فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

العاملون في الدعم النفسي.. هل أنتم بخير؟

سلام زيدان

ضربات قلب متسارعة وأحلام ليلية مزعجة وفقدان الرغبة بتناول الطعام وأعراض أخرى تعيشها لطيفة بعد سماع قصص أطفال ونساء معنفات قابلتهنّ

بعيداً عن ضجيج المرضى ومرافقيهم، انسحب سند، اختصاصي الصحة النفسية في أحد مراكز مدينة الدانا، من جلسة معالجة حضرها رفقة طبيب الصحة النفسية محمد ساطو لأبٍ يعاني من اضطرابات نفسية.

دون أن يشعر ارتجفت كلتا يدي سند وهو يخرج سيجارته ويشعلها ساحباً دخانها بعمق ثم ينفثه مرفقاً بتنهيدة متقطعة. جبينه المتعرق واحمرار وجهه الأبيض وتنهداته المتكررة دفعت الأرملة أم سعدو، عاملة النظافة التي لاحظت سلوكه المتوتر أثناء تنظيف المكان، لسؤاله عما يحصل معه وإن كان بخير.

إلا أنّ عمل سند وغيره من الموظفين في مجال الصحة النفسية يحتم عليهم عدم الإفصاح عن أي معلومة تحدث مع المستفيد وهو ما يزيد العبء والضغط عليهم  بشكل مضاعف ويوصلهم مع الوقت إلى الاحتراق النفسي الوظيفي.

هذا ما بدأ يشعر به سند بعد تراكم القصص التي يسمعها، وقد يكون انسحابه من هذه الجلسة أقوى ردة فعل يسمح له بالتعبير فيها عن ضيقه مما يسمع. لم يكن من السهل حصولنا على تفاصيل ما أزعج سند ذلك اليوم، إلا أن هدفنا بدراسة حالة عاملي الصحة النفسية من جانب تأثير الضغوط النفسية عليهم ساهم بتعاونه معنا لتسليط الضوء على شريحة بحاجة لمن يقول لهم كيف حالكم, بدلاً من أن يطرحوا السؤال هم، يقول سند.

في برميل من الماء البارد في إحدى ليالي الشتاء القاسية يتلذذ الأب بوضع طفله ذي الثلاثة أعوام داخله مستمتعاً بصراخه واستنجاده بوالدته المقيدة إلى جواره. يشرح شعور النشوة التي تعتريه عند رؤية زوجته التي تخلى عنها أهلها لزواجها منه تتألم نتيجة كيّها بسجائر الدخان التي لا تغادر أصابع يده إلا نحو جلدها، سيجارة تلو الأخرى، كما أخبر الطبيب.

يقول الأب للطبيب إن مزيجاً من مشاعر السعادة والنصر ترافقه عند سماع توسلها إليه ليخرج الطفل من الماء قبل أن يتوقف قلبه، وكلما توسلت أكثر زادت نشوته وسعادته، حسب تعبيره. يروي تفاصيل ساديته بهدوء دون أن تظهر عليه أي علامات للندم من بطولاته التي وصلت لحرق الأعضاء التناسلية لطفله الأكبر عندما يريد معاقبته.

أثناء حديث هذا المريض النفسي ينسج سند بخياله المشاهد التي يرويها، ويتصور حال الأطفال ووالدتهم دون أن يسمح له عمله أن يبدي أي علامات للانزعاج أو التوتر كما أخبره مشرفوه، يقول إن هذا ليس الانسحاب الأول له خلال فترة عمله، فبعد كل جلسة مشابهة ينسحب مصطحباً علبة السجائر المخبأة في درج مكتبه.

أدرجت منظمة الصحة العالمية “الاحتراق النفسي المهني” ضمن قائمة “التصنيف الإحصائي الدولي للأمراض” (ICD)، وتم تعريف الاحتراق الوظيفي بأنه “ظاهرة مهنية” تحدث عندما لا تتم إدارة الإجهاد المزمن في مكان العمل بنجاح وفاعلية.

يضطر سند لقضاء وقت طويل مع أصحاب الشكايات النفسية على اختلاف صعوبتها وتعقيدها أو ربما خطورتها، كما يدفعه عمله للتركيز بدقة عالية بكلام ولغة جسد المريض. يحاول جاهداً بناء ثقة مع المريض بإبداء مستوى عالٍ من التفاعل عبر إيماءات الوجه، فالتعاطف والمسؤولية والسّريّة عناصر لابد من توافرها لكسب ثقة الطرف الآخر.

جميع هذه التقنيات تأخذ من عافيته النفسية والجسدية على حد وصف سند وغيره من عاملين قابلناهم، فالقصص الحزينة والمعقدة التي يسمعونها سببت لقسم منهم الكثير من العقابيل النفسية والصحية مثل صعوبة النوم، الأرق، والصداع كما أخبرونا.

الضغوط الاعتيادية والمشاكل الأسرية أو المجتمعية هي حالات ساهم سند بمعالجتها بداية التحاقه بهذا العمل، لم تكن تلك الحالات مثل التي يستقبلها المركز اليوم، فظهور تحديات خلفتها الحرب و تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية انعكست على أفراد المجتمع بأعراض نفسية منها ما هو قابل للعلاج بالدعم النفسي ومنها ما هو أعقد من ذلك بكثير فيلازم المريض طيلة حياته.

أن تطوى صفحات المرضى خارج حدود المركز هو ما يطلبه مدراء ومشرفو المركز من العاملين النفسيين، خوفاً من أن ترافقهم إلى منازلهم، إلا أن طبيعة العمل الذي يتطلب الغوص بتفاصيل بعض الأحداث الصادمة تنعكس أحياناً على حياتهم الشخصية، كما أن الضغوط المهنية الروتينية وساعات العمل الطويلة لتحقيق أكبر عدد ممكن من الجلسات بطلب من الجهات الداعمة، جميعها تساهم بالوصول للاحتراق الوظيفي والصدمة المباشرة أحياناً.

لطيفة 30 عاماً، موظفة في مجال الدعم النفسي تقدم جلسات الرعاية النفسية لطفلة لم تبلغ العاشرة من العمر، بعد تعرضها لحالة اغتصاب من قبل أحد المقربين منها، دفعها اطلاعها على تفاصيل الحالة، للحذر بشكل كبير من الأقارب وصل حد المبالغة وتخيل سيناريوهات تعكسها على حياتها الشخصية، فما مرت به الطفلة دفع لطيفة للنوم رفقة بناتها أحياناً، والاتصال بمعلماتهن بالمدرسة أكثر من مرة للسؤال عن حالهما وبرفقة من، حتى وصلت للتضييق عليهن كما أخبرتنا.

لا تفارق والدة الطفلة مخيلة لطيفة خاصة أنها أصيبت بجلطة تسببت بشلل جانبها الأيسر إثر ما حصل مع ابنتها. في العمل تمتنع لطيفة عن البكاء عند استماعها لحالات تتشابه بقسوتها مع قصة الطفلة وتختلف أسبابها وتفاصيلها وآثارها على المريض أو على أفراد أسرته. ترتشف كوباً كبيراً من القهوة وهي تحدثنا، تقول إنها تتناول القهوة كثيراً أثناء جلساتها مع الأطفال ومقدمي الرعاية لهم، ترافقها الأفكار السلبية والحزينة في حياتها الشخصية، تستيقظ مرات عديدة بمزاج كئيب وعدم رغبة بتنفيذ أي نشاط، تعاد في ذاكرتها حالات الاستغلال والتحرش والانتحار وغيرها التي تسمعها طيلة فترات عملها.

الطبيب النفسي ضياء عبدالله، الممارس في المشافي الفرنسية، يوضح أن العاملين في مجال الصحة النفسية شمالي سوريا يواجهون تحديات مشابهة لغيرهم في مجالات العمل المختلفة. وتختلف آثار هذه الضغوط من شخص لآخر فبعضهم يمتلك المرونة النفسية الكافية لتحملها، بينما يعاني آخرون من هشاشة نفسية أو من تجارب صعبة لم يتمكنوا من التعافي منها بشكل كامل. هذا يؤدي إلى تأثرهم بقصص مرضاهم، خاصة في ظل ظروف الحرب وعدم الاستقرار.

يقول: “كثير من هؤلاء العاملين تعرضوا لرضوض نفسية مشابهة لتلك التي يعاني منها المرضى الذين يعتنون بهم، ما يجعل السماع المتكرر لقصص مشابهة عائقاً أمام التعافي التام. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من هؤلاء العاملين لم تتح لهم فرصة تلقي تأهيل أكاديمي أو تدريبات كافية تمكنهم من امتلاك الأدوات اللازمة للتعامل مع الحالات المرضية المعقدة وظروف العمل الصعبة”.

يرتب الطبيب ضياء الحلول التي تساهم بتخفيف آثار الضغوط على الموظفين في مجال الصحة النفسية، معتبراً أن الأولوية تكون لرفع السوية العلمية من خلال التدريب المستمر وامتلاك منصات تساعد الموظفين على مناقشة الحالات المرضية التي يتعاملون معها، إلى جانب الورشات والمؤتمرات المتخصصة في هذا المجال.

ولتحسين شروط وقوانين العمل دور إيجابي في تعزيز الأمان الوظيفي للعاملين، مثل زيادة عدد أيام الإجازات وتحسين الحوافز المادية. والأهم من ذلك أن يتاح للمعالج النفسي خيار الإفصاح عن حاجته للمساعدة والدعم النفسي دون الخوف من العواقب أو استبداله بموظف آخر، حسب قوله.

ضربات قلب متسارعة وأحلام ليلية مزعجة وفقدان الرغبة بالأنشطة الترفيهية وخلل بتناول الطعام تصاحبها أعراض أخرى تعيشها لطيفة بعد سماع القصص المؤلمة الخاصة بالأطفال والنساء المعنفات اللواتي تقابلهن كل يوم في مكان عملها بمدينة سرمدا، ازدادت هذه الأعراض بعد حادثة زلزال 6 شباط العام الفائت والذي سرق منها هي الأخرى فلذة كبدها أدهم ذي الاثني عشر عاماً. تقول: “المرضى والعاملون يعيشون الأحداث نفسها”.

بعد كارثة الزلزال تشعر لطيفة بالألم مرتين، مرة بإثارة مشاعر الأمومة لديها عند سماعها لحالات فقد كحالتها، ومرة عند تأثرها بالمرضى الذين يقصّون عليها قصصهم المؤلمة. مع الوقت تحولت الضغوط إلى انسحاب وعزلة وعدم الدقة عند أداء بعض المهام. هي تعي وتدرك مايحدث معها إلا أنها لا تستطيع إخبار أحد، لأنها تخشى أن تفقد وظيفتها في حال شاركت مشرفتها هذه المشاعر، فهي بأمس الحاجة للعمل في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

عبدالله زيدان، مشرف تقني في الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي، يعمل لدى منظمة الإغاثة الطبية السورية ومدرب سابق لتدريب العناية بالذات مع منظمة مستقبل سوريا الزاهر، يقول: “إن حال موظفي الدعم الاجتماعي مثل حال جميع الموظفين يتشابهون بضغوطات العمل وساعاته، إلا أن أهم نقطة تميزهم عن بقية الموظفين في الأقسام الأخرى هي نقطة الاحتراق الوظيفي”.

تحدد المنظمات وقتاً لكل جلسة دعم لا يقل عن 45 دقيقة، يقول زيدان، معتبراً أن عدم التوازن بين متطلبات العمل، وعدم وجود وقت للراحة، و المعاملة غير العادلة في بعض المرات من قبل المنظمة، وعدم تحديد المسؤوليات، والتوقعات غير الواضحة، وضعف التواصل من قبل المشرف أو الإدارة، وزيادة عدد المستفيدين، والتعرض المتكرر للمشاعر والأحداث المؤلمة لدى الآخرين تخلق الصدمة الثانوية.

للصدمة الثانوية تأثيرات على المستوى السلوكي والعاطفي والصحي، بحسب زيدان مؤكداً أن هذه الصدمة قد تتطور لتشكل في مرحلة من المراحل احتراقاً وظيفياً، وخاصة عندما لا يتوفر عند المنظمة بروتوكولاً معيناً للعناية بالذات للموظف. وينصح زيدان العائلات بالعناية بالذات على المستوى الشخصي والاجتماعي، وأن يتوفر التواصل المفتوح بين أفراد العائلة، كما يؤكد على أهمية تثقيف الأسرة حول الصحة العقلية والنفسية واستراتيجيات التكيف، ثم القيام بطلب المساعدة التخصصية عند عدم جدوى الأمور السابقة.

الاحتراق الوظيفي الذي يواجه العاملين في مجال الصحة النفسية على اختلاف تراتبهم الوظيفي من اختصاصيين وأطباء وداعمين ومعالجين يظهر على شكل أعراض صدمة ثانوية أو ما يعرف بالصدمة غير المباشرة، فغالباً ما يكون محتوى الجلسات لمراجعي مراكز الصحة النفسية عنيفاً للغاية إثر تراكم المشاعر السلبية والآلام النفسية الناتجة عن التعرض المتكرر لأحداث صادمة مع الآخرين يكون لها تأثيرات أو عقابيل على المستوى العقلي والعاطفي والسلوكي والجسدي.

وفقاً لمقال نشرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي (BBC)” عام 2016، فإن الموت بسبب الاحتراق الوظيفي كان أكثر انتشاراً في اليابان، لكن أيضا كانت هناك حالات وفاة تُعزى إلى الاحتراق الوظيفي في بلدان أخرى حول العالم. بينما قدّر تقرير الأطباء الوطنيين لعام 2019 حول الإرهاق والاكتئاب والانتحار أن 44% من الأطباء يعانون من الاحتراق الوظيفي.

تختلف ردود فعل الموظفين الذين وصلوا حد الاحتراق الوظيفي من واحد إلى آخر، منها قلق وحزن ولا مبالاة أو ربما انفعالات سريعة وتقلبات في المزاج، ففي كثير من الأوقات ينشغل عامل الرعاية النفسية بالتفكير بالضحايا واحتمالية التعرض لما تعرض له الآخرون، وتخيل سيناريوهات عن كيفية حماية النفس في حال الإصابة بنفس الأعراض، وبالأخص عند متابعة الحالات الذهانية والفصامية، حسب وصف من قابلناهم.

على مقاعد الانتظار في عيادة الطبيب محمد ساطو، اختصاصي الصحة النفسية، خلال مصاحبتي لصديقتي التي تعاني من ظهور أعراض صدمة ما بعد الكرب نتيجة فقدان أطفالها بكارثة زلزال شباط 2023، التقيت بموظفة في إحدى مستشفيات الصحة النفسية (رفضت ذكر اسمها لأسباب خاصة بعملها). تزور الطبيب لسبب لم أستطع معرفته، ربما كان لاستشارة خاصة بها أو بمن تتابع حالتهم، علمت ذلك من إحدى مرافقات المرضى المنتظرين في القاعة.

نحول جسد الموظفة والهالات السوداء التي تحيط بعينيها الخضراوين دفعتني لسؤالها إن كان لعملهم آثار نفسية توصلهم لحالة الاحتراق النفسي الوظيفي، هزت برأسها وقالت: “باختصار نحن بشر نملك أحاسيس ومشاعر لا يمكن أن ننسلخ عنها، نتعامل مع أناس تشعر أنها تموت وهي على قيد الحياة، ومهمتنا تختلف عن مهام من يتعامل مع أمراض عضوية، لا أحد يعمل في هذا المجال إلا ويعاني من ضغوط وتحديات خاصة، وعند سماع القصص المأساوية من مراجعين يصير حالنا مثل البالونة التي قد تنفجر إذا لم تفرغ، لسنا ضحايا ولكننا نستحق الدعم”.

بعض من التقيناهم من الموظفين يشعرون بالخجل حيال مشاعر سلبية تصيبهم أحياناً عند مقارنتها بما يتعرض له المراجعون الناجون من الزلزال أو القصف أو غيرهم من الضحايا، يعتقدون أن هذا من أسباب عدم طلبهم للمساعدة  لتخفيف ما يشعرون به، إلا أن تجاهلهم للآثار السلبية يعرضهم لتفاقم حالتهم دون دراية منهم.

طبيب رأب الفجوة محمد اليونس، يؤكد ضرورة إظهار التعاطف مع النفس والمصادقة على ما يمرون به من مشاعر، معتبراً أنه لا بأس من العودة لمعالجين نفسيين عن طريق الانترنت للمساعدة على البوح بما يشعرون به، يمكنهم بذلك تلقي بعض استراتيجيات التعلم والتكيف أو إعطاء أنفسهم وقتاً من الاستراحة والابتعاد عن العمل.

ثمة عوامل خطورة يواجهها عمال الصحة النفسية، فبعضهم يميل للشعور بالذنب عندما يرغبون بالراحة أو الاهتمام باحتياجاتهم الخاصة، ومن الممكن أن يكون العامل هو نفسه من ضحايا الاعتداءات أو يمر بأعراض تحتاج لرعاية نفسية، بالإضافة للحساسية العالية تجاه الظلم، يزيد من حدتها شعور العجز الناجم عن ظاهرة الإفلات من العقاب للمتسببين مما يؤدي في حالات كثيرة لليأس وفي أوقات أخرى للنظرة الحاقدة على أصحاب السلطة، والنفور من المجتمع بشكل عام وتجنب الاندماج في المجتمعات والرغبة بالعزلة.

يقول اليونس الذي عمل سابقاً مع منظمة الأمين: “إن الطب في الصحة النفسية بحد ذاته مجهد أكثر من غيره، وذلك لأننا  نستمع يومياً لآلام وأحزان الناس التي حتى لو حاولنا الهروب منها أو نسيانها فإننا نجبر على تذكرها بهذا العمل” لذلك يرى أن كل موظف عامل في هذا المجال وصل لمرحلة الاحتراق الوظيفي بنسب متفاوتة، بحسب القيمة الوظيفية وفترة العمل والعطل والإجازات والرواتب، والأهم من ذلك كله هو المسؤولية تجاه الحالات التي يتم التعامل معها، مثل الاكتئاب أو صدمة ما بعد الكرب والفقد، والاختلاجات الناتجة عن أمراض نفسية، والوصمة الاجتماعية التي تلاحق هؤلاء المستفيدين.

في عام 1974، عرّف الطبيب والمعالج النفسي هربرت فرودنبرجر، والذي يُعدّ أول من أجرى أبحاثاً عن الاحتراق الوظيفي (Burnout) بأنه “التكلفة المُرتفعة للإنجاز العالي، والتي تتمثل في حدوث “انقراض” أو “تقلص” للدافع أو الحافز الذي يُحركنا في الحياة أو يدفعنا للاستمرار في العمل وتحقيق التطور المهني”.

بعض المنظمات الداعمة لقطاع الصحة النفسية صارت تهتم بتقديم بعض الاستراتيجيات للمنظمات العاملة في المنطقة بعد سنوات من إهمال هذا الجانب، وذلك لتحقيق التوازن بين العمل والحياة، وللوقاية مما يمكن تسميته بالاحتراق النفسي الوظيفي.

يتم ذلك من خلال تدريبات أهمية العناية الذاتية وتقديم بعض تقنيات التأمل والاسترخاء بالإضافة لتقديم الدعم المهني والاستشاري من قبل الزملاء والمشرفين، والتدريب على إدارة الضغوطات ولكن بشكل يراه من قابلناهم غير كافٍ، إذ لا يوجد في سياسات العمل الداعمة لصحة الموظفين النفسية ما يمنعهم من الاحتراق الوظيفي خاصة أنهم لم يصلوا لمرحلة الاكتفاء بالموارد المتاحة لاختصاصيي الصحة النفسية.

واحدة من دراسات معهد الطب البيئي السويدي أكدت بأن عدد ساعات العمل خلال الأسبوع يجب أن لا تتجاوز 40 ساعة كحد أقصى، إذ تشير الدراسة إلى أن هؤلاء العاملين غالباً ما يتعرضون لمخاطر مرتفعة للإصابة باضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والقلق بسبب متطلبات وظيفتهم وأوضحت أن الأخصائيين الاجتماعيين في السويد لديهم خطر أعلى بنسبة 30% بالاضطرابات النفسية الشائعة.

المعالج النفسي أحمد الذي يعمل في المجال ذاته يؤيد تعريف هربرت فرودنبرجر السابق، مؤكداً أن وجود الحوافز المادية والمعنوية وأيام الرعاية على اختلاف توافرها ضمن منظمة وأخرى من شأنه أن يجدد النشاط. يخبرنا أن يوماً واحداً للعطلة التي تمنحها المنظمة التي يعمل بها غير كافٍ للراحة بعد ستة أيام من العمل والضغوطات.

كثيراً ما يضطر أحمد للسفر يوم العطلة لمراكز البنك في عفرين أو إعزاز لاستلام راتبه، فيشعر فعلياً بأنه لم يحصل على العطلة التي من المفترض أن تكون فسحة للراحة والزيارات وحضور المناسبات وقضاء ما يلزم من احتياجات وواجبات اجتماعية، ما سبب له ولزملاء آخرين كسراً في العلاقات الاجتماعية التي من الممكن أن تكون متنفساً لهم. فساعات العمل التي لا تقل عن ثمان ساعات يومياً، إضافة لسفر ساعة قبل بدء الدوام وساعة بعد انتهائه للوصول للمركز تجعل أي موظف يصل لمرحلة الاحتراق.