تعرّض الطفل محمد يوسف (11 عاماً) لنقص أكسجة في الدماغ أثناء ولادته أفقدته القدرة على الحركة، وتسبّبت له بضمور في الدماغ ومشاكل في النطق، فتحوّل إلى شخص بحاجة للإعالة مدى الحياة. وفي الوقت ذاته، فاقم انعدام الاستقرار في بلدته الواقعة في ريف معرة النعمان جنوبي إدلب الذي تزامن مع ولادته، مشكلته التي زاد منها أيضاً غياب مراكز العلاج المتخصصة، وتكاليف العلاج المرتفعة مقارنة مع مستوى دخل المعيشة.
كانت عائلة “يوسف” تقصد مراكز علاج فيزيائي مجانية، خلال فترات منفصلة وهذا انعكس سلباً على أي تحسن لحالته. يقول والده، “إن ابني يعاني من رخاوة في عضلات الرقبة وبسبب هذه الرخاوة تطوى الرقبة على الكتف فتصبح غير قادرة على حمل الرأس، إنّه مستلقٍ على الأرض منذ الولادة ونحن نهتم بكامل احتياجاته الشخصية”.
نزحت العائلة إلى مدينة مارع في ريف حلب الشمالي عام 2020 وبقي الأب دون عمل بعد أن ترك عمله في الزراعة بسبب الرحلة الجديدة، حاول حينها استغلال توفّر المراكز الطبية فبدأ بعلاج “محمد” في أحد مراكز مدينة أعزاز الصحية، لكنّ حالته لم تشهد أي تحسّن نتيجة للتقطّع في فترات العلاج التي سبّبها ارتفاع تكلفة السفر، بحسب والد الطفل.
في وقت لاحق، ألحقت العائلة الطفل بمركز علاج في مدينة مارع فتح أبوابه منذ أشهر، وحينها لاحظت تحسّنا من ناحية الحركة بالرغم من استمرار الأمراض الأخرى حتى بات يعتمد على نفسه في تناول الطعام وأصبح قادراً على تثبيت رقبته، كما أجرى الكادر الطبي عملاً جراحياً في قدميه بهدف تطويل الأوتار.
يرى الأخصائي في العلاج الفيزيائي عبد الله ناصر، أن نسبة الشفاء لدى محمد تصل إلى 85 % إذا استمر بالعلاج الفيزيائي، وقد يصبح مستقلاً في خدماته الشخصية، ما يقلل من العبء عن عائلته. ويضيف أن العلاج الذي خضع له وخاصة في تسوية الظهر والرقبة وتمكينه من القدرة على تثبيتهما كان انطلاقة مهمة، والآن انتقلنا إلى تعليمه طريقة الجلوس، وفي المرحلة الثالثة سنعلّمه المشي على الركب في المنزل.
يدير المركز الذي يجري فيه “محمد” الجلسات العلاجية فريق “فينا الخير التطوعي” الذي توسع أخيراً بهدف استيعاب مختلف الاحتياجات الخاصة، بما فيها، علاج مرضى التوحد، ومتلازمة داون، والضائقة النفسية، وصعوبات التعلم، وعلاج تأخر النطق، والضمور الدماغي، والتعليم التعويضي، وكل ذلك بشكل مجاني، بحسب “ناصر”.
ويركز فريق قسم العلاج الفيزيائي وفقاً للأخصائي على إعادة تأهيل إصابات الشلل، والجلطات، الدماغية، وإعاقات الولادة، والعلاج الفيزيائي بعد الكسور والعمليات الجراحية، مستهدفاً المراحل العمرية كافة، من الجنسين، سواءً ضمن المركز أو خلال جولات ميدانية يجريها إلى منازل المستفيدين.
ويكمن دور العلاج الفيزيائي في تأهيل الإصابات الجسدية والبدنية، من خلال إعادة النشاط الحركي للمرضى الذين لا يملكون القدرة أو لديهم صعوبة في تحريك أطرافهم، بالإمكانيات المتوفرة من أجهزة ومعدات طبية خاصة بالعلاج الفيزيائي.
يصل عدد المرضى المستفيدين من العلاج الفيزيائي في المركز شهرياً إلى 100 تقريباً، حيث تجاوزت العديد من الحالات المرضية مرحلة العلاج محققةً نتائج إيجابية، وفق خطة العلاج التي تقيم حسب الحالة الصحية للمريض. ويسعى الفريق أيضاً إلى تقديم جبائر مجانية للمستفيدين من خلال تبرعات محلية وخارجية، كما قال “ناصر”.
ويضيف المعالج الفيزيائي، أنّه لا يوجد في مدينة مارع أي مركز متخصص في العلاج الفيزيائي يقدّم الخدمة بشكل مجاني، في حين يتوفر ذلك في القطاع الخاص وتتراوح تكلفة الجلسة بين 100 إلى 150 ليرة تركية، حيث تحتاج أقل الحالات المرضية إلى 10 جلسات، لكن بعض الحالات المتعثرة تحتاج إلى فترة زمنية تتجاوز السنة بمعدل جلستين إلى ثلاثة في كل أسبوع.
كما يقدّم قسم الحماية مختلف أنواع العلاجات النفسية للحالات المسجلة في المركز وفق الاحتياجات المناسبة، حيث يعتمد الفريق على علاج الحالات وفق تقنية العلاج السلوكي المعرفي (CBT).
بدوره الأخصائي النفسي، ومستشار قسم الحماية في فريق “فينا الخير التطوعي” ياسين الحميد ” قال “نقوم بوضع خطة مناسبة لكل حالة في تشخيص أولي حسب مقاييس تخصصية، تتضمن تعديل سلوكيات معينة لدى الطفل وخصوصاً الأطفال المصابين بمرض التوحد وصعوبات النطق والتعلم بهدف تعديل السلوك”.
ووفقاً لـ”الحميد” فإن فريق إدارة الحالة حقق تقدماً بشكل ملحوظ وملموس في تحسن الأداء السلوكي والمعرفي للأطفال، حيث وصلت نسبة التقدم في بعض الحالات إلى أكثر من 60 % بعد ثلاثة أشهر من استقبال الحالات وتسجيلها في المركز”. وأشار، إلى أن عدد المستفيدين من خدمة العلاج في قسم الحماية نحو 27 مستفيداً من الفئات العمرية المختلفة، تتراوح أعمارهم ما بين ثلاثة و 26 سنة.
يعتبر مركز ذوي الاحتياجات الخاصة الوحيد في مدينة مارع، ويقدم خدمة مجانية بالكامل، ويشرف على أقسامه مجموعة من المختصين المؤهلين والمدربين على التعامل مع مختلف الحالات الحرجة.
كما يحوي المركز قسماً خاصاً بالتعليم، ضمن عدة برامج، أولها التعليم التعويضي للطلاب الذين لديهم تقصير دراسي، والثاني تعليم الأطفال الذين يعانون صعوبات في النطق، والثالث تعليم اللغات مثل الإنجليزية والتركية للمرحلتين الإعدادية والثانوية. والبرنامج الرابع، دورات تعليمية مخصصة للأيتام والمحتاجين من طلبة التعليم الأساسي (الصف الثالث الإعدادي).
ويستفيد من دورة مادة الكيمياء نحو 12 طالباً وطالبة، بينما يستفيد من دورات اللغة طلبة المعاهد التدريسية، إذ يوجد فيه نحو 15 طالباً وطالبة، ويتراوح عدد المستفيدين الكلي من الخدمات التي يقدمها المركز بين 300 إلى 350 مستفيداً ومستفيدة، بحسب المدرس في المركز محمد تنبي.
التحق علي حمدان (14 عاماً) وهو طالب في الصف الثالث الإعدادي بدورة تعليمية ينظمها الفريق بعدما نزح من بلدة تادف الواقعة في ريف حلب الشرقي، إلى مدينة مارع. “حمدان” هو الأكبر بين إخوته التي تعيلها والدته من خلال عملها في التعليم، بعدما فقد والده قبل عدة سنوات. ويقول، إنّه انضم إلى الدورة التعليمية بسبب ظروفهم المادية التي لا تسمح له في التسجيل بدورة خاصة”.
ويضيف، أن صفه الدراسي في المدارس العامة مزدحم، وهذا انعكس سلباً على مستوى التحصيل العلمي، ومن خلال الدورة التي تمتد لأربعة أشهر يأمل أن يعوض النقص. وافتتح فريق فينا الخير دورة تعليمية تستهدف طلبة التعليم الأساسي تمتد لأربعة أشهر، تستهدف أبناء الأيتام، وأصحاب الدخل المحدود.
محروس نجار، من أهالي مدينة مارع، أرسل أبناءه الثلاثة الذين ما زالوا في المرحلة الابتدائية للدروس التعويضية في المركز، يقول “واجهت مشكلة ضعف في بعض المواد التعليمية لدى أطفالي، ما دفعني إلى تسجيلهم في برنامج التعليم التعويضي، أخيراً لاحظت تحسناً في مستوى أبنائي، خاصةً في مادتي الرياضيات واللغة التركية”.
يعد برنامج التعليم التعويضي من البرامج التعليمية الحديثة التي أطلقها المركز في إطار تعويض الطلاب من مختلف المراحل التعليمية لتلافي تقصيرهم الدراسي.