فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الدجاج لايطير.. لكن أسعاره تحلّق

حسن كنهر الحسين

اتهامات و تبريرات يتقاذفها الجميع جراء ارتفاع أسعار مادةالفروج مع اقتراب حلول شهر رمضان.. والكل يرى نفسه خاسراً

أكثر من ثلاث ساعات مضت على فتح محل عمر بلم، صاحب محل لبيع الفروج في مدينة الدانا، دون أن يبيع ولو قطعة فروج واحدة، “السوق يشهد حالة ركود غير مسبوقة وإذا بقي الوضع على هذه الحال سأتوقف عن العمل حتى تعود الأسعار للاستقرار”، يقول البلم بنبرة صوتٍ ضعيفة كحركة سوق الدجاج هذه الأيام.

البلم، واحدٌ من عشرات يديرون متاجر لبيع الفروج صادفناهم خلال جولة في أحد شوارع مدينة الدانا المعروفة بوفرة هذا المنتج، يلفت الانتباه توقف معظمهم عن العمل بعد موجة ارتفاع أسعار الفروج خلال الأيام القليلة الماضية بينما اكتفت باقي المحال بخفض النسبة المخصصة للبيع ضمن تلك الأقفاص إلى أكثر من النصف.

أحد أصحاب تلك المحال قال إنه خفض نسبة الفروج التي كان يحتفظ بها ضمن تلك الأقفاص من سبعين إلى عشرين طيراً فقط، خشيةً من كسادها على خلفية ارتفاع الأسعار الكبيرة وتَذمُّر الزبائن ذوي القدرة الشرائية المنخفضة. خلال أسبوع واحد صعدت الأسعار السلم بقوة، فكان كل يوم يزيد سعر الطن عن اليوم السابق 100 دولار، وارتفع سعر الطن الواحد من المدجنة 1300 دولار وحتى 2000 دولار في سبعة أيام فقط، ما تسبب بحالة ركود في محال بيع الفروج في عموم مناطق ريف حلب ومحافظة إدلب.

نشطاء عبر منصات التواصل الاجتماعي أطلقوا حملات لمقاطعة المادة بشكل كامل للمساهمة بعودة الأسعار للحد الطبيعي. يقول من التقيناهم إن الهدف من تلك الحملات هو الضغط على المعنيين لكبح ارتفاع الأسعار، لا سيما التجار وأصحاب شركات التوزيع وأصحاب المداجن. عمر الرحال أحد المناصرين لتلك الحملة قرر التوقف عن شراء الفروج حتى إشعار آخر ريثما تعود الأسعار لما كانت عليه قبل أسبوع على أقل تقدير، حسب تعبيره.

يُحمّل الرحال التجار مسؤولية ارتفاع الأسعار مشيراً إلى أن الوضع يتكرر كل عام في شهر رمضان، “لكن في هذا العام جاء الارتفاع قبل نصف شهر تقريباً كنوع من المراوغة” يقول. ويضيف: “تعودنا على هذه الظاهرة، كل سنة قبل رمضان بأيام يرتفع سعر الفروج من قبل التجار، مرةً بذريعة المرض ومرةً أخرى بذريعة نقص الإنتاج، والحقيقة أن أغلب أصحاب المداجن يمتنعون عن طرح الفروج ضمن السوق لفعل ذلك في رمضان ولتصديره للخارج طمعاً بالربح الزائد”.

محمد اليونس هو الآخر اعتبر أن مقاطعة المادة هي الحل الأمثل لإعادة الأسعار لطبيعتها والتخلص من جشع التجار. يقول: “المقاطعة ستتسبب بحالة ركود لدى أصحاب الدواجن وبالتالي سيُرهقهم إطعام تلك الطيور لوقت أطول وسيضطرون لطرحها في الأسواق خشية الخسارة الناتجة عن إطعامها”.

المديرية العامة للتجارة والتموين في حكومة الإنقاذ بإدلب نفت تصدير مادة الفروج خارج الشمال السوري مؤكدةً أن التصدير لا يتم إلا في حال وجود فائض وكميات إنتاج كبيرة للمادة. وعزت المديرية ارتفاع الأسعار إلى إصابة معظم المداجن بـ “عترة ضارية” من مرض النيوكاسل (الطاعون) الشهر الماضي وهو ما تسبب بفجوة في الإنتاج فوصل سعر الطن الواحد إلى قرابة 2000 دولار أمريكي. 

بعد رصدها نفوق أعداد كبيرة من الطيور نفّذت المديرية بالاشتراك مع وزارة الزراعة والري جولات على مذابح الفروج والمداجن ليتبين أن الدجاج كان مصاباً بمرض نيوكاسل ما أدى لنفوق أعداد كبيرة من الطيور.

وبحسب المديرية فإن الارتفاع الملحوظ بنسب النفوق سُجّل في معظم المداجن ما دعا أصحابها للتخلص من الطيور المصابة بإشراف الجهات المعنية، وتسبّب ذلك بتوقف وضع أفواج جديدة إلى أن يتم تعقيم المداجن من الأمراض السابقة وتجهيزها لتربية فوج جديد، وكان ذلك -بحسب المديرية- سبباً رئيساً لقلة المعروض من الفروج بالإضافة لمحاولة المربين تأخير تربية الدواجن لمواكبة شهر رمضان المبارك.

مدير العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد، حمدو الجاسم، قال: “تعمل الحكومة على دراسة كافة الخيارات لتخفيض سعر هذه المادة، بدءاً من تكاليف الأعلاف والصيصان وصولاً لفتح المعابر للاستيراد من الخارج، وستشهد الأسواق انخفاض سعر الفروج وزيادة المعروض خلال الأيام القليلة القادمة”. يطرح الجاسم عدة حلول لدى وزارة الاقتصاد لضبط الأسعار في حال لم تتراجع من تلقاء نفسها، منها فتح الاستيراد من تركيا والدول المجاورة إلى الشمال السوري.

“لا تحدد المديرية سعراً للمادة لأنها كغيرها من السلع الاستهلاكية كلما زاد العرض في السوق انخفض السعر” يقول الجاسم مؤكداً أن “قطاع الدواجن يشهد تنافساً بين عدة شركات ما يقلل من هامش الربح، وخلال الجولات التموينية لم يتم ضبط أي حالة احتكار للمادة، ولكنها كغيرها من السلع والمواد في المحرر تخضع للعرض والطلب، وتأخُّر المربين بالتربية بسبب جائحة الطاعون سبب بتناقص المعروض في السوق ما أدى لارتفاع السعر”.

لا تتوفر إحصائية دقيقة عن حجم الخسائر بسبب انتشار هذا المرض لكن قطاع الدواجن في الشمال السوري سبّب للمربين الذين التقيناهم خسائر فادحة نتج عنها ارتفاع الأسعار بعد عزوف كثيرٍ منهم عن العمل إلى حين توقف المرض وهو الحال بالنسبة لياسر الشعبان أحد أصحاب المداجن. خسر الشعبان قرابة ألف طير بعد أن وصلت الجائحة إلى مدجنته المكونة من 2600 طير وقد بلغت خسائره قرابة 5000 دولاراً بين النفوق ومصاريف العلف والأدوية ومواد التدفئة وغيرها من المواد.

يصف الشعبان وضع أصحاب المداجن بالكارثي “فمعظم المداجن باتت خالية من الطيور، وبالرغم من ارتفاع أسعار الفروج إلا أنه لا يغطي نسبة ثلاثين بالمئة من خسائر المربين”.

رئيس دائرة الصحة الحيوانية في إدلب، الدكتور عبد الحي اليوسف، قال لفوكس حلب إنه “لايمكن تقدير نسبة النفوق بداء نيوكاسل لعدة أسباب، أولها وقت تربية الفوج الذي يمتد من الثلاثين حتى الثمانية والثلاثين يوماً، ويمكن تقديرها بشكل تقريبي على مدار خمسة أشهر من الإصابة بحوالي  50-60%، من ضمن هذه النسبة تم تسويق بعض الدواجن المصابة بعمر 25 يوماً”.

لاحظ، أبو وليد، صاحب محل لبيع الفروج غربي سرمدا، ظهور أعراض على الطيور التي اشتراها من التاجر. يقول “كانت الطيور في الدفعة صغيرة الحجم لا يتعدى وزنها الكيلوغرام الواحد أو أقل أحياناً تعرف في هذه المرحلة باسم “الشلوف”، كما أن أحشاءها تكون مليئة بالماء بسبب المرض، كما أنه لاحظ بعد نتف ريش الفروج أن لونه بين الزرقة والحمرة، لذا يباع بسعر قليل وهذا ما حصل في السوق منذ ما يقارب الشهرين”.

هذا المرض لا يسبب خطراً على حياة الإنسان بحسب اليوسف ولكن أثبتت بعض الدراسات بأنه يمكن انتقال المرض إلى الإنسان متسبباً بأعراض منها التهاب طفيف في ملتحمة العين واحمرار العين، مؤكداً أن “لا داعي للخوف كون العدوى لاتمثل خطورة على صحة الإنسان”. أطباء بيطريون شَخَّصوا الإصابة على أنها مرض فيروسي يصيب الطيور خاصةً في المداجن، وما من علاج فعّال للمرض لكن الوقاية تحدّ من انتشاره إذ يجب التخلص من الطيور النافقة بشكل صحي عن طريق حرقها ودفنها وعدم رميها على الطرقات.

داء نيوكاسل هو مرض فيروسي مخاطي شديد العدوى، ينتشر عن طريق الهواء والمياه الملوثة ويصيب الدواجن وطيور الأقفاص والطيور البرية، تتمثل أعراضه بحسب شركة “اليمامة” المختصة بإرشاد مربي الطيور في إدلب، بخمول ثم التجمع في جوانب الحظيرة أو حول مصادر الحرارة و عدم القدرة على الحركة والامتناع عن الأكل فينخفض استهلاك العليقة إلى النصف تقريباً.

بعد ظهور تلك الأعراض تبقى الطيور في غفوة طويلة و يجف ريشها و يظهر إسهال مائي أخضر اللون، وتظهر أعراض  تنفسية على الطيور على شكل صعوبة في التنفس و حشرجة في الصوت  تزداد حدتها في أوقات الليل. أما الأعراض العصبية التي تتبع الأعراض التنفسية في الظهور فهي على شكل شلل في إحدى الأرجل أو كليهما و ارتعاشات عصبية أو دوران الطائر حول نفسه ثم يقع أو تنثني رقبته إلى الخلف أو الأمام أو الجانب.

وإذا كانت الإصابة بالعترة الإحشائية الضارية فإن الأعراض تبدأ على شكل خمول ثم تلتهب أعين الطائر المصاب و تظهر إفرازات بالعين و الأنف ثم يرقد الطائر على الأرض بدون حراك و يموت في ظرف بضع ساعات بدون أن يهزل. يبدأ النفوق بعد ظهور الأعراض مباشرة و تتراوح نسبة الطيور النافقة من 5 إلى 100 بالمئة حسب ضراوة العدوى ومناعة الطائر.

أما إنتاج البيض فينخفض بين 20-50 % و قد ينقطع نهائياً ويصغر حجمه، وقد تنتج أعداداً كبيرة دون قشرة (برشت) أو تكون القشرة هشة ومتغيرة الشكل أو يختل الفراغ الهوائي أو يتحرك على شكل فقاعات هوائية، كما تقل نسبة البياض و يصير مائياً بينما يصير الصفار فاتح اللون.

قبل ارتفاع الأسعار كان تناول وجبة الفروج رفاهيةً تُحرم منها معظم العوائل في الشمال السوري، وصار اليوم حتى لذوي الدخل المتوسط في آخر قائمة الوجبات التي تضعها الأسر في حسبانها في شهر رمضان الذي بات على الأبواب، أما ذوو الدخل المحدود فلم يعد بمقدروهم حتى أن يحلموا برؤية هذا الطائر مطبوخاً على موائدهم الرمضانية.