فوانيس وأهلّة، عربات من مواد أولية للزينة وتقديم التمر والحلويات، أسلاك ملونة بالأضواء، من شمع أو من بلاستيك وبقايا خشب، حفر أو لصقت عليها عبارات مختصرة ترحّب وتبارك بقدوم شهر رمضان، ما قد تشاهده في الأسواق السورية أو على صفحات وسائل تواصل اجتماعي لسيدات امتهنّ صناعة الزينة الرمضانية لتجميل منازلهن أو بيعها بما يشكل فرصة موسمية لتأمين مصدر دخل لسدّ احتياجات عائلاتهن.
قلّة من منازل السوريين من اعتاد شراء زينة رمضان التي كنت تشاهدها بكثرة على واجهات المحلّات التجارية لجذب الزبائن والإعلان عن بدء طقوس الشهر الكريم، لكن ومع ارتفاع أسعارها وندرة فرص العمل بدأت تغيب عن معظم البيوت السورية التي كانت تضاء بفوانيس أو مجسمات وحبال ضوئية تعبيراً عن الفرح وترغيباً للأطفال بالصوم.
لم تعد أسعار الزينة المصنعة أو المستوردة منطقياً، يقول من تحدثنا معهن من سيدات، ما دفعهن لصناعتها يدوياً في منازلهن أو شرائها من سيدات في مختلف المناطق السورية وجدن في صناعتها فرصة لإظهار مواهبهن كهواية أو بيعها بأسعار مناسبة وبالشكل الذي ترغب به سيدات أخريات مع إمكانية إضافة عبارات خاصة بحسب رغبتهن.
في جولة أجراها موقع فوكس حلب على أسواق في دمشق وحلب رصد فيها ارتفاع أسعار الزينة الرمضانية لهذا العام وجد أن سعر الفانوس الذي يعمل على البطارية يتراوح بين 150 إلى 175 ألف ليرة، الفانوس البلاستيكي غير المضاء بين 50 إلى 75 ألف ليرة بحسب حجمه، هلال رمضان المعلق على ستاند معدني بين 250 إلى 300 ألف، ستاند الخشب الذي كتبت عليه عبارة “رمضان كريم” بين 25 إلى 35 ألف ليرة، الحبل الضوئي بين 65 إلى 90 ألف، بحسب الطول، صحن زجاجي لتقديم التمر بين 40 إلى 50 ألف ليرة، الصحن البلاستيكي للغرض ذاته بـ 6 آلاف ليرة، تقويم رمضان بين 35 إلى 60 ألف، الأشكال الرمضانية من نجوم وعبارات مصنوعة من الكرتون بنحو 5 آلاف لكل قطعة.
ارتفاع الأسعار جاء بسبب التكلفة العالية لحوامل الطاقة والمواد التي تدخل في صناعة الرينة إضافة لسعر صرف الدولار وتكاليف الشحن في المستوردة منها، بحسب ما قاله عبد الرزاق جبزة، أمين سر جمعية حماية المستهلك التابعة للنظام لموقع أثر برس. أمام هذا “الغلاء”، لجأت سيدات لصناعة زينة رمضان، بحسب حور البديوي، مهجّرة من مدينة معرّة النعمان إلى إدلب، “للحفاظ على طقوس الزينة الرمضانية وبيعها بأسعار مقبولة، وفي الوقت نفسه تأمين مصدر دخل “.
تقول البديوي إنها تلقّت تدريباً قبل أربع سنوات على فن صناعة الشموع وعكسته على صناعة الزينة الرمضانية من المادة ذاتها، فـ “زينة رمضان الموجودة في الأسواق بأشكال تقليدية دون ابتكار و تباع بأسعار باهظة، لذلك فكرت بتصنيعها بطريقة مبتكرة وبأسعار مقبولة جداً تكون في متناول الناس، وأقوم بتسويقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.
تتراوح أسعار زينة رمضان التي تبيعها حور البديوي في الشمال السوري، بين 15 إلى 100 ليرة تركية، في الوقت الذي تتراوح فيه أسعار الزينة المستوردة في الأسواق بين 150 إلى 500 ليرة تركية. وتعتمد حور في صناعة الزينة بشكل أساسي على الشمع، إذ تقوم بإذابته قبل وضعه ضمن القالب المطلوب وتنتظره حتى يجمد ويأخذ الشكل المطلوب، ثم تخرجه و تعرّضه لحرارة بدرجة منخفضة لتطبع عليه الصورة أو العبارة التي تريد وضعها عليه”.
من إدلب إلى جرمانا في دمشق تستفيد رولا من دراستها للفنون الجميلة في صناعة الزينة بشكل عام، والرمضانية بشكل خاص في صناعة وتصميم أشكال جديدة وبيعها في الأسواق. تقول رولا “قررت البدء بعملي خاص من المنزل لتأمين مصدر دخل، وبدأت الفكرة حين قرأت منشوراً على فيسبوك لسيدة تطلب تصميم تحف وزينة خاصة عليها اسم ابنها وصورته بمناسبة عيد ميلاده”.
أنشأت رولا حساباً على تطبيق إنستغرام نشرت عليه صوراً من تصاميم الزينة التي تصنعها، ولاقت منتجاتها إقبالاً من قبل الزبائن، على حد قولها. الاستحسان جاء بسبب “الأسعار الرخيصة مقارنة بالأسواق”، تشرح رولا سبب ذلك بـ “استخدامها للكرتون والمواد التالفة التي تحولها إلى مجسمات وزينة تناسب مختلف المناسبات وبلمسة فنية مميزة، لذلك كان لدي طلبات كثيرة من الزبائن خلال الأيام الماضية على زينة رمضان، الذين وجدوا فيها حلاً أفضل من شرائها من السوق بأسعار باهظة”.
إعادة التدوير فكرة قليلة التكلفة، لجأت إليها سيدات صناعة الزينة لتحويل الأشياء التالفة إلى مجسمات وأشكال تباع في مختلف المناسبات الدينية مثل الأعياد وموسم الحج وشهر رمضان، فضلاً عن صنع زينة المواليد الجدد والمناسبات الشخصية مثل الأفراح وأعياد الميلاد.
راما الشوشة من أهالي مدينة إدلب، تعتمد على إعادة تدوير الأشياء التالفة لصناعة الزينة، لكنها تستخدم موهبتها في هذا المجال كنوع من الهواية وليس لكسب الرزق. إحدى منتجات راما عربة رمضانية مميزة لوضع حبات التمر داخلها، وعن طريقة تصنيعها تقول: “جسم العربة مصنوع من علبة كرتون، أما إطاراتها عبارة عن سيديات كمبيوتر تالفة، الحوامل بين جسم العربة وسقفها من أعواد الخشب، بعد تشكيل جسم العربة الرمضانية، قامت راما باستخدام كيس الرز القماشي لتغطيتها، ثم ربطت جميع أجزاء العربة بمادة لاصقة، وفي النهاية وضعت حبلاً ضوئياً حولها لإعطائها مظهراً جميلاً”.
في مدينة حلب قرّرت أم أسعد أن تبتكر بنفسها حلّاً لتزيين منزلها في رمضان بنفسها، تقول إنها شاهدت فيديوهات لصناعتها في يوتيوب، وتعلّمت أفكاراً جديدة بمواد بسيطة معظمها متوفرة في المنزل.
صنعت أم أسعد، فوانيس رمضانية من الكرتون وأعواد الخشب، كتبت عليه عبارات مختلفة اختارتها وأطفالها، لفّتها بحبل ضوئي ووزّعتها في أنحاء المنزل، تقول “إنها كانت تجربة ممتعة وبتكلفة لا تذكر”. أما ولاء من سكان مدينة حلب، هي الأخرى اشترت في العام الماضي زينة رمضانية من سيدة تبيعها على فيسبوك، تقول إنها احتفظت بها للعام الحالي، أصلحت بعض العيوب فيها وزينت بها منزلها من جديد.
أمام قائمة الأولويات الطويلة التي تعترض العائلات السورية في كل شهر، خاصة تكاليف شهر رمضان المرتفعة، تجد الزينة في أسفل القائمة مقابل ر وجبة إفطار واحدة تزيد تكلفتها عن خمسين ألف ليرة، إلّا أن الترتيب ومظاهر الفرح بالشهر الكريم لن تتوقف، وأناقة السيدات السوريات في منازلهن لن يحدّها شيء، تصنعن بأيديهن ما تعجزن عن شرائه وتجهزن منازلهن في كل مناسبة بما يليق بهن.