فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

زيتون عفرين ليس لأهله

تستمرّ الفصائل العسكرية المسيطرة على مدن عفرين وأريافها بسياسة الاستقواء والسلب على سكان هذه المناطق، تحت ذرائع محددة، من الحماية إلى الانتماء للأحزاب الكردية، وتزيد هذه الممارسات مع كل موسم زراعي خاصة الزيتون، العمود الفقري لحياة العفرينين

مع بداية موسم قطاف الزيتون الذي حدده مجلس عفرين المحلي في العاشر من تشرين الأول القادم، دون الالتزام به خشية سرقة حبات الزيتون و بدء القطاف باكراً رغم ما يتسببه ذلك من نقص في الجودة والإنتاج، بحسب من تحدثنا معهم، تنوعت مبالغ الإتاوات بين منطقة وأخرى، يحدد قيمتها الفصيل العسكري المسيطر على المنطقة دون القدرة على الاعتراض أو عدم الدفع أو وجود جهة تمكّن ملّاك الأراضي من استرداد حقوقهم.

تظهر جولة قام بها فوكس حلب على مدن وقرى في عفرين، أن الإتاوات المفروضة على كل شجرة زيتون تراوحت بين 2 إلى 10 دولارات، إضافة لنسبة مئوية تقتطع من الإنتاج كذلك ما يفرض دفعه للمعاصر.

أكبر الإتاوات فرضتها فرقة السلطان سليمان شاه (العمشات) وهي 8 دولارات عن  كل شجرة زيتون سواء كانت (حاملة أو غير ذلك) في كل من قرى معبطلي، قنتريه، حسيه، شيتكا، معصركه، بركا وغيرها من القرى التابعة لها في شمال غربي عفرين.

فرقة الحمزات فرضت 10 دولارات عن كل شجرة زيتون (حاملة) و 5 دولارات عن (غير الحاملة) في قرى الباسوطة شيراوا جنوبي مدينة عفرين، و 7 دولار عن كل شجرة في قرى غرب مدينة عفرين مثل بربنه وكوليا فوقاني وتحتاني، و 2 دولار عن كل شجرة في قرى غربي مدينة عفرين.

فيلق المجد فرض 3  دولارات عن كل شجرة زيتون في قرى كيلا وناحية بلبل شمالي عفرين، وراجو شمال غربي عفرين، أما فرقة ملك شاه ففرضت 75 دولار عن كل هكتار في المناطق التي تسيطر ليها إضافة لـ 20% من إنتاج موسم الزيتون.

تفرض هذه الإتاوات والتي تتراوح نسبتها بين 5 إلى 20% من إنتاج موسم الزيتون تحت بند الحماية من السرقة، دون تدخل المجالس المحلية، وبأمر من المكاتب الاقتصادية للفصائل العسكرية التي وصفها السكان بـ “الحاكم بأمره في المنطقة”، متسائلين عن أحقية هذه الفصائل في اقتطاع هذه المبالغ من السكان دون قرار مكتوب أو إيصالات.

يقول من قابلناهم من أشخاص وأخفينا أسماءهم خوفاً عليهم من الاعتقال، إن الأوامر تصدر من قيادة الفصائل إلى المقرات التي يديرونها في القرى وتبلغ للأهالي شفهياً عبر مخاتير القرى، ويتم اقتطاع المبلغ ضمن الموسم أو قبل القطاف، بعد عملية إحصاء يقومون بها لعدد أشجار الزيتون التي يمتلكها كل شخص.

“لا يحق لنا الاعتراض ولا السؤال ولا حتى عدم الدفع أو تأخيره، في الأصل لا نعرف الجهة التي يمكن التوجه إليها لنقل شكوانا، يحسبون حصتهم دون المشاركة في دفع التكاليف ويتقاسمون معنا رزقنا، ومع التكلفة يضيع أكثر من 70% من الإنتاج ولا يبقى للفلاح ما يسدّ الرمق”، بحسب من تحدثنا معهم.

ويتعرض من يرفض الدفع للاعتقال والضرب، إذ شهدت المنطقة، خلال الأعوام الماضية، عمليات اعتقال واسعة واعتداء على المزارعين المتأخرين بالسداد، واتهامهم بالانتماء لحزب العمال الكردستاني ودفع مبالغ مالية كبيرة تصل لآلاف الدولارات لإخراجهم، كذلك سرقة أرضهم أو السماح لعمال مياومة بقطافها لصالح الفصيل الذي يأخذ حصته “على البارد المستريح” على حد وصفهم.

أما في العام الحالي فقد تعرّضت، بحسب ما نقله من تحدثنا معهم، عدة نسوة وأطفال، في 15 أيلول الجاري، للاعتداء بالضرب من قبل فرقة السلطان سليمان شاه (العمشات)، في قرية كاخره -ناحية المعبطلي. وتداولت صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي صور وأسماء 13 سيدة وطفلاً تعرضوا للضرب في القرية، إضافة لاعتقال شخصين، لاعتراضهم على الإتاوات المفروضة من قبل العمشات والتي حدّدت دفع 8 دولارات عن كل شجرة زيتون في المنطقة.

يقول ثلاثة أشخاص تحدثنا معهم من سكان مدينة عفرين، إن الإتاوات مفروضة في كل المناطق، لكنها تنقص في مدينة عفرين والقرى القريبة عنها عن قرى وبلدات أخرى، وذلك لأسباب تتعلق بالتنوع السكاني الموجود فيها من جهة، ووجود عدة فصائل في المنطقة إضافة للقوات التركية.

ووصف أولئك أن أسوأ المناطق هي تلك الخاضعة لسلطة العمشات، إذ تفرض فيها الإتاوات ليس على الزيتون وحده، لكن في كل موسم أو مناسبة، إذ فرضت الفرقة منذ أشهر 100 دولار عن كل منزل و 200 دولار عن كل دكان و 300 دولار عن كل بئر مياه قديم و 1000 دولار عن كل بئر ماء جديد و 500  دولار عن كل سيارة و 2500 دولار عن كل معصرة زيت.

الإتاوات أعلاه لا تشمل غير الموجودين في المنطقة، إذ تفرض الفصائل جميعها في مختلف المناطق حصة 50% من إنتاج  أراضي الأشخاص الموجودين في (دول اللجوء)، وتستولي على كامل محصول الأشخاص الموجودين في مناطق النظام أو قسد.

يشرح أحد من تحدثنا إليهم ما يحدث بقوله “نملك أنا وأمي وأخي الذي يعيش في ألمانيا 700 شجرة زيتون ورثناها عن والدنا المتوفى، زارنا المكتب الاقتصادي ووزع علينا الميراث، فحصة والدتي تبلغ الثمن، 56 شجرة، و 322 شجرة لكل منا أنا وأخي، فرضوا عليّ وعلى والدتي أن ندفع 20% من الإنتاج أما حصة أخي ففرضوا عليها 50 %بحجة غيابه”.

لا تقتصر الإتاوات على المكاتب الاقتصادية للفصائل، إذ يضطر المزارع في كل عام دفع مبالغ مالية للحواجز المنتشرة على الطرقات، إضافة لـ 10% لمعاصر زيتون يحددها لك الفصيل ولا يمكن التوجه إلى غيرها، ناهيك عما يسرقه عناصرهم من الزيتون بعد قطافه أو بإرسال عمال مياومة لأراضينا وقطافها عوضاً عنا، دون القدرة على منعهم، رغم دفعنا لرسم الحماية!

يقدّر مزارعون في عفرين حجم ما يدفع بين إتاوات ورسوم ومعاصر، إضافة لتكاليف حراثة الأرض وتقليمها وريها وتسميدها وبخها من الحشرات وتكاليف أكياس الخيش وثمن تنك الزيت بنحو 70% من الإنتاج، ما يعرضهم للخسارة على حد قولهم. وتزداد النسبة المدفوعة عاماً بعد عام، إذ تقدر الإتاوات في العام الفائت 2023، بين 2,5 إلى 7  دولارات، إضافة لـ 7 % للمعاصر.

يقول من تحدثنا معهم إنه وفي عام 2023 فرض فيلق صقور الشام 7% من إنتاج الزيتون إتاوة في المناطق التي يسيطر عليها، أما فيلق المجد فحدد الإتاوة بـ 15 ليرة تركية (نحو نصف دولار) و 20 كيلو غرام من الزيتون وتنكتي زيت عن كل عائلة، السلطان مراد وملك شاه فرض نسبة 12% من الإنتاج، سمرقند 2,5 دولار عن كل شجرة، فيلق الشام 2 دولار، أما العمشات فتراوحت الإتاوة بين 4 إلى 5 دولارات عن كل شجرة.

أملاك الغائبين في دول اللجوء هي الأخرى تضاعفت إتاواتها في بعض المناطق من 25 إلى 50%، أما الغائب في مناطق النظام أو قسد فقد تضاعفت من 50% إلى كامل الأملاك في العام الحالي. يقول أبو حنّان رجل من مدينة عفرين (45 عام) إن الغائبين لا يستطيعون العودة، خاصة وأن فصيل (العمشات) على سبيل المثال فرض مبلغ 6 آلاف دولار عن كل عائد من مناطق النظام أو قسد، و 3 آلاف دولار عن كل عائد من تركيا طوعاً أو قسرياً.

يصف أبو حنّان تعامل الفصائل المسيطرة على قرى عفرين بالسيء، يقول: “يعاملون الأهالي على أنهم جزء من حزب العمال الكردستاني، أياً كان الشخص، ويفرضون ما يحلو لهم دون القدرة على منعهم، حتى في حال اللجوء إلى القضاء واستصدار حكم منصف بإعادة منازلنا أو أراضينا لا توجد سلطة لتنفيذ هذه الأحكام التي لا تساوي الحبر الذي استهلك لطباعتها”.

ويضيف “الجميع يعلم بشأن الإتاوات، المجالس المحلية والسلطات التركية الموجودة في المنطقة، لكن لا أحد يتدخل، والحواجز ترى سارقي الزيتون وقاطعي الأشجار، يومياً يمرون بدراجاتهم النارية من أمامهم دون أن يوقفونهم، في الوقت الذي توقف فيه هذه الحواجز أي مالك أرض يحتطب من أرضه ويسألونه عن ملكيته ويتأكدون من مصدره”.

يشكل الزيتون عصب حياة سكان عفرين، إذ يغطي 90% من الأراضي المزروعة بعدد أشجار يتجاوز 14 مليون شجرة، بحسب ما نقله موقع عنب بلدي عن أحمد حماحر، مدير مكتب رئيس المجلس المحلي في عفرين، وبات اليوم يشكل عصب الإتاوات للفصائل العسكرية في المنطقة، إذ يدفع السكان بنسبة وسطية نحو 10 دولارات عن كل شجرة.

وبحساب النسبة مقارنة بعدد الأشجار قد تصل تقديرات مبالغ الإتاوات التي تشمل (الإتاوات المفروضة على الإنتاج، الإتاوات في المعاصر، إتاوات حواجز النقل، إتاوات الحماية وغيرها..)، إلى ما يزيد عن مائة مليون دولار في موسم الزيتون وحده، وهو ما يشكل نحو نصف الإنتاج، علماً أن متوسط ما تطرحه شجرة الزيتون نحو 5 كيلو غرامات من الزيت كل عامين، دون أن تنعكس هذه المبالغ على حياة السكان وتقديم الخدمات لهم بعد أن تحول كل فصيل إلى حكومة مستقلة، لها مكاتب اقتصادية وجنود وسجون.