الانتقال من رصيف إلى آخر في محافظة إدلب أمر كيفي لا يخضع لقوانين السير، ولا يخلو من خطر التعرض للحوادث المرورية، يعود ذلك لغياب الممرات والعلامات الخاصة للمشاة على الطرق الرئيسة التي خدّمت بإشارات المرور دون ممرات مرافقة لها.
وممرات المشاة هي خطوط بطول مترين تقريباً ترسم على الطرق الرئيسة بجانب إشارات المرور، وتشّكل مجتمعة ما يشبه الجسر البصري الذي يربط طرفي الطريق، ويحدّد المكان المخصص لعبور المشاة وحدوداً لإيقاف مركبات السائقين ما يضمن سلامة الاثنين معاً.
غياب ممرّات المشاة قلّل من أهمية إشارات المرور التي انتشرت في إدلب، خلال الأشهر الأخيرة، كذلك صعّب المهمة على السائقين وشرطة المرور لتحديد المخالفات وتنظيم حركة السير.
تضطر خديجة الحسن (60 عاماً وتسكن في مدينة الدانا) إلى الالتفاف بين السيارات للوصول إلى الطرف المقابل من أتوستراد الدانا، تقول إن “سائقين يتجاوزون حدّ التوقف المسموح به، في الأصل ليس هناك ما يدلّ على هذه الحدود سوى ما يتعارف عليه بتوقف المركبات على مسافة من إشارات المرور”.
بينما ترافق أم مصطفى، أم لثلاثة أطفال في مدينة سرمدا، أطفالها كل يوم إلى المدرسة خوفاً عليهم من قطع الطريق الرئيسي، وغياب ممرات المشاة التي تضمن سلامتهم، تقول “بعد تركيب إشارة المرور ظننت أني سأستغني عن هذا المشوار اليومي، لكن ذلك لم يحدث، ما نفع إشارة المرور، وما الذي يعنيه الضوء الأخضر إن كنت وأطفالي سنقطع الطريق بين السيارات للوصول إلى وجهتنا”.
تتندّر أم مصطفى وهي تطلب “قلع العين الخضراء والإبقاء على عيني إشارة المرور الحمراء والبرتقالية فقط”، يشاركها في البحث عن جدوى إشارات المرور من تحدثنا معهم وقالوا إن “مكان توقف السائقين تحدده مزاجية السائقين والتزامهم الأخلاقي، لا قواعد المرور المفروضة نظراً لغياب العلامات الطرقية”.
تحدّد الإشارات المرورية مكان وتوقيت مرور المشاة والسيارات، وتنظم حركة السير، وهما أمران مرتبطان لا يجب إغفال أي منهما، إذ سهّل ونظم وجود الإشارات المرورية حركة السيارات، وأسهم في الحدّ من الاختناقات المرورية، خاصة على الدوارات الرئيسة في مدن إدلب، وهي خطوة وصفها من تحدثنا إليهم من سائقين بـ “الضرورية والجيدة”، لكنها تبقى ناقصة إن لم تستكمل، يقول سائقو سيارات تحدثنا إليهم إنهم لا يتعدّون على ممر المشاة ولكنهم في الأصل لا يعرفون حدوده لغياب علامات تدل عليه من جهة، وهو ما يجعلهم يتجاوزونه دون قصد، إضافة لوجود مطبات عند عدد من إشارات المرور ما يدفع السائقين لتجاوزها على حساب المكان المخصص للمشاة.
يشارك عناصر شرطة المرور مستخدمي الطريق رغبتهم في إحداث ممرات مشاة بالقرب من أماكن وضع إشارات المرور الضوئية، يقول أحدهم إنهم يقعون في مشاكل يومية مع السائقين الذين يشغلون مكان عبور المشاة دون القدرة على إلزامهم أو مخالفتهم لعدم وجود علامات أو خطوط تحددها.
تبرّر بلدية إدلب غياب ممرات المشاة بعدم توفر الطلاء المخصص للطرقات والذي يستورد من خارج المنطقة، وإلى ارتفاع ثمنه، بحسب المهندس أسعد البيلساني، رئيس بلدية مدينة إدلب. يوضح البيلساني أن “وزارة الإدارة المحلية، التي تشكل البلدية جزء منها، هي الجهة المنوطة بها عملية تحديد أماكن ممرات المشاة وترسيمها بالخطوط، عبر لجان تشكل لهذا الغرض تحديداً، وتعمل بالتنسيق مع إدارة المرور في المحافظة”.
ويضيف أن “الوزارة قامت بتخطيط بعض الممرات في السابق، مستخدمة طلاء أبيض من النوع غير المخصص لهذا الغرض، و سرعان ما تلاشت معالم تلك الممرات، بفعل احتكاك الإطارات عليها، وبتأثير عوامل الطقس المتبدلة”، مؤكداً أن تخطيط تلك الممرات متوقف فقط على توفر الطلاء المناسب لهذه العملية.
نفى من التقينا بهم في إدلب من مشاة وسائقين، تذكرهم لوجود أي خطوط ترسم ممرات مشاة في أي مكان ضمن المحافظة ريفاً كان أم مدينة، وعبّر أكثرهم عن أمله برسم مثل هذه الممرات وتحديدها، ما يسهل على المشاة معرفة أماكن العبور المخصصة لهم لتأمين سلامتهم خلال عبورهم.
الرائد فادي الشامي، مدير إدارة المرور في إدلب قال إن عدم وجود خطوط محددة لممر المشاة لا يعتبر مبرراً لتجاوزه، مؤكداً أن على السائقين التوقف قبل مترين على الأقل من عمود الإشارة الضوئية لإفساح المجال للمشاة بقطع الطريق في أمان ويسر. وأضاف أن المخالفات المرورية المتعلقة بالإشارات الضوئية تصنف ضمن صنفين: تجاوز الإشارة وعدم التوقف مطلقاً أو تجاوز عمود الإشارة الضوئية أثناء التوقف. كلتا المخالتفان تتساويان في الغرامة المالية بحق مرتكبيها.
كما تشمل المخالفات المشاة الذين يعبرون الطريق من الأماكن غير المخصصة، يقول مدير إدارة المرور “هناك قانون مخصص لهذه المخالفة لكن تم تجميد العمل به حالياً لحداثة مشروع الإشارات المرورية بالأساس، وضعف الوعي المروري بالنسبة للمشاة وبعض السائقين اليوم”.
وبين الرائد الشامي الدور الإيجابي لتركيب إشارات المرور في إدلب، إذ ساعد في تنظيم حركة السير وتنسيقها بين التقاطعات، وحدد أفضلية المرور بشكل أكثر انضباطاً ما انعكس على تراجع معدلات الحوادث المرورية، إذ “وثقت الإدارة 270 حادثاً مرورياً في العام 2023، قبل تركيب الإشارات الضوئية، لتسجل هذا العام 70 حادثاً مرورياً حتى لحظة إعداد هذا التقرير”.