يتوزع عمال ورش البناء والإكساء، مثل خلية نحل، على مباني المدينة الصناعية والزراعية التي بدأت مراحلها الأولى بالتشكل، منذ مطلع أيلول الماضي، في منطقة أخترين شمالي حلب.
المدينة الممتدة على مساحة 11 هكتاراً، والمزمع انتهاء أعمال بنائها في أيلول القادم 2025، تشكل فرصة عمل لمئات من عمال المنطقة، سواء في فترة البناء أو بعد الانتهاء منها وتسليمها للمستثمرين.
العمل قائم على “قدم وساق”، يظهر ذلك جولة أجراها فوكس حلب في المدينة، إذ تفصلنا أيام قليلة قدّرها مهندسون ومتعهدو بناء تحدثنا معهم بخمسة عشر يوماً لتسليم المحضر الأول من المشروع والانتقال إلى المحاضر المجاورة.
بناؤون في الطوابق الأولى، وعمال ورش ينتشرون في الطوابق الأخرى لصفّ القرميد بين أعمدة البناء وتقطيعه إلى غرف، آخرون يقلبون الطين لاستخدامه كملاط بين البلوك أو لـ “تلييس الجدران وتخشينها”، في الوقت الذي يمدّ فيه عمال الكهرباء والتمديدات أسلاك النحاس ومواسير المياه، ويفرش البلاطون ألواحاً من السيراميك على الأرضيات.
أما في الطابق الرابع والأخير فينشط “نجارو البيتون” لتركيب “قوالبهم” وتجهيزها لـ “الصب” قبل الانتقال إلى محضر جديد، أتمّ فيه المستثمرون معاملات الاستكتاب التي طرحتها غرفة التجارة والصناعة في المجلس المحلي لمدينة أخترين.
بالقرب من المحضر الأول آليات ثقيلة تعمل على حفر الأساسات وتجهيزها، استكمالاً لأعمال بناء المدينة الصناعية والزراعية التي بدأتها غرفة التجارة والصناعة التابعة للمجلس المحلي في مدينة أخترين في الأول من حزيران الماضي، بأعمال تجهيز وتخطيط وحفر للآبار وإنشاء خزانات المياه وتسوية الأرض وتحديد المحاضر وصب الأساسات بمساحة إجمالية تبلغ 11 هكتار.
ويهدف بناء المدينة الصناعية والزراعية والثروة الحيوانية، إلى تعزيز الاقتصاد المحلي وتحقيق التنمية المستدامة للسكان من خلال اهتمامها الرئيس بالقطاعين الصناعي والزراعي، كون المنطقة تعتمد على الزراعة، إلى جانب الأنشطة الصناعية والتجارية، بحسب المجلس المحلي.
اختير موقع المدينة على تخوم قرية بحورتة التي تبعد عن الحدود السورية – التركية 9 كيلومترات، وعن مدينة أخترين نحو 8 كيلومترات، بشكل يتوسط منطقة أخترين والقرى والبلدات التابعة لها إدارياً، بهدف تحقيق توازن في المسافات الطرقية بين المستثمرين المحليين في المنطقة.
يحيى الإسماعيل، أحد المستثمرين في القسم الصناعي من المدينة، قال إنه قرر نقل معمله إلى المدينة الصناعية بهدف الحصول على ميزات وفّرتها غرفة التجارة والصناعة للمستثمرين في المنطقة الصناعية والزراعية،أبرزها استيراد المواد الخام من الخارج، والتصدير (ترانزيت عبر تركيا).
وأوضح الإسماعيل، الذي ينحدر من قرية الباروزة، وصاحب معمل كولدن للأحذية الرجالية، أن نقل المعمل إلى منطقة مؤهلة بالبنية التحتية مثل الكهرباء الرخيصة بنسبة 20 % والمياه والصرف الصحي، بعيداً عن التجمعات السكنية فكرة مناسبة جداً للنهوض بالصناعة والتجارة، لا سيما أنها تجمع بين الحرفيين والصناعيين وتتيح التنافس فيما بينهم، فضلاً عن جلب التجار والموردين والمستوردين.
يمتد القسم الصناعي في المدينة على مساحة 3 هكتارات، قُسمت إلى 92 محضراً، مساحة كل محضر تصل إلى 96 متراً مربعاً، ويبلغ سعر المتر المربع فيها 30 دولاراً أمريكياً، وتصل قيمة المحضر بالكامل إلى نحو 3 آلاف دولار أمريكي، بينما تتراوح التكلفة الإجمالية للبناء المكون من طابقين بارتفاع 7 أمتار ونصف المتر بين 15 إلى 20 ألف دولار أمريكي، وفقاً لمتطلبات الإنشائية التي يضعها المستثمرون.
بلغ عدد المستثمرين الذين استكتبوا على المحاضر والأبنية الصناعية، بحسب غرفة التجارة والصناعة، نحو 60 مستثمراً في القسم الصناعي من أصل 92 محضراً، يعمل معظمهم في مجال الصناعات التحويلية لا سيما صناعة الأحذية و البلاستيك وحقن البلاستيك والخياطة.
أما عن القسم الزراعي من المدينة فيقول، وليد سفر، مهجر من ريف حلب الجنوبي إلى قرية ارشاف يعمل في مهنة تربية الأبقار والمواشي، إنه استثمر محضراً مخصصاً لبناء مزرعة بهدف تربية الأبقار والمواشي، بمساحة إجمالية تبلغ 2000 متر مربع (2 دونم)، إذ يبلغ سعر المتر المربع 5 دولارات أمريكية.
أبدى سفر جاهزيته للمباشرة بالمشروع فور الانتهاء من أعمال البناء خلال العام المقبل، وقال إنه يستعد، من خلال تأمين سلالات أبقار مستوردة من الدول الأوروبية عبر تركيا، فضلاً عن التواصل والتنسيق المباشر مع التجار في الأسواق التركية بعدما حصل على إذن سفر (تاجر) إلى تركيا، مشيراً، إلى أن تسويق منتجاته سيكون في السوق المحلية وإلى تركيا.
يمتد قسم المدينة الزراعية والثروة الحيوانية على 8 هكتارات قسّمت إلى 29 محضراً، استكتب على 13 محضراً منها تعمل في مجال صناعة الألبان والأجبان والتعقيم، إضافة إلى مسلخ ومركز خزن وتبريد وتربية وتسمين الأبقار، وإنتاج قشات التلقيح الصناعي للأبقار ومعمل لصناعة وإنتاج الأعلاف وصناعات متعددة للمعدات الزراعية، ومركز بحوث ودراسات لتطوير الإنتاج، ومعهد بيطري.
تتكفل غرفة التجارة والصناعة في مدينة أخترين بأعمال البناء لكامل المحاضر وتسليمها جاهزة للمستثمرين بهدف الحفاظ على النمط المعماري، كما توفر إمكانية تقسيط الدفع للمحاضر لمدة 12 شهراً، في خطوة تهدف إلى مساعدة ودعم المستثمرين الصناعيين والزراعيين، وفق ما قاله زكريا حبو، رئيس غرفة التجارة والصناعة في مجلس أخترين المحلي.
وأضاف حبو، أنه من المفترض أن تنتهي أعمال بناء جميع المحاضر خلال خطة مدروسة تصل إلى 12 شهراً، بحيث يمكن للمستثمرين استلام الأبنية جاهزة، مشيراً، إلى تنفيذ مشروع استثمار الطاقة الشمسية لتوفير الكهرباء للمنطقة الصناعية بهدف بيع الكهرباء لشركة الطاقة الكهربائية العاملة في المنطقة، فضلاً عن تقديم الكهرباء بأسعار منخفضة تقدر بـ 20 % مقارنة مع سعر الشركة للقطاعات التجارية والصناعية والزراعية.
كما خصصت المدينة الصناعية والزراعية في أخترين قسماً واسعاً للزراعة والثروة الحيوانية، وهو ما يمكن استثماره في منطقة تضم أكثر من 65 بلدة وقرية ومزرعة تمتاز بأراض سهلة و مراع خصبة يعمل معظم سكانها في الزراعة وتربية المواشي مثل الأغنام والأبقار.
أبو أحمد تمرو، أحد سكان مدينة أخترين، قال “إن منطقة أخترين تشهد ركوداً في القطاع الصناعي ما انعكس سلباً على فرص العمل وفاقم من أزمة البطالة، ويعد توفير منطقة صناعية وزراعية أمراً مفيداً للسكان كونها ستقلل من نسبة البطالة وتزيد الدخل المعيشي للسكان في المنطقة”. ووصف تمرو، الاهتمام بقسم المدينة الزراعية والثروة الحيوانية، بـ “الرائد”، لأنه يوجه الاستثمار بحسب احتياجات المنطقة التي يعمل القسم الأكبر من سكانها بالزراعة وتربية الماشية.
رغم أن المنطقة الصناعية والزراعية ما تزال في طور أعمال البناء، إلا أن أهالي منطقة أخترين يعولون عليها لتوفير فرص عمل للعاملين في البناء والإنشاء خلال مراحل البناء، فضلاً عن توفير فرص عمل دائمة لشريحة واسعة من السكان؛ إذ يؤكد زكريا حبو إن هذه المدينة ستوفر نحو 1500 فرصة عمل لأبناء المنطقة.
يقول يحيى الاسماعيل إن معمله الذي سينقله بعد استلام المحضر الخاص به يحتاج إلى 30 عاملاً بمهام مختلفة وأجور جيدة مقارنة مع مصادر الدخل للموظفين في القطاع الخاص، وكما هو الحال عند المستثمر في القسم الزراعي وليد سفر، الذي يقدر حاجته لتوظيف نحو 15 عامل في مزرعة الأبقار بعد استلامها.
التسهيلات المقدمة وتوفير الخدمات الأساسية اللازمة لإدارة عجلة المشاريع الصناعية والزراعية خطوة ينتظرها المستثمرون وأبناء المنطقة، علّها تكون حلّاً لمشكلة البطالة، لكن فتح باب التصدير والوفاء بالوعود المقدمة أساس يبني عليه أولئك آمالهم القادمة.