يخشى سائقو الشاحنات السورية الكبيرة (قاطرة ومقطورة) أن يكون مصير اعتصامهم الذي فضّ قبل نحو أسبوع في مدينة إعزاز، بعد وعود بتحقيق مطالبهم، كمصير غيره من الاعتصامات والاحتجاجات السابقة المستمرة منذ نحو أربع سنوات.
الوعود التي تلقاها المعتصمون في نقابة سائقي الشاحنات من وزارة المالية في الحكومة المؤقتة والجهات الأمنية المسؤولة عن معبر باب السلامة في إعزاز جاءت في الثالث عشر من الشهر الجاري وبعد ثلاثة أيام من الاعتصام مطالبين بإيجاد حلول لتضرر مصالحهم بسبب السماح بدخول الشاحنات التركية لتفريغ حمولتها ضمن ريفي حلب الشمالي والشرقي.
ويقول عبدو عساف نائب نقيب السائقين إن سائقي الشاحنات السورية طالبوا “بمنع دخول الشاحنات التركية إلى الشمال السوري وإعادة تفريغ بضائعها داخل المعابر، أو السماح للشاحنات السورية بالدخول إلى تركيا، كذلك تفعيل مكتب الدور في تلك المعابر و تحديد سقف الحمولة للشاحنات السورية”.
وتتبع المعابر في ريفي حلب الشمالي والشرقي لوزارة المالية في الحكومة السورية المؤقتة وتشمل معابر (الراعي في الباب -جرابلس -باب السلامة في إعزاز –الحمام في عفرين) ويستثنى منها معبر باب الهوى التابع لحكومة الإنقاذ في إدلب.
سبق الاعتصام الأخير اعتصامات مماثلة ولمرات عديدة منذ صدور قرار السماح بدخول شاحنات نقل البضائع التركية إلى الداخل السوري في الخامس من آذار عام 2019، الذي تسبب بتوقف عمل شاحناتهم بشكل شبه كامل وتسريح آلاف عمال المياومة في ساحات التفريغ.
وبهدف توحيد الجهود والمطالب شكل السائقون نقابة لهم بناء على طلب من وزارة المالية للتواصل مع مختلف السلطات والجهات المسؤولة لإيصال صوت أكثر من خمسة آلاف من ملّاك الشاحنات الكبيرة ومثلهم من عمال المياومة، بحسب العساف.
تكررت الوعود من الجهات المسؤولة بإيجاد حلول لتوقف عمل الشاحنات مع كل اعتصام دون وجود خطوات ملموسة وحقيقية على أرض الواقع، بحسب عبود الحمود سائق شاحنة، والذي قال إن “الجهات الأمنية وإدارة المعبر في كل مرة تسعى لفض الاعتصام عبر إطلاق وعود لا يطبق منها شيء ويمكن تسميتها بذر الرماد في العيون”.
الدكتور عبد الحكيم المصري وزير المالية والاقتصاد في الحكومة المؤقتة قال إن الوزارة استجابت لطلب النقابة بتحديد أوزان الأحمال وتفعيل مكاتب الدور، ولا يمكن للوزارة الاستجابة لمطلب منع دخول الشاحنات التركية إلى الداخل السوري إذ “لا يوجد دولة تمنع سيارات دولة مجاورة من الدخول إلى أراضيها!”.
وعن منع الشاحنات السورية من الدخول إلى تركيا بمبدأ المعاملة بالمثل أجاب الوزير المصري “هذا الأمر قد يكون مرتبطاً بظروف معينة خاصة بالجانب التركي ولا علم لنا بها”.
يرتبط قبول دخول الشاحنات السورية إلى تركيا بتحقيق مواصفات معينة تفرضها الجهات التركية وفق ما نقلته إدارة معبر باب السلامة لسائقي الشاحنات أهمها “أن تكون الشاحنات ذات مواصفات أوروبية حديثة موديل 2014 أو أحدث”، بحسب عدد من السائقين.
يقول الحمود إن هذا الشرط لا يمكن تحقيقه إذ يندر في الشمال السوري وجود سيارة شاحنة تحمل تلك المواصفات، إذ يتجاوز سعر القاطرة منها 30 ألف دولار والمقطورة 16 ألف دولار، واصفاً الشرط بـ “التعجيزي”.
ويرى العساف أنه “لا يمكن الحديث عن تحقيق مواصفات معينة قبل صدور قرار رسمي يسمح بدخول سيارات الشحن السورية إلى تركيا لجلب البضائع”، وهو ما يخشاه السائقون القادرون على تحديث شاحناتهم خوفاً من منعهم من الدخول إلى تركيا بعد تورطهم بدفع تكاليف باهظة، وركن شاحناتهم الجديدة لتصدأ بجانب مثيلاتها.
أما بخصوص تفعيل مكاتب الدور وتحديد سقف الحمولة، فرغم صدور قرار من قبل المجالس المحلية بتحديد أوزان حمولة سيارات الشحن بمختلف أنواعها منذ العام 2019 وإعادة إصداره مجدّداً بعد اعتصام السائقين في شهر حزيران الماضي، والذي يحدد سقف حمولة الشاحنات بـ 39 طن والقاطرة بـ 20طن والشحن الصغيرة (انتر) بـ7 طن، و يفرض مخالفة عن الحمولة المسموح بها حدّدها بـ 750 ليرة عن كل طن زائد.
ويختص مكتب الدور بتنظيم عمل سيارات الشحن وتوزيع الأحمال على أصحابها بالتساوي، لكن أصحاب شاحنات تحدثوا عن عدم الالتزام بهذه القرارات، إذ تجاوز عدد أصحاب الشاحنات وعمال المياومة الذين فقدوا عملهم الآلاف، إضافة لتعطل عمل ورش تصليح سيارات الشحن.
يقول العساف أن هذا الأمر يحتاج إلى قرار من مديرية المواصلات التابعة لوزارة المالية والاقتصاد، وأضاف: “أبلغنا الوزير المصري بتنظيم وتفعيل مكتب الدور شفهياً، وعند نقل القرار لمديرية مواصلات إعزاز أبلغونا أن هذا الأمر يحتاج إلى قرار رسمي مكتوب من الوزارة”.
غياب القرار الورقي أدى، بحسب عدد من السائقين تحدثنا معهم، إلى عدم الالتزام بتوزيع الأحمال داخل المعبر، يبدو ذلك واضحاً من خلال مراقبة السيارات التي تنقل الأحمال على قلتها، عل حد قولهم. وأضاف سائقون أن “فاعلية مكتب الدور لن تكون مجدية إلا في حال صدور قرار يلزم الشاحنات التركية بتفريغ حمولتها في المعبر”.
الوزير المصري قال إن عدد الشاحنات التركية التي تفرغ حمولتها في المعبر أكبر من تلك التي تدخل إلى الشمال السوري، إذ نقلت الشاحنات السورية 13000 حمولة من داخل معبر باب السلامة وحده، منذ بداية العام الجاري وهذا العدد أقل من حمولة الشاحنات التركية التي لم تفرغ حمولتها في المعبر.
سائقو شاحنات سورية شككوا بصحة تلك الأرقام قائلين: “يمكن لأي شخص الوقوف أمام أي من المعابر لعدة ساعات ليجد أن الرقم يفوق ما صرح عنه الوزير في كل معبر بأضعاف كثيرة، إذ قدر بعضهم عدد الشاحنات التركية التي تدخل يومياً من كل معبر بأكثر من مئتي شاحنة”. وأضافوا إن عدد الحمولات التي تحدث عنها الوزير وهي 13000 حمولة تعني إن وزعت بشكل عادل حصول كل شاحنة سورية على حمولتين سنوياً عائدها لا يكفي ثمن “إطار واحد لشاحنة”.
ويعتمد سكان الشمال السوري على البضائع المستوردة من تركيا أو عبرها في حياتهم اليومية ما يدل على حجم التداول الكبير على المعابر التي يعمل كل منها بشكل مستقل رغم تبعيتها لوزارة المالية، يقول الوزير المصري “لكل معبر خصوصيته، وتقرر إدارته طبيعة عمله بالسماح بالدخول الشاحنات التركية أو تفريغ الشحنات في ساحة المعبر، فعلى سبيل المثال، البضائع التي تدخل من معبر جرابلس ووجهتها إلى منبج الواقعة تحت سيطرة قسد يتم تفريغها من الشاحنات التركية ونقلها إلى الشاحنات السورية داخل المعبر”.
عمل الشاحنات الكبيرة لا يمكن أن يرتكز على الأحمال الداخلية بين المدن السورية، يرجع سائقون تحدثنا معهم السبب للأجور القليلة بسبب التنافس الشديد بين الشاحنات لكثرة عددها من جهة، والتكاليف العالية التي لا تتناسب مع المصاريف التشغيلية من وقود وصيانة واستبدال إطارات.
يشرح سائقون تحدثنا معهم ومنهم محمد جبارة، مالك إحدى الشاحنات في مدينة إعزاز ” أجور نقل حمل من معبر باب السلامة (مستوردة) إلى مدينة إعزاز أو الباب تبلغ 100 و 250 دولاراً على التوالي، وهي أجور جيدة نسبياً مقارنة بأجور الأحمال الداخلية التي تقل عن نصف هذا المبلغ، إن وجدت، كذلك يضمن مكتب الدور التوزيع العادل أما في الأحمال الداخلية فلا يمكن إجبار أصحاب الأحمال على سائق محدد، كذلك اعتماد التجار والمنظمات الإنسانية على سائقين محددين في كل مرة”.
ليست الأجور ما يدفع سائقي الشاحنات التركية على الدخول إلى الشمال السوري، إذ أنه وبحسب سائقي شاحنات سورية يقبلون بنقل البضائع مجاناً. ويبرر سائقون ذلك بأن سائقي الشاحنات التركية يعوضون قلة الأجور بما يحملونه معهم إلى تركيا من وقود وإطارات وبعض المواد الغذائية مثل الشاي وبيعها في تركيا بفارق سعري كبير، وهو ما يفسر الإقبال الكبير من الشاحنات التركية على الدخول إلى سوريا.
ويشرح سائقون “يبلغ سعر ليتر المازوت 40 ليرة في تركيا ويتراوح سعره في سوريا بين 28 و30 ليرة تركية، ما يعني أن تعبئة 2000 ليتر يمنح سائق الشاحنة التركي فرق سعر مقداره 20 ألف ليرة تركية (نحو700 دولار وسطياً) وقد يتجاوز الفرق ضعف ذلك في حال تعبئة مازوت معالج (مكرر)، إذ يبلغ متوسط سعر ليتر المازوت المعالج 17 ليرة تركية.
يضاف لذلك 150 دولار أمريكي عن كل زوج من الإطارات يتم إدخاله إلى تركيا، وعليه ممكن أن يبلغ فرق الأسعار للمواد التي يحصل عليها سائق الشحن التركي من الداخل السوري نحو 1000 دولار أمريكي وهو ضعف أجور الشحن من مرفأ مرسين في تركيا إلى الشمال السوري، بحسب ما أخبرنا به بعض من تحدثنا إليهم من سائقين.
وزير الاقتصاد نفى تلك الادعاءات وقال إن “كميات الوقود والإطارات والمواد الغذائية التي يسمح بدخولها عبر الشاحنات التركية من المعابر السورية بسيطة، وفي حال تجاوز الكمية تفرض غرامات مالية على السائقين” دون أن نجد قراراً ملزماً يحدد الكميات والغرامات المفروضة في المعبر أو على صفحة الوزارة.
تعيل كل شاحنة عدداً من العائلات السورية، وتؤمن ساحات تفريغ الشحن فرصة عمل لآلاف السكان، كذلك ورش الصيانة وبيع الإطارات وقطع تبديل السيارات، ومع غياب أطر للحل يجد جميع أولئك أنفسهم أمام دوامة المصير المجهول والقرارات غير الملزمة في الوقت الذي يعلو الصدأ شاحناتهم في انتظار اعتصام آخر يقابل بوعود جديدة.