تعطّلت حياة إيناس الصوفي، 44 عاماً أم لخمسة أطفال تسكن في مدينة سرمدا بريف إدلب، ولم تعد قادرة على ممارسة عملها أو العناية بأطفالها بعد إصابتها بمرض التصلب اللويحي. حالات كثيرة تشخّص في مختلف المناطق السورية بمرض التصلب اللويحي في ظل ندرة العلاج وارتفاع تكاليفه إن وجد، وصعوبة التشخيص.
يصنف التصلب اللويحي كأحد أمراض المناعة الذاتية التي تصيب الجهاز العصبي المركزي (المخ والحبل الشوكي)، وهو مرض مزمن بدرجات مختلفة يسبب أعراضاً كثيرة، أبرزها: ضعف في واحد أو أكثر من أجزاء الجسم، ووخز في الأطراف، وأحاسيس مشابهة للصدمة الكهربائية، وضعف في التوازن، وفقدان جزئي أو كليّ للرؤية، إضافة إلى الإرهاق و التلعثم في النطق واضطرابات مزاجية، وفق ما ذكر موقع “مايو كلينيك” الطبي.
آلام مبرحة وأعراض مختلفة ومتكررة يشكو منها مرضى التصلب اللويحي ما يدفعهم لزيارات دورية للأطباء للحصول على العلاج والمسكنات بشكل مستمر للتخفيف من حدة الهجمات وتقدير تطور الإصابة ونسبة المرض، إلا أن مصابي التصلب اللويحي في سوريا يواجهون صعوبة في العثور على العلاج أو عدم القدرة المالية على تأمينه.
أولى المشكلات التي يواجهها مرضى التصلب اللويحي تكمن في صعوبة التشخيص، إذ تتشابه أعراضه مع أعراض أمراض أخرى، تقول إيناس الصوفي “في البداية شعرت بضعف في الرؤية، وخلل في التوازن، إضافة لآلام متكررة في أطراف الجسم، لذلك راجعت عدة أطباء ودفعت مبالغ مالية كثيرة دون أن يستطيع أي طبيب تشخيص مرضي”.
تضيف إيناس “بعد 5 أشهر على ظهور الأعراض، استطاع طبيب في إدلب تشخيص إصابتي بالتصلب اللويحي، بالاعتماد على صورة الرنين المغناطيسي”، مشيرة إلى أن تأخر التشخيص تسبب في تطور المرض لديها وتفاقم الأعراض، عدا المصاريف الكثيرة التي دفعتها أثناء إجراء المعاينات والتحاليل في العيادات الخاصة.
موقع “مايو كلينيك” الطبي، أكد صعوبة تشخيص مرض التصلب اللويحي، إذ لا تتوافر اختبارات محدَّدة تكشف الإصابة به، ويعتمد الأطباء في تشخيصه على استبعاد الحالات الأخرى التي قد تتَّسِم بنفس العلامات والأعراض، وهو ما يُعرَف باسم التشخيص التفريقي.
ويبدأ الطبيب عادة بالتاريخ الطبيِّ الدقيق والفحص الجسديِّ، ثم يقوم بعدة إجراءات للكشف عن المرض منها البزل الشوكي حيث تُستخرج عينة صغيرة من السائل الدماغي النخاعي لتحليلها في المختبر، كما يمكن الاعتماد على التصوير بالرنين المغناطيسي، الذي يكشف عن مرض التصلب، إضافة إلى إجراء اختبارات الجهد وتحاليل الدم، وقد يكون تشخيص التصلب أكثر صعوبة لدى الأشخاص الذين لديهم أعراض غير عادية أو مرض يتفاقم تدريجيًّا.
تأمين العلاج مشكلة أخرى يعيشها مرضى التصلب اللويحي في الشمال السوري، إذ تسعى المؤسسات الصحية إلى تأمينه مجانًا، لكن تزايد أعداد المصابين وصعوبة استيراد الأدوية ونقص التمويل، تسبب في ندرة وجود الأدوية المجانية، ما يضطر المرضى لشرائها من السوق السوداء.
يتوفّر نوع واحد من الأدوية المجانية يوزّع في مستشفى الرحمة بدركوش بالتنسيق مع مديرية صحة إدلب، يقول الصيدلاني محمد صلاح قندح، مسؤول الأدوية في مستشفى الرحمة، لفوكس حلب، “نقدّم الأدوية مجانًا لمرضى التصلب اللويحي بشكل شهري، بناء على وصفة طبية موقعة من الطبيب المختص، بحيث نعطي كل مريض كمية دواء حسب حالته الصحية، فهناك مرضى يحصلون على علبة واحدة من دواء (Dimethyl Fumarate 50 mg)، وهناك مرضى يحصلون على علبتين أو ثلاث أو أربع شهريًا، وفي الشهر التالي يجب على المريض مراجعة الطبيب لتقييم حالته، وحسب وضعه الصحي نقدم له كمية جديدة من الدواء”.
لا ينفع الدواء المجاني الوحيد في مختلف حالات التصلب اللويحي ما يضطرهم لشراء أنواع أخرى من الصيدليات وبأسعار مرتفعة، تقول إيناس الصوفي، “كنت استخدم دواء (Dimethyl Fumarate)، إذ يبلغ سعر كل علبة 30 دولاراً تكفي لأسبوع فقط، وبالتالي أحتاج لـ 120 دولار شهريًا ثمن هذا الدواء، لكن الطبيب طلب مني أخيراً إيقافه بسبب عدم فاعليته في علاج الهجمات العصبية المتكررة التي أشكو منها، والاستعاضة عنه بنوع من الحقن تحت الجلد”.
تضيف إيناس أن هذه الحقن غير متوفرة في الشمال السوري ويمكن شراؤها من تركيا، لكن تكلفة الحقنة الواحدة تصل إلى 140 دولاراً، ويحتاج المريض لحقنة أسبوعية، كما يرفض المكتب الطبي في معبر باب الهوى إدخال مرضى التصلب اللويحي للعلاج في تركيا.
وعن آلية توزيع أدوية التصلب اللويحي في الشمال السوري، يقول كرم الشيخ علي، مدير المكتب الإعلامي لمديرية صحة إدلب الحرة “يحصل مستشفى الرحمة على أدوية التصلب اللويحي، عن طريق منظمة Gift of the Givers، ويقدم جزء منها لمديرية صحة إدلب، التي تقوم بتوزيعها على المنشآت الصحية التي تضم عيادات داخلية عصبية، وهي مستشفى باب الهوى، مستشفى عدي في سراقب، المستشفى المركزي بمدينة إدلب، مشيرًا إلى أن كميات الدواء التي تأتي مجانًا لا تكفي جميع مرضى التصلب اللويحي”.
لا تقف مشكلات مرضى التصلب اللويحي عند التشخيص والأدوية، إذ يتطلب العلاج مراجعة العيادات العصبية ومركز العلاج الفيزيائي.
يقول يوسف باكير (58 سنة) مريض بالتصلب اللويحي من سكان معرة مصرين بريف إدلب، إن “هناك ازدحام كبير في العيادات المجانية، إذ يضطر المريض لانتظار دوره عدة أيام، ما يدفعه للذهاب إلى العيادات الخاصة، تبلغ تكلفة المعاينة 150 ليرة تركية (5 دولارات تقريباً)، لاسيما أن الهجمات العصبية القوية التي لا تطاق، تجعل من الصعب على مريض التصلب اللويحي الانتظار حتى يتلقى العلاج في العيادات المجانية”.
يضيف باكير لفوكس حلب، “يحتاج مرضى التصلب اللويحي لصورة رنين مغناطيسي لتشخيص المرض أو لمتابعة تطور الحالة، فمع حدوث هجمات عصبية يحتاج المريض لإجراء صورة رنين مغناطيسي للدماغ والرقبة، وحين ذهبت لمستشفى إدلب المركزي كان موعدي بعد شهرين، ومع تفاقم حالتي الصحية اضطررت لإجراء الرنين المغناطيسي في مركز خاص، بتكلفة بلغت 150 دولار مع حقن مادة ظليلية”.
ويحتاج مرضى التصلب اللويحي إلى مكملات غذائية غنية بفيتامين B والمغنيزيوم وفيتامين D، الذي يعتبر ضرورياً في خطة العلاج لما يتسبب به مرض التصلب اللويحي من هشاشة في العظام، إضافة إلى حاجة المريض لتناول أغذية تحتوي على الأوميغا 3، ما يكبد المرضى أعباء مالية إضافية يعجز كثر عن تأمينها.
جلسات العلاج الفيزيائي تعتبر ضرورية كذلك لمرضى التصلب اللويحي، لاسيما لمن تسبب لهم التصلب بـ ضمور في العضلات وصعوبات في المشي والتوازن والنطق، وفي ظل ندرة مراكز العلاج الفيزيائي المجانية، يلجأ المرضى في الشمال السوري لجلسات في مراكز خاصة تبلغ تكلفة الواحدة منها 25 دولاراً.
لا تتوفر إحصائية لمرضى التصلب اللويحي في الشمال السوري، أما في مناطق النظام فتتوفر الأدوية المجانية لمرضى التصلب اللويحي لكن بشكل متقطع، ويبلغ عدد المرضى المصابين بالتصلب اللويحي في مناطق سيطرته 8437 مريضًا، بينهم 218 طفلًا دون سن الـ 18، يقوم على علاجهم 19 طبيب أعصاب متخصص بالتصلب اللويحي، بحيث يكون لكل 400 مصاب طبيب واحد، وفق إحصائية ذكرتها جمعية دعم مصابي التصلب اللويحي في سوريا الشهر الماضي.
يقول رئيس الرابطة السورية للعلوم العصبية الدكتور أنس جوهر في تقرير نشره موقع دام بوست نقلاً عن صحيفة الوطن، إن هناك زيادة في عدد الحالات المكتشفة بمرض التصلب اللويحي في الآونة الأخيرة، مشيرًا إلى أن أدوية التصلب اللويحي تشهد انقطاعًا ببعض الأنواع كل فترة لأسباب تتعلق بالاستيراد، ومن الممكن توافر بعض الأدوية في المستشفيات الخاصة والصيدليات ولكن بشكل قليل لارتفاع التكلفة وصعوبة الاستيراد.
وأوضح جوهر لصحيفة الوطن التابعة للنظام، أن العلاج خلال الهجمات الحادة يختلف عنه خلال فترة المرض، فهو يشمل استخدام نوع من أنواع الكورتيزونات وهي متوافرة في القطاعين العام والخاص بشكل كبير.
وحول فاعلية الأدوية أضاف جوهر لصحيفة الوطن، إن العلاجات ليست شافية بل معدلة لسير المرض، موضحًا أن “هذه العلاجات قد تكون حقنًا عضلية، أو حقنًا تحت الجلد، أو حبوبًا فموية، أو تثبيتًا وريديًا، وكل علاج له طريقة إعطاء وبروتوكول علاجي خاص به يتناسب مع حالة المريض وتطور مرضه”.
وبدأت مديرية صحة حلب التابعة للنظام منتصف العام الماضي، بإعطاء الجرعة الأولى من دواء مافين كلاد (كلادريين) لمرضى التصلب اللويحي مجانًا، في مستشفى زاهي أزرق بحي عين التل بحلب.
وقال الدكتور باسل سليمان مدير مشفى “زاهي أزرق” لوكالة “سانا“، إن دواء (كلادريين) يعتبر من أهم وأحدث العلاجات لمرضى التصلب اللويحي، حيث يمتاز بفعالية عالية لضبط المرض، إضافة إلى سهولة تناوله إذ يعطى فمويًا لعدة أيام فقط في عامين متتاليين، ويعتبر آمنًا وتأثيراته الجانبية قليلة.
أبو صادق،65 عاماً من سكان مدينة النبك بريف دمشق، مصاب بمرض التصلب اللويحي منذ عشر سنوات، ويواجه مشكلة في العلاج، حيث يضطر شهريًا للسفر إلى دمشق للحصول على العلاج المجاني، ما يكبده مصاريف كثيرة بسبب التنقل، عدا عن عناء السفر. يقول أبو صادق لفوكس حلب “أواجه صعوبة كبيرة في السفر، كون التصلب اللويحي سبّب لي شللًا في الأطراف السفلية ونقص في النظر، وأحتاج إلى مرافق ليسافر معي إلى مستشفى المجتهد بدمشق لتلقي العلاج، إضافة إلى مراجعة الطبيب المختص مقابل 30 ألف ليرة سورية (2 دولار تقريباً) لكل معاينة”.
الآثار النفسية والاجتماعية مشكلة أخرى عند مرضى التصلب اللويحي، تقول إيناس الصوفي، “كنت أعمل أخصائية نطق وتخاطب، لكن بعد إصابتي بمرض التصلب اللويحي أصبحت بحاجة لمن يساعدني في التخلص من التلعثم بعدما كنت سابقًا مسؤولة عن مساعدة المرضى في التخلص من تلك المشكلة، وهذا الأمر بحد ذاته سبب لي ضغطًا نفسيًا كبيرًا”.
تضيف إيناس، “إحدى الهجمات العصبية، سببت لي شللًا نصفيًا في الوجه، ولم أعد أملك الطاقة لأداء مهامي اليومية ورعاية أطفالي الخمسة، لأن أي مجهود بدني يتعبني، كما أن السهر ونوعية الغذاء والحالة النفسية السيئة قد تؤدي إلى حدوث هجمة عصبية مفاجئة تسبب لي الألم، عدا عن الخوف الذي ينتابني من حصول أي هجمة عصبية مباغتة قد تؤدي لإصابتي بشلل أو فقدان الرؤية”.
أما خولة (30 سنة) من سكان جرمانا، تعاني كذلك من التصلّب اللويحي، والذي سببّ لها شللًا نصفيًا، ما جعلها تعزف عن الزواج بسبب شعورها بأنه لن يكون هناك أي رجل يتحمل العيش معها، تقول لفوكس حلب، “شعور قاس حين أشاهد كل صديقاتي وأخواتي قد تزوجن، بينما أنا لن أستطيع الزواج”، لتضيف “ألا تكفي الآلام التي أشعر بها بسبب هذا المرض، تأتي الضغوطات النفسية لتفاقم أوجاعي”.
التصلب اللويحي مرض مناعي ذاتي مجهول السبب، يُحدث خللًا في الجهاز العصبي المناعي و تؤدي عوامل بيئية ووراثية وغذائية عدة إلى التحريض لحدوثه، وترتبط الإصابة به إلى حد كبير بعوز فيتامين “D”، إضافة إلى اختلاف النمط الغذائي، وتكون ذروة حدوثه في المرحلة العمرية بين 20 إلى 40 عامًا، وتصاب به النساء أكثر من الرجال.