإتقان المبادئ الأساسية للّغة الألمانية والنجاح في الامتحان، وكان ذلك شرطاً أساسياً لتحديد موعد السفر والوصول إلى ألمانيا.

مقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية وكتابة المفردات وحفظ القواعد وقراءة النصوص الأدبية، كانت جزءاً من النهج الذي اعتمدته نهى. وبفضل هذه الأدوات، تمكنت من تجاوز عقبة اللغة والنجاح في الامتحان، مما فتح لها باباً للانتقال إلى المرحلة التالية من حياتها في ألمانيا.

تغير البوصلة

الحاجة الفعلية لتعلّم الألمانية في إدلب خلال العامين السابقين، دفعت معاهد اللغات والتدريب في المنطقة إلى تخصيص قسم لتعلم اللّغة الألمانية منذ عام 2022، منها مركز تكنولوجيا المعلومات IT ومعهد الأمين ومعهد ITC ومعاهد أخرى. لم يكن لنهى نصيب في الالتحاق بإحداها إلا أن وجود العشرات ممن ينتظرون لمّ الشمل والسفر إلى ألمانيا فتح المجال لآخرين بتعلم اللغة الألمانية، فضلاً عن أنها خلقت  فرص عمل لمدرسين أتقنوا اللغة أو تخصصوا بها دراسياً.

المعلم إياد يسوف، أحد المتقنين للغة الألمانية، تمكن في العامين الماضيين من تدريب عشرات الأشخاص الراغبين بتعلم اللغة في أحد معاهد مدينة إدلب، يقول “إن تعلم الألمانية شهد إقبالاً ملحوظاً من قبل الشبان الراغبين بالسفر للعمل أو إتمام الدراسة أو لم الشمل، النسبة الأكبر من الطلاب هي من الفتيات والنساء اللاتي يتعلمن اللغة بهدف لمّ الشمل”.

يرجع إياد بذاكرته إلى عام 2006، عندما كان طالباً في المعهد العالي للّغات، قسم اللغة الألمانية في مدينة حلب، بالإضافة إلى كونه طالباً في السنة الثانية بقسم الهندسة الزراعية بجامعة البعث في حمص. رغبته في تعلم الألمانية حينها نبعت من نيته السفر لإكمال الدراسات العليا بعد تخرجه للحصول على درجة الماجستير والدكتوراه.

مع انطلاق الثورة السورية، تغيرت مسارات إياد، فتوقفت مشاريعه الأكاديمية، وتعثر تخرجه في جامعة البعث. وكان قد أنهى المستوى الثالث في اللغة الألمانية ثم تابع وحده الدراسة عبر مواقع الإنترنت ودورات التعليم الذاتي وقراءة الكتب المساعدة إلى أن أتقن اللغة وأصبح اليوم أحد مدرسي الألمانية في معاهد إدلب المتخصصة باللغات.

يدّرس إياد اليوم في معهد الأمين بمدينة إدلب ضمن فئات متعددة على مدار ثمان ساعات يومياً، بمعدل ساعتين لكل مجموعة تضم ثلاثة إلى أربعة طلاب على الأقل للمستويات المبتدئة والمتوسطة وذلك وفق أحدث المناهج المعتمدة في الدول الناطقة بالألمانية، على حد قوله.

يتطلب كل مستوى لإتمامه ثلاثة أشهر، بمعدل جلستين في الأسبوع للمجموعة الواحدة، تتضمن تعليماً شاملاً يغطي الكتابة، الاستماع، المحادثة، القراءة، والقواعد مقابل قسط شهري بقيمة 30 دولار.

المدرس المعتمد حالياً في المعهد  يقول: “إن الإقبال على تعلم اللغة الألمانية زاد خلال الفترة الأخيرة بين فئات المجتمع، منهم طلاب جامعيون وأطباء ومهندسون بهدف إكمال تعليمهم العالي هناك، وقسم من الشابات اللواتي ينتظرن لمّ الشمل إلى أزواجهن وقسم آخر استهوته اللغة فأراد تعلمها لزيادة خبراته مثل الشابة أماني.

دوافع أخرى لتعلم الألمانية

لم يكن لم الشمل أو إكمال التعليم هو دافع أماني الأخن، 22 عاماً، لدراسة اللغة الألمانية في إدلب، فعملها في مجال التصميم الجرافيكي هو ما دفعها لتعلم لغات أخرى والبحث عن فرص عمل خارج السوق المحلية. بعد إتقانها اللغة التركية، اتجهت أماني إلى تعلم الألمانية واختارت أحد المعاهد في إدلب لتحقيق ذلك.

تحكي أماني، التي بدأت طريقها المهني مبكراً، أنها توجهت بعد إنهاء شهادة التعليم الأساسي لدراسة تصميم الجرافيك خلال إقامتها المؤقتة مع عائلتها في تركيا قبل أربع سنوات، وذلك في معهد تخصصي بتركيا. أتاحت لها مهاراتها في التصميم فرص عمل واسعة خاصة بعد إتقانها اللغة التركية مما مكنها من العمل مع جنسيات متعددة.

لم تكن أماني قد بلغت العشرين من عمرها عندما شقت طريقها في سوق العمل والتصميم، معتمدةً على جهدها الذاتي في التعلم وإتقان لغات متعددة، بعيداً عن الدراسة الأكاديمية التقليدية. وبعد عودتها إلى إدلب، بدأت أماني بتعلم اللغة الألمانية وسجلت في أحد المعاهد، إذ اكتشفت من خلال البحث أن فرص العمل في مجال التصميم باللغة الألمانية واسعة وذات مردود مالي جيد.

تقول أماني إنها اتجهت في البداية إلى تعلم اللغة الألمانية عبر الإنترنت، لكنها واجهت صعوبة كبيرة، لذلك فضلت التوجه إلى التعليم المباشر في المعهد. ورغم استفادتها من الدورات عبر الإنترنت في مجالات مثل إدارة الحالة وبروتوكول التعامل مع المنظمات والشركات، إلا أنها وجدت أن تعلم اللغات يتطلب التواصل المباشر مع المعلم لتوصيل المعلومات بشكل أكثر فهماً وسلاسة.

منافسة وتفاوت في الأسعار

افتتح مركز تكنولوجيا المعلومات IT للتدريب والتأهيل في مدينة إدلب قسماً خاصاً لتعليم اللغة الألمانية قبل عام تقريباً، وهو أول معهد يدرّس اللغة الألمانية في المنطقة، وفقاً لما قاله مدير المركز أحمد حجار، وذلك بعد ازدياد الطلب على تعلمها في السنوات القليلة الماضية.

يختص المركز بتدريس مهارات الحاسوب واللغات، بما فيها التركية والإنجليزية والألمانية. وتتميز دورات اللغة الألمانية بقلة عدد الطلاب مقارنة بالدورات الأخرى، مما يتيح تقديمها ضمن جلسات خاصة قد تضم طالباً أو اثنين على الأكثر، نظراً لاختلاف مواعيد السفر والمدة اللازمة لإتمام المستويات الخمسة، تبلغ تكلفة كل مستوى 160 دولاراً ويستمر لمدة شهرين تقريباً.

يبرر حجار السعر المرتفع لدورات اللغة الألمانية مقارنةً بأقساط باقي المراكز التعليمية في إدلب، والتي تتراوح بين 30 إلى 50 دولاراً فقط للكورس الواحد، بأن المعلم المعتمد في المركز حاصل على ماجستير من ألمانيا ولديه خبرة تزيد عن 25 عاماً في تدريس اللغة، على عكس مدرسين آخرين في المنطقة تعلموا عن طريق دورات خاصة، مشيراً إلى أن هذا الفارق في النطق والمحتوى وكيفية التدريس هو ما يميز المركز وما يفسر ارتفاع التكلفة.  

ارتفاع الأقساط دفع الشابة الجامعية فاتن، المقيمة في مدينة إدلب، قبل عام ونصف العام إلى تعلم اللغة الألمانية عبر الإنترنت (أونلاين) بشكل مجاني من خلال قنوات يوتيوب متخصصة. تقول فاتن إنها أمضت حوالي 22 يوماً مكثفاً بمعدل ساعة ونصف الساعة يومياً لإنهاء الكورس الأول بسبب اقتراب موعد سفرها للالتحاق بخطيبها.

بالفعل، تمكنت فاتن من اجتياز امتحان اللغة في السفارة الألمانية في إسطنبول بمعهد غوته بنسبة نجاح بلغت 71 بالمئة، إلا أن “النصيب وفسخ الخطوبة” حسب وصفها جعلها تعود إلى إدلب بعد رحلة تكللت بنجاحٍ في الامتحان وفشلٍ في الحب ومشروع الزواج والوصول إلى برلين.

عادت فاتن لإكمال دراستها الجامعية وتابعت وحدها تعلم المستوى الثاني من اللغة الألمانية، رغبةً منها بإتقانها لزيادة فرص الحصول على عمل، والبدء بإعطاء دروس للفتيات والنساء اللواتي ينتظرن لم الشمل والسفر إلى ألمانيا بأسعار مناسبة.

توجهت عدة معاهد تعليمية في إدلب أخيراً لإدراج اللغة الألمانية ضمن برامجها التدريسية، وذلك نظراً للإقبال الجيد عليها، بحسب ما أوضحته مديرة معهد ITC في إدلب. ولم يقتصر المعهد على إدخال اللغة الألمانية حديثاً، بل يقدم دورات تعليمية في لغات أخرى مثل الإنجليزية والتركية والسويدية. كما يخصص المعهد دورات في مجالات متنوعة، منها الحساب الذهني، الإعلام والتصوير، مبادئ الحاسوب، التصميم والمونتاج، وغيرها من التدريبات.

أما بالنسبة لدورات اللغة الألمانية، فهي تُقدَّم من قبل مدرسين متخصصين ضمن مراحل مبتدئة ومتوسطة تستمر كل دورة مدة 32 جلسة، مقابل رسوم قدرها 100 دولار.

لا بُدّ من تعلم اللغة

واجهت المعلمة زهرة، 39 عاماً، صعوبة في تعلم الألمانية بعد تسجيلها في المستوى الأول بمعهد الأمين في مدينة إدلب. فمصطلحات وقواعد هذه اللغة جديدة عليها مقارنةً باللغة الإنجليزية. زهرة تقول إنها مضطرة لتعلم اللغة بهدف لمّ الشمل، لكن التزامها مع المدرس في المعهد وأسلوبه السلس في التدريس، بالإضافة إلى تركيزه على نطق الأحرف والكلمات بالشكل الصحيح، ساعدها في التغلب على مخاوفها استعداداً لاجتياز الامتحان والسفر إلى ألمانيا.

أشهر قليلة تفصل زهرة عن موعد سفرها إلى زوجها في ألمانيا والذي مضى على لجوئه ثمانية أعوام، تكللت بحصوله على الجنسية الألمانية أخيراً، وهو واحد من قرابة مئتي ألف شخص حصلوا على الجنسية الألمانية، 40 بالمئة منهم سوريون وفق المكتب الاتحادي الألماني الذي أرجع النسبة الكبيرة من حالات التجنيس لسوريين بسبب ارتفاع هجرة طالبي اللجوء السوريين بين عامي 2014 و 2016 والآن يستوفون متطلبات التجنيس منها المهارات اللغوية والحد الأدنى لفترة الإقامة.

فكرة السفر والعمل دفعت الشاب أحمد لدراسة اللغة الألمانية في معهد بمدينة إدلب منذ ثلاثة أشهر، وهو يقترب من إنهاء الكورس الأول. يقول “استعدادي للسفر يبدأ بإتقاني المبادئ الأساسية للغة الألمانية. سواء تقدمت للامتحان في معهد غوته أو وصلت إلى ألمانيا بطريقة غير رسمية، فإن تعلم لغة بلد اللجوء هو مفتاح العمل والحياة والاستقرار”.

أحمد، خريج معهد هندسة معلوماتية، نصحه أصدقاؤه في ألمانيا بالسفر والعمل هناك عوضاً عن عمله في محل لبيع الألبسة في مدينة إدلب. لم تكن فكرة السفر تستهويه قبل أعوام، إلا أن ضيق الحياة المعيشية وقلة فرص العمل المناسبة لاختصاصه الدراسي جعله يفكر جدياً بالسفر، خاصة مع تزايد مسؤولياته الأسرية يوماً بعد يوم.