فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

focusaleppo

موت الدجاج.. وصراع المربّين مع المرض والخسائر

أميمة محمد

يحاول مربو الدواجن في الشمال السوري إنقاذ الدجاج من الموت إلا أن محاولاتهم تبوء بالفشل، فلا يكاد القطيع ينجو من مرض إلا ويصيبه آخر

يقف مدين، ناطور مدجنة في مدينة كفرتخاريم غربي إدلب، مكتوف الأيدي أمام دجاجات نافقة يجمعها يومياً من بين القطيع، يضعها فوق بعضها البعض في مكان قريب من المدجنة ينظر إليها محاولاً فهم أسباب نفوقها، ثم يتواصل مع أصحاب مسامك في المنطقة للتخلص منها بإطعامها للأسماك.

يطعم مدين الفراخ علفاً مخصصاً للدجاج ثلاث مرات في اليوم، يضعه في معالف بلاستيكية موزعة بالترتيب على شكل خطوط طويلة مستقيمة، يخلط الكثير من الأدوية في خزان الماء على السطح وصفها الطبيب المشرف الذي سبق وأن شرّح طيوراً نافقة وأخرى منهكة لتشخيص مرضها، فلا يكاد ينجو القطيع من مرض إلا وأصيب بآخر.

النفوق المتكرر الذي تسببه أمراض تلحق بطيور في المداجن، والخسائر التي يتكبدها مربون، دفعت بشركات محلية تبيع العلف شمالي سوريا لتطبيق ممارسات خاطئة تتعلق بغذاء الطيور بهدف تسريع نموها، مثل خلط الأعلاف بموارد محلية لتخفيف التكلفة العلفية المرتفعة التي تقلل من الأرباح.

تضيف هذه الشركات مواد بتكلفة منخفضة إلى الأعلاف، مثل إدخال مسحوق العظام ومخلفات مسالخ الدجاج من ريش ودم وجلد وأحشاء وغيرها بنسبة  5% بعد معالجتها وتحويلها إلى ما يسمى طحين اللحم، وهو مادة يحرم استخدامها من قبل منظمة الصحة العالمية بسبب أضرارها على الحيوان والإنسان الذي سيتناول اللحوم.

طحين اللحم هذا يضاف إلى الخلطات العلفية كبديل عن البروتين النباتي غالي الثمن، كذلك يضاف البريمكس (خليط من الأملاح والفيتامينات ومركّز الفروج) إلى الذرة وكسبة الصويا، وهما مصدران للطاقة والبروتين في الخلطة العلفية، “متجاهلين المخاطر الصحية التي قد تنشأ عن الاستهلاك البشري للّحوم” يقول الطبيب البيطري، محمد الأسعد، اختصاصي بتغذية الدواجن.

عناية فائقة.. نتائج غير مرضية

أكثر من عشرين دجاجة نافقة من أصل أربعة آلاف هي حصيلة الخسائر اليومية بعد إصابتها بأمراض متنوعة. يقول مدين إن موت هذه الأعداد يسبب له إرهاقا نفسياً، فهو يمضي أغلب وقته في مراقبة قطيع الدجاج، يتناوب على المهمة مع والده الذي يحل مكانه فترة نومه أو عند حاجته لشراء شيء ما من المدينة، كما أن طبيباً بيطرياً مختصاً بالدواجن يشرف على وضع القطيع الصحي.

لتسهيل الوصول للطيور حال حدوث أي طارئ، يعيش مدين مع والده في غرفة سكن صغيرة بمحاذاة المدجنة المبنية بعيداً عن البيوت بسبب الروائح التي تصدر عنها وخاصة في فصل الصيف. يراقب الكهرباء التي وصلت إلى المنطقة حديثاً، ويجهز مولدةً كهربائية في حال الضرورة ليضمن توفير الإنارة داخل المدجنة طيلة اليوم.

صورة من داخل إحدى المداجن في بلدة باتبو
صورة من داخل إحدى المداجن في بلدة باتبو

لا يغفل مدين تهوية المدجنة بشكل جيد، فعادة ما تصمم المداجن من طابق اسمنتي طويل أو أكثر مفتوح من الداخل دون قواطع اسمنتية، وفي قسمها العلوي نوافذ على طول الجدار، تغطيها ستائر يمكن فتحها وإغلاقها تبعا لاتجاه الرياح وحركتها وارتفاع الرطوبة والحرارة في الداخل، والتي من الضروري قياسها بميزان الحرارة بين الحين والآخر.

طيور مريضة.. مستهلك متأثر

لم يسلم قطاع الدواجن من الأمراض في العام الفائت، فـ جوائح الطاعون التي انتشرت الشتاء الماضي وتحولت لإنفلونزا خطيرة حذّرت منها المنظمات الصحية الدولية، ماتزال آثارها حتى اليوم، بالإضافة لانتشار أمراض أخرى منها النيو كاسل (كسر المناعة) ومرض الجامبورو المسبب للخمول عند الطير، ومرض التهاب الكبد الذي يبدو فيه شكل قلب الطير منتفخاً وأحمر اللون، والذي يخشى من انتقاله للمستهلك خلال تناوله، وجميع هذه الأمراض تسبب خسارة للمربين ونفوقاً للدجاج وانخفاضاً في جودة اللحم.

دجاجة واحدة من بين عشر دجاجات حصيلة النفوق عند إصابة القطيع بمرض التهاب الكبد في حال عدم ترافقه مع أمراض أخرى، أما إذا اجتمع مع الرشح وكسر المناعة فإن نسبة النفوق تزيد عن 50 بالمئة، أي ما يعادل نصف الدورة الإنتاجية بحسب ما أجمع عليه عدة أطباء بيطريين.

هذه الخسائر تأتي في ظل ارتفاع سعر الأعلاف والأدوية، فكل طير من الدجاج يأكل قرابة 4 كيلوغرامات من العلف خلال 45 يوماً حتى يصل متوسط وزن كل دجاجة إلى 2.5 كيلوغرام وتصبح قابلة للبيع. كذلك ارتفعت أسعار الصيصان الذي وصل ثمن الواحد منها إلى نحو  80 سنتاً، ما يكبد المربين تكاليف لا طاقة لهم بها.

يوضح مربو الدجاج الذين التقيناهم أن الظروف التي يمرون بها منعتهم من البيع لفترة محددة وهي المسؤولة عن تراجع عرض الفروج نهاية الأسبوع الماضي، فسعر طن الفروج لم يعد يغطي تكلفة الإنتاج التي تبلغ 1350 دولاراً بينما كان سعر الطن الواحد يباع للمستهلك بـ 1200 دولار. هذا الامتناع عن البيع تسبب بارتفاع سعر طن الفروج إلى 1500 دولار،  ثم تراجع ليقف عند حد 1400 دولار،  بحسب من التقيناهم.

يقول أبو عمر، مربي دجاج وصاحب مدجنة في دارة عزة تضم 3000 طير، إنه يضطر للتعامل مع شركات الأعلاف المحلية، رغم إهمال الشركات لعملية تعقيم المفاقس والسيارات التي تنقل العلف والصوص إلى المداجن، ما يسبب بنقل الكثير من الأمراض، كما أن إدخالهم لطحين اللحم بنسب غير مدروسة في العلف يؤثر على جودة اللحم وصحة الدجاج بشكل عام.

وتسهم الأعلاف التي تحتوي على نسب من طحين اللحم بنقل مرض السالمونيلا إلى المستهلك، بحسب شرح الطبيب البيطري الأسعد، ما يتسبب بأعراض مثل المغص والإسهال التي لاحظها مستهلكون، وخاصة بعد تناول وجبات الشاورما من المطاعم، وذلك عند عدم طهي اللحوم بشكل جيد، ويمكن أيضاً أن ينقل أمراضاً فيروسية مثل مرض اعتلال الدماغ الاسفنجي (جنون البقر) الذي انتقل منذ سنوات عبر أعلاف الأبقار المخلوطة بطحين اللحم إلى المستهلكين في بعض الدول.

“ويتسبب طحين اللحم بإصابة قطيع الدواجن بأمراض استقلابية، مثل الاستسقاء أو الحبن (تجمع للماء داخل الطير) نتيجة رفع بروتين الخلطة العلفية الذي يرفع نسب التحويل في اللحوم أكثر من السابق” يقول الأسعد .

مناعة ضعيفة

قبل سنوات كانت نسبة تحويل الدواجن لا تزيد عن 50 بالمائة، أي أن كل كيلوغرام من الأعلاف كان ينتج نصف كيلوغرام من اللحم، ومع توفر خلطات علفية جديدة في الأسواق زادت النسبة لـ  70 بالمائة، ويتوقع أن تصل نسبة التحويل في السنوات القادمة إلى مائة بالمائة، وهذا قد يؤثر على صحة المستهلك بالدرجة الأولى في حال كانت الأعلاف تحتوي على مواد غير مناسبة للاستهلاك البشري.

وكانت منظمة الصحة العالمية (الفاو) قد حظرت استخدام مساحيق اللحوم والعظام لأغراض تغذية الدواجن في تقرير أصدرته عام 1996، وذلك لمنع المصدر المحتمل للعدوى من دخول سلسلة الأغذية، والتسبب بنقل بكتيريا السالمونيلا للإنسان عند تناول اللحوم الملوثة بالبكتيريا، والتي تكون أكثر خطورة من حمى التيفوئيد وتتسبب بحالات تسمم غذائي وإسهال.

صورة من داخل إحدى المداجن في بلدة باتبو
صورة من داخل إحدى المداجن في بلدة باتبو

يقول الأسعد، بصفته طبيباً مشرفاً على 37 ألف طير في مداجن بريف إدلب، إن المداجن التي يشرف عليها استهلكت أدوية خلال الأربعين يوماً الماضية بقيمة عشرين ألف دولار، وقد اضطروا لإعطاء هذه الكميات الكبيرة بسبب ضعف المناعة عند الطيور وما يسببه تكثيف البروتين ورفع نسبته في الخلطة العلفية، علاوة على نضوج الفروج بفترة زمنية وجيزة لا تتجاوز 33 يوماً.

هذه الإجراءات تختصر حوالي عشرة أيام من الدورة الإنتاجية، خلافاً للتوصيات المتبعة عالمياً في تربية الدواجن. أما في مزارع أوروبا فيترك القطيع لينمو على طبيعته دون تدخلات بشرية، ويصير صالحاً للأكل عند عمر ثمانين يوماً.

ويرجع الأسعد المشاكل التي تصيب قطاع الدواجن أيضاً إلى الصيصان والبيض المستورد من تركيا، لأن البيوض تجمع من أمهات أعمارها مختلفة، ما يتسبب بتفاوت مناعة الطيور، وهذا يساهم بجلب أمراض من تركيا وانتشارها، فإن لم تكن مناعة الأمهات جيدة تكون مناعة الصوص ضعيفة، ويحتاج أدوية كثيرة وتظهر أمراض تترتب خسائرها على المربي.

تنتج الفراخ في مفاقس للبيوض من أمهات الدجاج في معامل داخل تركيا أو عبر شركات الدواجن المحلية، ويتم توزيعها على التجار أو تربيتها ضمن مداجن إما لصالح الشركات ذاتها أو لعملاء محليين، وبعد قرابة أربعين يوماً من العناية تصبح الدورة الإنتاجية جاهزة وصالحة للاستهلاك الآدمي لتدخل السوق المحلية لتغطية الطلب.

مداجن خارج الخدمة

يتخوف أبو بسام، أحد سكان قرية دير سنبل في جبل الزاوية جنوبي إدلب من العودة لمهنة تربية الدجاج التي ورثها عن والده وأمضى فيها سنوات طويلة إلى أن اضطر لتركها عند نزوحه من البلدة منذ سبعة أعوام بسبب هجمات النظام المتكررة.

بحذر شديد، يزور أبو بسام بيته القديم ومدجنته الواقعان في منطقة زراعية بالقرب من تمركز قوات النظام في البلدة. يخشى من رصد تحركاته إذا اقترب منها، لكن الخوف من الاستهداف ليس السبب الوحيد الذي يجعله يتردد في العودة إلى تربية الدواجن. فلو كان الأمر كذلك، لنقل مدجنته إلى مكان آخر. لكن أبو بسام لا يرى في الأرباح المتوقعة ما يشجعه على العودة للمهنة، خاصة مع تزايد شكاوى زملائه المربين من الخسائر في الآونة الأخيرة.

يأمل أبو بسام أن تتحسن ظروف المهنة، وأن تتضافر جهود المختصين المحليين وشركات الأعلاف والتجار لتحقيق التوازن بين التكلفة العلفية وصحة الدواجن بشكل لايؤثر على المستهلك ولا على جيب المربي.