كشف مؤتمر الاستثمار الأول، الذي انتهت فعالياته منذ أيام في ريفي حلب الشمالي والشرقي (مناطق نفوذ الحكومة المؤقتة)، الغطاء عن ثلاث تحديات رئيسة واجهت القائمين عليه، تحدّيان منها يرتبطان بقرارات وموافقات سياسية دولية.
المؤتمر الذي حضرته شخصيات ومؤسسات عربية ودولية ومحلية يومي الأربعاء والخميس (17 -18 كانون الثاني الحالي)، نظمته عدّة جهات تمثلت بـ نقابة الاقتصاديين وجامعة حلب الحرة والحكومة السورية المؤقتة ومؤسسة 2020 IDEA، بحسب علي الحلاق رئيس اللجنة التنظيمية للمؤتمر والذي تحدّث عن تلبية الدعوة من قبل مستثمرين من إيطاليا وأمريكا والصين، إضافة لمستثمرين عرب من المغرب و سوريين يقيمون في أمريكا وتركيا وبلدان أخرى.
الدكتور محمد عثمان، نقيب الاقتصاديين، إحدى الجهات الرئيسة الداعمة للمؤتمر قال إن التحدّيات الثلاثة التي واجهت المؤتمر تعلّقت بـ “أمن المنطقة وشهادات المنشأ للبضائع المصنعة في الشمال السوري وعدم وجود بنية تخدم قطاع الاستثمار في التحويلات المالية من وإلى المنطقة”.
وفرض الاقتتال الداخلي بين فصائل الجيش الوطني التابع لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة نفسه كأبرز التحديات أمام الاستثمار في المنطقة. يقول الدكتور عثمان “إن الاقتتال الداخلي جعل من الشمال السوري بيئة قلقة بشكل عام ما سيكون له أثر كبير على على البيئة الاستثمارية كعنصر طرد ما لم توجد حلول تمنع الاقتتال أو تحييد القطاع الاستثماري والصناعي عن تلك النزاعات”.
وأضاف الدكتور عثمان أن وزارات الدفاع في معظم دول العالم تسهم في قطاع البنى التحتية بشكل فعال، وهو ما دفع القائمين على المؤتمر إلى مناقشة “جعل وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، بما تتضمنه من فصائل مشكلة لها، إحدى ركائز الاستثمار في البنى التحتية ما يجعل منها عنصر حماية فعال إضافة إلى تمكينها اقتصادياً عبر تلك المشاريع”.
شهادة المنشأ وتأمين اعتراف دولي بالشهادات الصادرة محلياً كان تحدّ آخر واجهه المؤتمر، إذ تمكن هذه الشهادة الدول المستوردة من التحكم بمنع دخول السلع المقاطعة اقتصادياً أو الممنوعة بالنسبة لها، وتعد كهوية تعريفية لتلك البضائع لمعرفة مصدرها و بغية تقدير نسب الرسوم التي ستفرض عليها أو المعاملات التفصيلية للمنتج أو السلعة.
وكان ملف إصدار شهادات المنشأ قد انتقل من الحكومة السورية المؤقتة إلى غرف التجارة التابعة للمجالس المحلية المنتشرة في مناطق سيطرة فصائل الجيش الوطني المدعوم تركياً قبل أن يتم إلغاء الاعتراف بها بشكل شبه كلي من معظم الدول، بحسب الدكتور عثمان. ويرتبط تصدير المنتجات من الشمال السوري إلى العالم بالاعتراف بشهادات المنشأ الصادرة عن الجهات المسؤولة في الشمال السوري المرتبط بالتفاهمات السياسية بالدرجة الأولى.
يقول الدكتور عثمان إنه “من الضروري تمكين الحكومة السورية المؤقتة في مناطق سيطرة الفصائل التابعة لها لتتمكن من إدارة الملف الاقتصادي وتسعى للاعتراف بشهادات المنشأ الصادرة عنها”.
ويرى وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة، عبد الحكيم المصري أن للدول الصديقة دور في قبول شهادات المنشأ الصادرة عن السلطات في الشمال السوري وهو ما يساعد في إقلاع عجلة الاستثمار بوتيرة أسرع على حد تعبيره. وأضاف الوزير المصري أن “وزارة الاقتصاد في الحكومة المؤقتة تعمل بشكل حثيث لإزالة عقبة الاعتراف بشهادات المنشأ”.
ويلجأ الصناعيون والتجار في المنطقة إلى حلول بديلة عن شهادات المنشأ، يصفها الدكتور عثمان بـ “غير القانونية”، منها تزوير شهادات منشأ أو الاستعانة بشهادات منشأ لشركات سورية في دول أخرى مثل تركيا، وهو ما سيترتب عليه تبعات قانونية تضر بقطاع الاستثمار والمستثمرين، إضافة إلى تكاليف إضافية يتوجب عليهم دفعها ما سيؤدي إلى انخفاض الأرباح.
وإن كان ثمة حلول للتعويض أو التحايل على شهادات المنشأ أو أفق لإيجاد حلّ مستقبلي في المستوى المنظور لها، إلّا أن غياب القطاع المصرفي في المنطقة يشكل عقبة أخرى لا يمكن حلّها إلا بموافقات دولية.
ويمثل القطاع المصرفي عصب الحركة الاقتصادية في أي بلد، والضامن الأنسب لحقوق المستوردين والمصدرين عبر تقديمه خدمات الاعتمادات المستندية، و هي تعهد مكتوب صادر من بنك ( يسمى المصدر ) بناء على طلب المشتري ( مقدم الطلب أو الآمر ) لصالح البائع ( المستفيد ). ويلتزم البنك بموجبه بالوفاء في حدود مبلغ محدد خلال فترة معينة متى قدم البائع مستندات السلعة مطابقة لتعليمات شروط الاعتماد، وقد يكون التزام البنك بالوفاء نقداً أو بقبول “كمبيالة”.
غياب القطاع المصرفي عن الشمال السوري كلياً والاستعاضة عنه بشركات الصرافة المحلية أو بمكاتب خدمة البريد التركية ptt لا يخدم أغراض التجار والصناعيين في الحوالات المالية أو تقديم ضمانات الاعتماد المستندي، بحسب العثمان. ويرتبط الاعتماد المستندي بالمصارف ولا يكتمل إلا بوجود شهادات منشأ معترف بها دولياً لأن المصارف التي تقدم تلك الخدمات لابد أن تكون مرتبطة بنظام سويفت SWIFT (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك).
يربط الوزير المصري إمكانية افتتاح مصرف في الشمال السوري أو فرع لمصارف من بلدان أخرى بـ “موافقة دولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية المصدرة لقانون قيصر الذي استثنى كثيراً من القطاعات في الشمال السوري”. ويضيف المصري أن القطاع المصرفي لم يكن ضمن القطاعات التي استثنتها الرخصة السورية العامة رقم 22 الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية من العقوبات، والتي سمحت بموجبها للأجانب بالاستثمار في مناطق شمال شرقي وشمال غربي سوريا دون تعرضهم للعقوبات، وهو ما وضع الجهات الداعمة للمؤتمر أمام تحد كبير آخر.
رغم التحديات التي تعيق الاستثمار في الشمال السوري، إلا أن وزارة الاقتصاد أعلنت عن أربعة ضمانات لتشجيع رجال الأعمال على الاستثمار في المنطقة، تمثلت بـ “عدم جواز الحجز الاحتياطي على المشروع أو فرض حراسة عليه إلا بموجب قرار قضائي، عدم نزع ملكية المشروع إلا للمنفعة العامة مع تعويض يعادل القيمة الحقيقية للمشروع وفق السعر الرائج بتاريخ الاستملاك، عدم إخضاع المشروع لأي أعباء إجرائية جديدة ناجمة عن قرارات و تعاميم صادرة عن جهة عامة، عدم إلغاء إجازة الاستثمار إلا بعد إبلاغ المستثمر بالمخالفات المنسوبة إليه مع إعطائه مهلة لإزالة المخالفة”.
و قدمت الجهات الراعية للمؤتمر أبحاثاً علمية سعياً لتجاوز ما قد يواجه القطاع الاستثماري في الشمال السوري ، إضافة لتسهيلات من الحكومة السورية المؤقتة على عمليات الاستيراد والتصدير وخفض الضرائب بشكل كبير “رسوم رمزية”، بحسب المصري.
اتفاقيات استثمارية مذكرات تفاهم
ترافق مؤتمر الاستثمار مع معرض للمنتجات السورية المصنعة في الشمال السوري ومنتجات أخرى مستوردة شاركت فيه عشرات الشركات السورية ما أتاح لزوار المعرض الاطلاع على ما تنتجه الشركات، وقد تم عقد اتفاقية استثمارية بين شركة غرير التجارية و المستثمر الصيني الذي حضر المؤتمر.
تعمل شركة غرير التجارية في تجارة الأجهزة الإلكترونية (هواتف محمولة و لابتوبات)، كما أنها تنشط في قطاع صناعة ألواح الطاقة الشمسية والطاقة البديلة، بحسب محمود خرفان عضو مجلس الإدارة في شركة غرير الذي قال إن “الشركة وقعت اتفاقاً مع مستثمر صيني لتوسعة العمل وتطويره”.
كذلك وقعت منظمة سلام الإيطالية المشاركة في المؤتمر مذكرة تفاهم مع جامعة حلب الحرة تتبنى بموجبها أبحاث الجامعة والعمل على تطبيقها، بحسب الدكتور عثمان.
مناقشة التحديات ومحاولة طرق الأبواب الدولية لإيجاد حلول جذرية للاعتراف بشهادات المنشأ وإنشاء قطاع مصرفي يضمن حقوق المستثمرين وخلق بيئة آمنة وتسهيل حركة الاستيراد والتصدير، وحده من يضمن نجاح المساعي بنتائج فعلية لإنشاء بيئة استثمارية جاذبة.