فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

worker

نقابات العمال في ريف حلب.. جهود ضائعة ولا داعمين لها

فداء الصالح

غياب الدعم والقدرة على التمويل الذاتي إضافة إلى وعود الحكومة المؤقتة المؤجلة يقوّض عمل النقابات العمالية في أرياف حلب الشمالية والشرقية، ويفسّر عزوف معظم العمال عن الانتساب إليها.

تقف النقابات العمالية المشكلة في أرياف حلب الشمالية والشرقية عاجزة عن تحقيق أي منافع حقيقية لمنتسبيها أو الدفاع عن حقوقهم، ما يفقدها جوهر وجودها الذي تشكلت من أجله ويبرر عزوف معظم العمال عن الالتحاق بصفوفها، في الوقت الذي تقوّض السلطات القائمة من عمل هذه النقابات وذلك لغياب الدعم الحكومي أو التعاون معها لإصدار قرارات منصفة. ولا يتجاوز عدد العمال في النقابات العمالية جميعها أكثر من سبعمائة عامل ينتسبون لـ 16 نقابة تشكّلت خلال العامين الماضيين في ثلاثة مدن رئيسة (الباب -صوران -إعزاز).

يقول أمجد الشاعري، أمين سر الاتحاد العام لنقابات العمال في محافظة حلب، إن أول نقابة تشكلت كانت لعمال المياومة في مدينة الباب منتصف عام 2021، تلاها خلال العامين الماضيين تشكيل ثمان نقابات للعمال في المدينة ذاتها، وهي نقابات (سائقي السرافيس، الخياطين، البنائين، الحدادين، الدهانين، النجارين، سائقي الشاحنات الثقيلة، العاملات) شكلت فيما بينها الاتحاد العام للنقابات العمالية، تم اختيار إدارته عبر انتخابات رشح لها 25 شخصاً نجح منهم 9 لرئاسة الاتحاد.

ويضيف الشاعري أن عمل اتحاد النقابات توسع ليشمل مدينة صوران عبر تشكيل مكتب للاتحاد بها ضم ست نقابات وهي: نقابة الطاقة والكهرباء، نقابة إصلاح الآليات، نقابة تصنيع المواد الغذائية، نقابة الخياطة، نقابة الحلاقة، نقابة الإنشاءات التي تضم ثلاث نقابات (البناء، الاكساء، النجارة العامة) ووصل عدد أعضاء فرع صوران إلى 275 عضواً، فيما التحقت مدينة إعزاز بالاتحاد عبر تشكيل نقابة واحدة هي  نقابة سائقي الشاحنات الثقيلة بواقع 30 عضواً.

تشترط جميع النقابات للانتساب إليها تقديم أوراق ثبوتية متمثلة بـ (صور شخصية و صورة عن الهوية الصادرة عن المجالس المحلية، إضافة إلى رسوم انتساب بقيمة 25 ليرة تركية لقاء إصدار بطاقة نقابية).

تعمل النقابات  ضمن نظام داخلي أعدّ بالتعاون مع منظمة  هوز وشبكة وصل (منظمتا مجتمع مدني)، ويعتبر مرجعاً لعمل النقابات التي أغلقت باب الانتساب إليها في الأشهر الأخيرة، بحسب الشاعري الذي أرجع السبب  لـ “عدم توفر اللوجستيات التي تسمح لنا بقبول طلبات الانتساب وتقديم الخدمات للعمال، إلا أننا نحاول تأمين ما يساعدنا على إعادة فتح باب الانتساب، وأقلها تأمين وقود التدفئة للمتطوعين العاملين في تسجيل طلبات الانتساب ضمن مكاتب الاتحاد!”

يرسل الاتحاد العام للنقابات تفاصيل تشكيل أي نقابة جديدة للحكومة السورية المؤقتة بهدف الإشهار وطلباً منها لتحمل  مسؤولياتها اتجاه هذه النقابات، بحسب الشاعري الذي قال إنه “حتى الآن لم تتلق النقابات من الحكومة المؤقتة أي استجابة اتجاه أي قضية من قضايا العمال كما أنها لم تقدم أي مساعدة لهم”.

وتسعى النقابات، وفق ما ورد في نظامها الداخلي إلى “الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للعمال، والسعي إلى تحسين ظروف عملهم و معيشتهم، والتصدي لحالات التعسف والاستغلال، وتنسيق العمل النقابي من أجل ضمان الدفاع عن مصالح العمال باستعمال الوسائل القانونية، تكريس علاقات صحية وسليمة، وتمتين الروابط ومختلف أشكال التعاون مع المنظمات المحلية والدولية المماثلة بغية تبادل الخبرات، ودعم الاتحاد للقيام بأدواره”. تحديد أجور العمل ورفعها بما يتناسب مع الواقع المعيشي أكثر الطلبات التي تعمل عليها النقابات العمالية أهمية، والتي فشلت حتى اليوم في تطبيقها.

يرجع مصطفى المصلاوي نقيب البنائين السبب في قلّة الالتزام بالأجور التي حددتها النقابة، سواء للمنتسبين أو غير المنتسبين إليها، للمضاربة الكبيرة بين أصحاب مشاريع البناء والناتجة عن نسبة البطالة المرتفعة. ويقول المصلاوي “لا تدع النقابة حقوق عمال البناء من غير المنتسبين، وتحاول توعيتهم بضرورة الانضمام إليها لضمان حقوقهم”، وإن  النقابة “كانت طرفاً في حل العديد من النزاعات، بعضها لعمال بناء من غير المنتسبين، وهذا ما دفع عدد لا بأس به منهم للانضمام إلى النقابة التي تجاوز عدد المنتسبين إليها اليوم 220 عاملاً”.

يحمل أبو حسن، مهجر من مدينة حمص، بطاقة انتساب لنقابة البنائين، إلا أنه لم يحصل على أي فائدة جراء ذلك، يقول أبو حسن “حاولت النقابة تحديد الأسعار وتنظيم عمل المهنة إلا أنها وقفت عاجزة نتيجة ضعف إمكانياتها وعدم التزام كثير من العمال خاصة غير المنتسبين بقراراتها، وغياب أي مساعدة للنقابة من قبل السلطات القائمة أو الحكومة السورية المؤقتة”.

تمكنّت النقابات من تأمين حسم  نقدي يتراوح بين 10 إلى  25٪ لحاملي البطاقة النقابية بموجب اتفاق مع أطباء وصيادلة ومحال تجارية بمختلف أنواعها، في خطوة يراها خالد أبو معتز عضو آخر في نقابة البنائين “منفعة ذات أهمية كبيرة للعمال خاصة مع قلة الأجور التي يتقاضونها لقاء عملهم”، بينما يقلل آخرون من أهميتها في ظل ارتفاع الأسعار ووقوع العمال تحت خط الفقر المدقع والذي حدده منسقو استجابة سوريا بنحو 5981 ليرة تركية، في الوقت الذي لا يحصل فيه العامل على أكثر من 100 ليرة تركية في حال توفر العمل.

لا ينكر مصطفى العبود، نقيب الخياطين، ما تواجهه النقابات من مشكلات في تحديد الأجور ويضيف أسباباً أخرى لفشل المحاولات في تحقيقها أهمها عدم تعاون العاملين مع النقابة وعدم انتساب القسم الأكبر منهم إلى النقابات. يحمل العبود العمال جزء من المسؤولية يقول “يطالبنا العمال برفع الأجور في الوقت الذي يرفضون فيه حتى فكرة الإضراب!”.

تلعب النقابات العمالية في جل دول العالم دوراً بارزاً في تحقيق مصلحة العمال ضمن مختلف القطاعات ويبرز سلاح الإضراب كأحد أهم الأدوات التي يتبعها العمال في سبيل ذلك، وهو ما دفع كبرى شركات السيارات في أمريكا (جنرال موتورز) لإعلان تسوية مع عمال صناعة السيارات المضربين في شهر تشرين الأول من العام الحالي بعد تعرض قطاع صناعة السيارات لخسائر قدرت بالمليارات، وقبلها إضراب عمال القطارات في بريطانيا في أيلول من العام الجاري.

قلّة الإمكانيات وعجز النقابات عن الوقوف إلى جانب العمال، كان ردّ من تحدثنا معهم من أصحاب الورش والمشاريع الصغيرة حول عدم تنفيذ القرارات الصادرة عن النقابة، ما يحولّها، بوجهة نظرهم، إلى قرارات “غير ملزمة”.

يقول مصطفى النعمة، صاحب ورشة خياطة في مدينة الباب، إن “النقابة لم تتمكن من تحسين واقع العمل من خلال إيجاد آليات أفضل لتصدير منتجاتهم إلى بلدان أخرى، على سبيل المثال”، ويضيف “لا يمكن الالتزام بقرار رفع أجور عمال الخياطة في واقع يشكو فيه أصحاب الورش أنفسهم من عدم قدرتهم على تصريف منتجاتهم”. ما يقوله النعمة يتوافق مع آراء عمال تحدثنا معهم من غير المنتسبين إلى النقابة، يرى أولئك قصوراً في عمل النقابات وأنها لن تكون قادرة على تحقيق ما ورد في نظامها الداخلي من دعم للعمال. 

ويطرح خليل العلي، عامل يومية في مدينة اعزاز شمالي حلب،  أمثلة سابقة عن عجز النقابات في الشمال السوري عن تحصيل حقوق العمال، منها ما  حدث سابقاً مع نقابة السائقين، أو ما حدث مع نقابة المعلمين وعجزهم عن تحقيق أهداف إضرابهم عدة مرات على مدى سنوات، ما يجعل من فكرة الانتساب للنقابة “دون جدوى أو فائدة”.

تأمين الواردات المالية لدعم العمال أو المشاريع الصغيرة مشكلة أخرى تواجه عمل النقابات، إضافة لتحديد الأجور، يقول الشاعري إن “الاتحاد يحاول من خلال التواصل مع منظمات إنسانية تأمين دعم لمشاريع صغيرة تضمن لأصحاب المهن دخلاً جيداً يعيلهم، لكن معظم الدعم الذي يقدم على قلته لا يكفي لشراء بعض أدوات العمل الضرورية ما يجعل منه غير ذي جدوى”.

وتعتمد النقابات العمالية في العالم على رسوم الانتساب وبدلات الاشتراك التي يحددها النظام الداخلي، كذلك على الهبات والتبرعات والمنح الحكومية وريع المشاريع المنشأة لصالح النقابة في تأمين مواردها المالية لدعم العمال، لكن هذه الموارد غائبة عن اتحاد النقابات في الشمال السوري الذي لا يتقاضى “أي رسوم من المنتسبين ما جعله بدون واردات مادية مع انعدام الدعم الحكومي” بحسب الشاعري.

كذلك يغيب الاتحاد عن “المشاركة في وضع الأنظمة الأساسية للعمال والعمل على توحيد شروط العمل فيها” بسبب تعدد سلطات الأمر الواقع وقراراتها المتضاربة ما “أفقد النقابات  القدرة على ضبط القطاع الذي تعمل به من ناحية تحديد الأجور أو ساعات العمل” يضيف الشاعري. يرى المحامي أحمد حسون أن “للنقابات المهنية دور كبير وجوهري في حفظ حقوق أعضائها، وتتناغم حقوق أصحاب المهن والنقابات المهنية مع النظم السياسية، فكلما كانت النظم السياسية أكثر انفتاحاً على العالم  الخارجي يتمتع أعضاء النقابات المهنية بمزايا أكبر ضمن بلدانها”.

ويرجع حسون السبب في تعثر عمل النقابات إلى غياب  قدرتها على التمويل الذاتي في ظل غياب أو ندرة الموارد الحكومية، إضافة لعدم الاستقرار الذي يسهم في تعثر عمل النقابات المهنية والاتحادات العمالية،  رغم الحاجة الملحة إليها. بين المنح غير المتوفرة والوعود المؤجلّة من الحكومة المؤقتة بتأمين دعم للاتحاد يصطدم عمل النقابات العمالية بمشكلات تقوّض وجودها، ويجعل من الانضمام إلى صفوفها مسألة غير ذات جدوى ما يفسّر قلة عدد المنتسبين إليها مقارنة بأعداد العمال وأصحاب الورش والمهن في الشمال السوري.