احتّلت الكهرباء القادمة من تركيا معظم مدن وبلدات شمال غربي سوريا، وتوسّعت في الآونة الأخيرة لتشمل المخيمات، لتحلّ أعمدة الكهرباء و أسلاكها مكان ألواح الطاقة الشمسية وبديلاً رأى فيه الناس حلّاً أكثر جودة وأقلّ تكلفة.
حضور الكهرباء المنزلية أدى إلى تراجع دور منظومات الطاقة الشمسية ورخص ثمنها بسبب قلّة الطلب عليها من جهة وتخلّي سكان كثر عن تركيبها وصيانتها أو استبدالها وتوسعتها لتلبية احتياجاتهم من جهة أخرى.
يقول حسن يسوف، تاجر ألواح طاقة شمسية “إنه بعد دخول الكهرباء إلى شمال غرب سوريا تراجع بيع ألواح الطاقة الشمسية بشكل كبير خاصة منظومات الطاقة الشمسية المنزلية، فقد أصبحت الناس تعتمد على الكهرباء في المنازل أكثر من اعتمادها على ألواح الطاقة الشمسية وهو ما أثر سلباً على بيع الألواح والبطاريات وضَعَّف حركة البيع والشراء”.
يُقدر يسوف نسبة السكان الذين أصبحوا يعتمدون على الكهرباء بشكل كامل وأَلغوا الطاقة من منازلهم بنحو 50% من السكان. ويضيف إن القسم الأكبر من السكان باعوا ألواح الطاقة ومعداتها ليشتروا بثمنها “عدادات الكهرباء”، في الوقت الذي حافظ من يمتلك القدرة المالية على منظومة الطاقة الشمسية إلى جانب الكهرباء للاستفادة من كليهما، على حدّ تعبيره.
تقول أم مصطفى، مهجّرة من حلب تسكن مخيماً بالقرب من مدينة الدانا، إنها المرّة الأولى التي تنعم فيها بالكهرباء طوال اليوم منذ سنوات كثيرة ماضية، إذ لم تلبِّ منظومة الطاقة الشمسية البسيطة التي تملكها (لوحا طاقة شمسية) حاجتها من الكهرباء، وكانت تكتفي بتأمين الضوء في منزلها لساعات قليلة، إضافة للثلاجة التي تقوم بتشغيلها لنحو أربع ساعات يومياً.
باعت أم مصطفى لوحي الطاقة والبطارية التي دفعت لشرائها قبل عامين 330 دولاراً بنحو 100 دولار لتسدّد ثمن عداد الكهرباء، شأنها شأن كثر من العائلات التي كان من الصعب عليها تأمين التكلفة والاحتفاظ بمصدري الطاقة معاً، خاصة لما تحتاجه ألواح الطاقة من صيانة وتوسيع وتبديل للبطاريات..
يضيف يسّوف كثرة بيع منظومات الطاقة الشمسية المستعملة نتيجة وصول الكهرباء إلى قائمة أسباب انخفاض ثمنها، لتحتل مكاناً إلى جانب التنافس بين التجار وتراجع الطلب عليها، يقول إن سعر لوح الطاقة الشمسية مقاس 250 واط مستعمل بحالة جيدة لا يتجاوز سعره اليوم 20 دولاراً بعد أن كان يصل سعره إلى نحو 50 دولاراً، ما يعني أنه فقد أكثر من نصف ثمنه، أما الألواح الجديدة فيتراوح سعر الواط اليوم بين 14 إلى 16 سنتاً في الوقت الذي كانت تباع فيه قبل أشهر قليلة بين 22 إلى 25 سنتاً.
يختلف يسّوف مع القائلين بأن الكهرباء أقل تكلفة من الطاقة الشمسية، لكن ذلك يكون على المدى البعيد، إذ يدفع مشتركي الكهرباء 12 سنتاً عن كل واط منزلي وهو مبلغ كبير إذ جمعناه على مدار أشهر، لكن الدفع بالتقسيط (شهرياً) هو ما يخفف عن السكان ويدفعهم لتفضيلها.
من تحدثنا معهم فندوا كلام يسّوف، وقالوا إن منظومات الطاقة الشمسية البسيطة لا تلبي احتياجات المنزل مقارنة بالكهرباء، خاصة في أشهر الشتاء، كذلك لا تسمح لهم بتشغيل الأدوات الكهربائية وأهمها “الليزرية للطبخ” والتي وفّرت شهرياً على مشتركي الكهرباء ثمن اسطوانة الغاز التي وصل سعرها لنحو 15 دولاراً (أكثر من فاتورة الكهرباء)، إضافة إلى أن نسبة كبيرة من السكان لم يكن بإمكانها شراء منظومة طاقة شمسية بسيطة بثمن 300 دولار، وهو رقم عصي على أكثر سكّان المنطقة.
أصحاب مشاريع الري و مستثمرو الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء وبيعها للشركة وجدوا في دخول الكهرباء فائدة لعملهم، إذ إن هناك، على حد قول من تحدثنا معهم، علاقة تكاملية بين الطاقة الشمسية والكهرباء، وبات أصحاب مشاريع الري يعتمدون على الكهرباء في ساعات الصباح الأولى والمساء، حين تقل قدرة الألواح على تشغيل “الغطاس”، فيما وجد المستثمرون في زيادة مناطق وصول الكهرباء فرصة لتوسعة عملهم ودخول أشخاص جدد إلى هذا المجال من الاستثمار الذي زاد في السنتين الماضيتين.
يقول يسّوف إن نسبة استخدام أصحاب مشاريع الري للطاقة الشمسية والكهرباء تختلف عن المنازل، فـ 90% من مشاريع الري تعتمد في تشغيل الغطاسات واستخراج المياه على الطاقة الشمسية، ولا يمكن للمزارعين الاعتماد على الكهرباء في مشاريع الري الزراعية لأن ذلك مكلف جداً إذ يصل ثمن كيلو واط الكهرباء التجاري اليوم إلى 14 سنتاً.
محمد جمعة، مزارع ومستثمر يولد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية ويبيعها لشركة الكهرباء، قال “إن وصول الكهرباء أفاد المشاريع الزراعية ودعمت منظومات ألواح الطاقة الشمسية من خلال عملية الدمج خاصةً في أوقات الصباح والمساء لأن الطاقة وحدها لا تكفي وفي الليل تعتمد المشاريع بشكل كامل على الكهرباء في التشغيل عندما تتوقف الطاقة نهائياً عن تزويد الكهرباء. وهو ما أعطى الفلاح إمكانية زيادة المساحات المزروعة من خلال زيادة عدد ساعات التشغيل ساعتين في الصباح وساعتين في المساء بالإضافة لساعات الليل”.
أزيد من نصف مشاريع الري في بلدات ريف إدلب الشمالي تعتمد الكهرباء إلى جانب منظومات الطاقة الشمسية لري الحقول، إما من خلال محولات رئيسية لكل مشروع أو من خلال خطوط تريفاز. لكن الاعتماد على الطاقة الشمسية يبقى الخيار الأفضل والأقل تكلفة على المزارعين، كذلك على السكان الذين يملكون قدرة الحفاظ على مصدري الطاقة.
انقطاع الكهرباء المتكرر وغير المنتظم وأحياناً لفترات طويلة، سبب آخر يضيفه أبو كريم، مزارع في بلدة زردنا، لاحتفاظ أصحاب المشاريع الزراعية بمنظومة الطاقة الشمسية، ويحول دون تلف محصولهم.
أما عن احتفاظ السكان بالطاقة الشمسية فيقول أبو كريم، إن الكهرباء باتت مكمّلة لعمل الطاقة الشمسية في منزله وليست الأساس، ويتساءل لماذا يدفع ثمن كهرباء إن كانت تصله مجاناً، خاصة وأن منظومته تلبي “احتياجات البيت”، على حدّ قوله.
ويضيف أن اعتماده على الكهرباء التي أوصلها إلى منزله يأتي فقط في ساعات تضعف فيها الطاقة الشمسية، والاستفادة الأكبر منها ستكون في فصل الشتاء، وفي أيام الحر الشديد في الصيف لأن منظومة الطاقة تعجز عن تشغيل المكيفات، وهو ما يدفعه وكثر غيره للاحتفاظ بألواح الطاقة إلى الوقت الذي سيحتاج فيه إلى صيانتها أو تبديلها، عندها سيفكر في الاستغناء عنها.
تفرض الحاجة حلولاً يسعى السكّان للبحث عنها، ففي الوقت الذي كانت فيه الطاقة الشمسية حلاً لغياب الكهرباء وتعويضاً عن الأمبيرات التي نهبت بارتفاع أسعار المحروقات جيوب السكان، تدخل الكهرباء اليوم لتزيل ألواح الطاقة ومنظوماتها التي غطّت أسطح المنازل والمساحات بين الخيام.