في اليوم الذي تُكرّم فيه منظومة الأمم المتحدة ومؤسساتها نساء العالم أطلقت ناشطات في الشمال السوري هاشتاغ “لسنا بخير” عبر معرّفات منصات التواصل الاجتماعي، للفت انتباه المجتمع المحلي والإقليمي والدولي بأن السوريات بحاجة للالتفات لقضاياهن.
شعار ذو خلفية سوداء كَسَرَ سواده بياضُ لون الرقم ثمانية في المنتصف، يرمز لليوم الذي تعتمده منظمة الأمم المتحدة لإحياء هذه المناسبة، وعلى زاويته شريطة سوداء مائلة، كالتي توضع على صور الشهداء والموتى، وهو أقوى رسالة يمكن إرسالها بعد سنوات الحرب التي استنزفت النساء السوريات، بحسب ناشطات شاركن الهاشتاغ.
في الثامن من آذار من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي للمرأة، وفي كل عام تخصص الأمم المتحدة اسماً يتعلق بقضية أو حملة أو موضوع معين في حقوق المرأة، وحمل شعار عام 2024 عنوان “الاستثمار في المرأة لتسريع وتيرة التقدم”، لإبراز أهمية تعزيز الإدماج الاقتصادي للنساء والفتيات، والاستثمار في صحتهنّ وعافيتهنّ وتمكينهنّ اقتصادياً.
كباقي مكاتب منظمة الأمم المتحدة يشارك المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية للشرق الأوسط العالم هذا الاحتفال، مؤكداً عبر موقعه الإلكتروني أهمية هذه الدعوة في إقليم المنظمة، حيث تتأثر نساء الإقليم بالآثار الناجمة عن العديد من حالات الطوارئ والأزمات، سواء أكانت طبيعية أم مِن صُنع الإنسان.
ونتيجة الأوضاع السياسية غير المستقرة، والنظم الصحية الهشة وتدني جودة خدماتها، تشير تقديرات المنظمة إلى أنَّ احتمال وفاة النساء (ومنهن العاملات الصحيات) والأطفال عند وقوع كوارث يزيد بمقدار يصل إلى أربع عشرة مرةً عن احتمالِ وفاة الرجال. فانعدام الأمن يُعرِّض النساء والفتيات لمخاطر ازدياد العنفُ القائمُ على النوع الاجتماعي، وتضرُّر خدمات الصحة الإنجابية وصحة الأمهات.
تزامناً مع انشغال ناشطي وناشطات الشمال السوري بإحياء الذكرى الثالثة عشرة للثورة السورية، تنشغل مؤسسات ومنظمات إنسانية بالتحضير للاحتفال بالسيدات اللواتى ضمنوا مشاركتهنّ بأنشطة الدعم النفسي و برامج الحماية وغيرها من المشاريع التي تحمل همّ إرضاء الجهات المانحة حتى لو لم تتوافق مشاريعها مع الاحتياج المحلي والحقيقي للنساء في المنطقة.
هذا ما نوهت إليه يافا نواف، إعلامية وناشطة في مجال حقوق المرأة، مؤكدة أن برامج الحماية المنفذة من قبل المنظمات هي أنشطة كتابية لا تتعدى كونها للتوثيق وتعبئة الوقت. الشعار يمثل يافا كامرأة وناشطة شمالي سوريا، تقول: ” الشعار يمثلني، نحن فعلاً لسنا بخير، بسبب التضييق وانعدام الأمان والحد من وصول النساء لمراكز السلطة وتعرض معظم من لديهن الرغبة للمشاركة بالحياة العامة للتهديدات المختلفة”. “طموحي بالوصول لمركز سلطة معين قد يعرضني لتهديدات تكلفني حياتي” تقول يافا مؤكدة أن هذا حال النساء في الشمال السوري.
“نحن لسنا بخير، فمنا الأم التي يسلب منها أبسط حق وهو حضانة أطفالها، ومنا أم المعتقل، ومنا المعتقلات اللواتي يعانين منذ سنوات في مسالخ النظام وسجونه حتى نعيش في نعيم الحرية، ومنا القابعات في الخيام يتحدين ظروف الفقر وسوء الأوضاع المادية على أمل العودة لبيوتهنّ التي هُجرن منها، كل العالم يحتفل بهذا اليوم تقديراً للمرأة إلا نحن لم نصل لمرحلة شعورنا باهتمام الآخرين بنا” بعتب تختم يافا حديثها متمنية أن يسمع العالم صرخة نساء سوريا هذا اليوم فالسوريات حقيقةً لسنَ بخير.
في الوقت الذي لم تجف فيه بعد تربة الناشطة العضوة في شبكة المرأة السورية “هبة حاج عارف” التي وجدت ميتة في منزلها بمدينة بزاعة بريف حلب الشمالي الشرقي قبل أيام، جاء يوم المرأة العالمي ليعيد فتح الجرح النسوي الذي لم يندمل، كون ظروف الوفاة غامضة، خاصة أن “حاج عارف” كانت تتعرض لتهديدات مستمرة من قبل فصائل مسلحة في المنطقة، بحسب تقارير صحفية.
حاج عارف، وهي أم لطفل وطفلة، كانت قبل وفاتها مديرة قسم الفتيات في مدرسة تتبع لمنظمة “يني آدم” التركية، بحسب موقع حلب اليوم الذي التقى بأحد أقربائها (فضل عدم ذكر اسمه) قال إنها قبل أسبوعين من وفاتها تعرّضت لتهديدات بالقتل لإجبارها على الاستقالة من عملها في المنظمة، منوّهاً إلى أن تلك التهديدات تماماً كالتي واجهتها قبل قرابة عام، للاستقالة من المجلس المحلي لمدينة بزاعة الذي كانت عضوةً فيه.
مديرية أمن الباب أصدرت بياناً شرحت فيه ظروف الحادثة بعد ستة أيامٍ من العمل المتواصل للوصول إلى أسباب الوفاة (حسب وصفها) قالت فيه إنها توصلت بالتعاون مع ذوي الناشطة وبإشرافهم المباشر إلى أسباب وفاتها، والتي كانت بسبب توقف التنفس والقلب جراء “الشنق الانتحاري” بحسب البيان.
الحركة السياسية النسوية السورية في بيان لها استنكرت الحادثة واعتبرته عملاً إرهابياً وجريمة قتل لاانتحار، كذلك أكدت ناشطات رفضن ذكر اسمهنّ قالت إحداهنّ: “إنّ من يعرف هبة يعلم أنها لا تقدم على الانتحار”. وطالبت الحركة بتحقيق دولي مستقل شامل بمشاركة منظمات حقوقية دولية لكشف تفاصيل الجريمة والوقوف على ملابساتها وتحديد المسؤولين عنها ومحاكمتهم.
نبيهة الطه، صحفية سورية شاركت الهاشتاغ، تعقب قائلة: ” إن قضية الزميلة هبة حاج عارف أثرت كثيراً بنا كنساء سوريات بعد مضي 12 عاماً على الثورة السورية، لذلك نحن لسنا بخير، فالحادثة تؤكد أن التحديات ما تزال تعترض طريق تحقيق المساواة والعدالة، في ظل تواصل الظلم والاستبداد الذي تعاني منه النساء، وعدم التقدم الفعلي في مكافحة العنف ضدهنّ وتحقيق العدالة الاجتماعية”.
“لسنا بخير” هو “هاشتاغ أطلقناه بسبب ما تعانيه المرأة من ممارسات قمعية واستغلال وتهميش دورها في المجتمع”. تؤكد ياسمين المعراوية، إعلامية في الشمال السوري. تعتبر ياسمين أن حالات الانتحار الكثيرة في الآونة الأخيرة خير مثال على الضغوط التي تتعرض لها نساء في المنطقة، مؤكدةً أن المرأة لا يحق لها أن تطمح بالوصول لمنصب قيادي أو سياسي، وإذا كان ذلك فعليها مواجهة تحديات كثيرة، كأن تتعرض للنقد الدائم وآثاره السلبية على نفسيتها كونها أم لأيتام أو معيلة لأسرة حتى وإن وجد الزوج.
ولأن النساء قد يتعرضن للتهديد والقتل أحياناً، تشدد ياسمين على احتياج المنطقة لمؤسسات تكون قادرة على رعاية حقوق المرأة وتأمين الحماية والدعم لها ولأسرتها عند تعرضها للعنف النفسي والجسدي. “ظروف الهجرة والسكن غير اللائق من إحدى أكثر المشاكل التي تعانيها نساء المخيمات” تقول ياسمين منوهةً أنها تعرضت للنقد وكونها ناشطة إعلامية، “نحن بحاجة لأن يتقبلنا المجتمع كجزء هام لاينفصل عنه، وله حرية وكيان ضمن قيم وعادات مجتمعنا التي لانحيد عنها” تختم حديثها.
حادثة الضرب المبرح بحق فتاتين في أحد شوارع منطقة تل السمن بريف الرقة لم تُنسَ أيضاً، إذ تداول ناشطون وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوراً، نهاية شهر شباط الماضي يظهر اعتداء مجموعة من الأشخاص على فتاتين شقيقتين بالضرب المبرح بداعي الشرف، وسط صراخ الفتاة الظاهرة في الفيديو “والله بنية”.
أمام احتياج النساء الكبير في جميع القطاعات، تشعر ناشطات المجتمع المدني شمالي سوريا بالعجز حتى عن التعبير، فكان شعار “لسنا بخير” رغم قصره رسالةً عن حاجتهنّ لمن يسمع صوتهنّ من الجهات الفاعلة بالملف السوري.