يحتاج قطع الطريق بين تجمع مخيمات القلعة ومدينة سرمدا في ريف إدلب الشمالي والذي لا تزيد مسافته عن أربعة كيلومترات إلى نصف ساعة في أفضل الأحوال، وإلى سائق ماهر يجيد “ألعاب القيادة” لتجنب الوقوع في الحفر الكثيرة والكبيرة المنتشرة وسطه وعلى أطرافه، والنتوءات الناتجة عن وعورة الطريق الحصوية.
تزيد وعورة الطريق من مشكلات السكان في المنطقة، والذين يزيد عددهم عن 1200 أسرة، بحسب أبي علاء، مدير التجمع، وتضاعف من شكاية المرضى والمضطرين لخوض تلك الرحلة اليومية من موظفين وطلاب مدارس، دون أن تفلح جميع المناشدات بإيجاد حل لمشكلتهم.
تقول صفاء، طالبة في المدرسة الثانوية بمدرسة سرمدا وتسكن في تجمع مخيمات القلعة، “الوصول إلى مدرستي مشياً على الأقدام يتطلب وقتاً وجهداً أقلّ من الرحلة في الميكروباص، لكن أهلي يعارضون ذلك تجنباً لمشكلات قد تعترض سير فتاة وحدها في الطريق”. زارت صفاء مؤخراً طبيباً بشكاية في عمودها الفقري، كان من بين نصائحه للعلاج تجنب الضغط على الفقرات وهو ما لا يمكن تنفيذه بوجود الطريق التي تسلكه والذي يعلو ويهبط فيه الميكروباص و”كأنك تركب على جمل”.
ليست مشكلة غياب الطرق الإسفلتية وإهمال تعبيدها أو رصفها حصة تجمع مخيمات القلعة، بل ينسحب الحال على معظم مخيمات الشمال السوري، تاركة وراءها اثاراً صحية على من يقطنون المخيمات من جهة وعلى وسائل النقل التي إن نجت من حادث فلن تنجو من زيارة ورش “دوزان وميكانيك السيارات” بشكل شبه دوري شهرياً لترميم ما أتلفته الطرق في قطعها ودفع مبالغ تفرض على أصحابها التوقف عن العمل أو بيع السيارة لتسديد ثمن “علاجها” هي الأخرى، على حد قول أحمد اليوسف، مالك ميكروباص ينقل السكان من مخيم القلعة وقسطون إلى سرمدا.
“الطريق لا يصلح لمرور الجرارات الزراعية”، يضيف اليوسف، فالمشكلة برأيه عامة في كل الطرقات، يقول على سبيل المثال “لا يختلف الطريق إلى مخيمات خالد بن الوليد في الجهة الجنوبية من أوتوستراد باب الهوى -سرمدا عن توأمه طريق تجمع مخيمات القلعة، حفر وضيق قضمت المنازل المخالفة أجزاء منه ما يجعل تفادي مطبات هذه الطرق أمراً مستحيلاً، خاصة وأن هذه الطرق مخصصة للاتجاهين الذهاب والإياب”.
حتى سيارات الإسعاف لم تسلم من مشكلات وعورة الطرق، يصف عبد الحميد البكر، عامل باطون يسكن في تجمع خالد بن الوليد، الدقائق التي احتاجها للوصول إلى منزله بعد إجرائه عملاً جراحياً بـ “الأكثر إيلاماً من العمل الجراحي ذاته”، يقول “شعرت أن الدقائق لن تنتهي، كان الألم يتزايد بعد كل اهتزاز للسيارة”، لكن هذا الاهتزاز لم ولن يتوقف.
بعيداً عن تجمع مخيمات القلعة وخالد بن الوليد وبالقرب من مدينة الدانا عشرات الطرق غير المعبّدة والتي تصل بين المخيمات والطرق الرئيسة، مثل طريق تجمع مخيمات البردغلي الذي حوّله الشتاء إلى ما يشبه البركة بعد أن أزاح ما تبقى من بحص كان حصته في السنوات الماضية كحل غير مجد لغياب الإسفلت.
تقترح سيدة التقيناها إنشاء مشاف للولادة بعيداً عن مراكز المدن في منتصف هذه الطرقات حينها لن تحتاج النساء، حسب قولها، لـ “محرضات الطلق ولا إلى عمليات قيصرية”، في الوقت الذي يطلب منا شخص آخر أن نوفر جهد العمل على هذا التقرير والكتابة في أمر يمكن تحقيقه، خاصة وأن حال الطرقات أخذ نصيبه من كل شيء ويعرف ما تشكوه القاصي والداني.
يقدّم لنا حلّاً سيفتح أمامنا سؤالاً، يقول إن سكن أحد المتنفذين أو المسؤولين للسكن في المنطقة “سيتزّفت الطريق لوحده”، وهو ما دفعنا للبحث عن آلية تعبيد الطرقات والجهات المسؤولة عنها.
يقول محمد الأحمد، المسؤول عن إدارة المخيمات في مديرية المخيمات التابعة لحكومة الإنقاذ، في إجابته عن أسئلتنا حول آلية تحديد الأولوية لتعبيد الطرقات الواصلة إلى المخيمات، إن المديرية “تتلقى مشاريع طرقية مقدمة من الجهات الداعمة والمنظمات العاملة في القطاع الخدمي، بحسب تقييم مسبق أجرته للاحتياجات الملحة، يتضمن تحديد مسار الطريق لجهة الطول والميول والاتجاه والسماكة، مع إحصاء لعدد المخيمات التي سيخدمها الطريق وعدد السكان المستفيدين منه. بعدها يقوم فريق مختص من قبل المديرية بوضع الدراسات اللازمة للتنفيذ وتحديد المواصفات والمقاييس التنفيذية والفنية”.
ولخص الأحمد المقاييس المعتمدة بـ “ألا يقل سمك المجبول الزفتي عن 8 سنتيمترات، وعرضه عن 6 أمتار، ومراعاة ميله الطولي بنسبة %0.35 والعرضي بين 1,5 إلى 2%، ما يحقق عمراً أطول للطريق وأماناً أكبر لمستخدميه”.
علي حاج محمد، المسؤول في قطاع إدارة المخيمات التابع لحكومة الإنقاذ، قال إن “ترتيب سلم الأولويات لتنفيذ الطرق وتعبيدها يخضع لمعايير عدة على رأسها الكثافة السكانية للمنطقة التي يمر فيها الطريق والنشاط الاقتصادي والزراعي في المكان، كذلك تلعب ملكية الأرض، بين عامة وخاصة، دوراً في منح الأولوية لطريق قبل غيره”. ويضيف حاج محمد إن “توفر الدعم والتكلفة المالية لتنفيذ المشروع هو العامل الرئيس الذي يتسنم سلم الأولويات”
ولمعرفة التكلفة وآلية التنفيذ يقول المهندس أحمد العبد الله، من منظمة بناء،المنفذة للعديد من مشاريع الطرق وتعبيدها في شمال غرب سوريا، إن تنفيذ شق وتعبيد طرق المخيمات يمر بمراحل أولها القشط والتسوية لمكان الطريق لتحقيق الاستواء والميول المطلوبين، من ثم تأتي عملية فرش الحصى (بقايا المقالع) بسماكة لا تقل عن 25 سم، وبقطر 15سم للحصية، ثم تأتي مرحلة وضع مواد حصوية أخرى (جماش بدمه) بسمك 15 سم، وبقطر 7 سم، وأن القياسات تؤخذ بعد عملية الرص ( الدحل)، قبل أن توضع طبقة الأسفلت المجبول بسماكة لا تقل عن 8 سم.
ويقدر العبدالله تكلفة المتر المربع الواحد من الطبقات الحصوية بـ 2 دولار، و 1,5 دولار لطبقة mco، في حين تبلغ تكلفة المتر المربع من طبقة الأسفلت النهائية نحو 7 دولارات . وتحدّث الأحمد عن وجود مكتب مختص ضمن مديرية شؤون المخيمات، يعنى بتلقي طلبات وشكاوى المواطنين بخصوص الحاجة للطرق ومن خلاله يتم تحويل الطلبات تلك إلى المنظمات وجهات الدعم المتوفرة.
ما تحدثت به الإدارة يبدو عملية سهلة لكن واقع الطرق يشي بغير ذلك، ليس إهمالاً في تقديم الطلبات والشكاوى ولكن في الرّد عليها، إذ يقول أبو علاء مدير تجمع مخيمات القلعة إنه قصد مديرية شؤون المخيمات وطرق أبواب المنظمات الخدمية مراراً خلال السنوات الخمس الماضية، وهي عمر إنشاء التجمع، لكن دون جدوى، رغم تحقق الشروط والأولويات التي تحدّث عنها مسؤولو الإدارة من جهة الأهمية والكثافة السكانية والطرق الزراعية والملكية العامة، خاصة وأن الطريق كان معبداً في السابق ويصل حتى القلعة الأثرية الموجودة في المكان، ووقوعه في عقدة وصل مهمة مع تجمع مخيمات خالد بن الوليد الثمانية وعلى تفرع مخيمات سنجار ومخيمات وادي عباس وغيرها..
آخر الوعود التي تلقاها أبو علاء كان في نهاية العام الماضي وأن التنفيذ سيكون في فصل الربيع من العام الحالي. في انتظار ذلك طلب مدير التجمع من السكان الذين يجاورون الطريق الإسراع بمدّ خط الصرف الصحي واتخاذ الإجراءات اللازمة قبل تعبيد الطريق، أو الوعد بتعبيده إن صدق هذه المرة. أملاً في حلّ مشكلة الطريق إلى مخيمات القلعة تنتظر طرق أخرى وعوداً صادقة لتعبيدها، أو العودة إلى الحل المقترح بأن يسكن أحد المتنفذين في المنطقة، يمكن استعارته إلى مناطق أخرى بعد تعبيد الطرقات، حينها فقط تتصدر هذه الطرق سلّم الأولويات ويتوفر الدعم المناسب وتفتح خزائنه.