من الصفر كان على أبي حسن الشامي أن يبدأ رحلته في مدينة إدلب التي هُجّر إليها ليؤسس حياته مثل غيره من المهجرين قسرياً. دون بيت أو عمل أو رأس مال وجد نفسه تحت سماء المدينة التي قصدها مهجّرو المحافظات السورية جميعها.
سبيله الوحيد للحياة كان البحث عن عمل يحدد أولى خطواته نحو المجهول، في وقت كانت الليرة السورية تتهاوى إلى درك الهبوط الحاد. التعامل بالدولار والتحول عن العملة السورية كان شيئاً غير مألوف بداية التهجير، وهو أمر لا يعرف كيف يتعامل به، ما سبب له عقبات عند التجار الذين عمل عندهم.
ترك العمل مرتين لهذا السبب، ما دفعه لاختيار مهنة أكثر استقلالاً و استقراراً له ولعائلته التي بدأ بتأسيسها بعد زواجه. حصوله على بضائع بالدَّين لبيعها على عربة جوالة تغنيه عن دفع الإيجار كان الحل الذي بنى عليه أبو حسن آماله.
وبمساهمةٍ من فاعلي خير استطاع شراء عربةٍ ليقف على قدميه من جديد، فبدأ ببيع مواد التنظيف، مساحيق الغسيل، المناديل، المعطرات، وملمع الزجاج.
رأس ماله الذي يراه المارة على شكل بضاعة كان نتيجة اقتراضه مبلغ مائة دولار مُوثَّقة بورقة ممهورة بإمضائه، يفي منها كل شهر مائة ليرة تركية.
لا يحصل أبو حسن على دخل ثابت من عمله، يبيع أحياناً ولا يُوفَّق أحياناً أخرى ببيع أي قطعة فيضطر لشراء قوت اليوم لعائلته ومستلزماتهم بالدَّين. بعد زواجه رُزِق بطفلة، ثم بتوأم، لكنّ ظروف سكنه غير الصحية تسببت بمرض التوأم بعد ولادتهما فتوفيت البنت و شفي الولد بعد تلقيه علاجاً طويلاً.
في أحسن الأحوال يجني أبو حسن ستين ليرة تركية بعد تعب يوم طويل، عليه أن يدفع مما يجنيه 850 ليرة تركية أجرة بيت كل شهر، بالإضافة لمائة ليرة تركية ليسد دينه السابق.
أما الطعام وحليب الأطفال والماء فثمنها لا يتوفر غالب الوقت لذلك تتراكم عليه الديون خاصة مع ارتفاع الأسعار. كذلك الإنارة، فالبطارية التي يستخدمها منذ سنوات لم تعد تفي بالغرض ما يضطره وأسرته للنوم باكراً دون بصيص ضوء.
لم تقدم أي جهة دعماً لأبي حسن حتى الآن رغم ظروفه القاسية، حاله مثل حال معظم العمال المياومين الذين يعملون لكنهم في النهاية يعيشون بالَّدين. يحاول تحسين ظروفه بتأمين بضاعة يدفع ثمنها بعد بيعها آملاً بتوفير منزلٍ صحيّ لا يتسبب بمرض أحد أفراد أسرته أو فقدانه كما فقد ابنته.