تضاعف سعر طبق البيض لنحو ضعفين ونصف الضعف عما كان عليه قبل شهرين في الشمال السوري، ليصبح وجوده في أساسيات الحياة اليومية نادراً ومقتصراً على فئة محددة من السكان. ويتراوح سعر طبق البيض اليوم بين 80 إلى 85 ليرة تركية (نحو 3 دولارات)، عوضاً عن 35 ليرة تركية (نحو 1.25 دولار)كان يباع بها سعر الطبق قبل شهرين.
أسباب كثيرة تسبب برفع سعر طبق البيض، أهمها عزوف مربي الدواجن عن العمل بعد خسارات وصفوها بـ “الكبيرة” خلال السنة الماضية، وتذبذب الأسعار نتيجة القرارات المتتالية بين السماح بالتصدير ومنعه من قبل الجهات المسؤولة، يضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار المواد اللازمة لعملية الإنتاج من علف وأدوية وتوقف أصحابها عن البيع الآجل.
خسر أبو عمر، أحد أصحاب المداجن في ريف إدلب، أكثر من أحد عشر ألف دولار خلال الموسم الفائت ما دفعه للإقلاع عن تربية الدواجن البياضة وتوقفه عن العمل نهائياً.
مثل غيره من مربي الدواجن دخل أبو عمر السوق الذي كان يشهد استقراراً في الأسعار، لكن الحال تغير مع بدء إنتاج البيض، يقول “بعد ستة أشهر من العمل ودفع التكاليف صدر قرار بمنع تصدير البيض بشكل كامل إلى خارج نطاق مناطق الشمال السوري الخاضع لسلطة حكومتي الإنقاذ والمؤقتة، كان الإنتاج كبيراً ما شكل فائضاً كبيراً دفع معظم التجار للتوقف عن شراء البيض وخزينه خوفاً من التلف. كسد الإنتاج وتراجع سعر طبق البيض لأقل من 35 ليرة تركية في السوق المحلي، وخسر أصحاب مداجن قسماً كبيراً من إنتاجهم”.
يشبه أبو عمر طبيعة عمل المدجن بالتداول في البورصة والعملات الرقمية التي ترتفع حيناً وتنخفض حينا آخر بحسب مجريات الأحداث، دون التنبؤ بنتائجها، هي “ضربة حظ” على حد تعبيره.
مع انخفاض السعر وكثرة الإنتاج وتوقف أصحاب مداجن عن العمل وتراكم الديون عليهم توقف تجار الأعلاف والصيدليات البيطرية عن تزويد المربين بالأعلاف واللقاحات والأدوية بطريقة البيع الآجل، وفرضوا عليهم دفع ثمنها نقداً، وهو ما زاد من مشكلات المربين ودفعهم لتصفية مداجنهم للوفاء بالتزاماتهم، أو بيع الدواجن للأهالي بنصف سعرها الحقيقي للتخلص من مصروف طعامها اليومي الذي لم يعد يغطي إنتاجها.
يقول أحمد السلوم، مالك مدجنة في ريف إدلب ” سابقاً كان المربي يدخل برأس مال لا يكفيه حتى نهاية الموسم، إذ أن معظم المربين كانوا يشترون المواد التي يحتاجونها بالدين لحين انتهاء الموسم ووفاء الأقساط المترتبة عليهم من المرابح، أما الآن فلم يعد في الساحة سوى الذين يملكون رأس مال طائل يمكنهم من العمل على حسابهم حتى نهاية المشروع”.
وتبلغ تكلفة الطائر الواحد ليصبح ضمن فترة الإنتاج بين 4 إلى 5 دولارات، ثمناً للغذاء واللقاح والتدفئة والمصاريف الأخرى في الوقت الذي بيع فيه طبق البيض آنذاك بنحو دولار وربع الدولار، بحسب أبو عمر.
عشرات المداجن أغلقت أبوابها كحال مدجنة أبو عمر، توقف قسم منهم عن العمل نهائياً بينما اقتصر عمل آخرين على تربية دجاج الطعام (الفروج) عوضاً عن البياض، ما أدى إلى تراجع إنتاج البيض في الموسم الحالي ونقص كمياته في السوق الأمر الذي أدى إلى تضاعف سعره من جديد.
ليست قلة الإنتاج ما تسبب بتضاعف سعر طبق البيض، لكن قرارات جديدة بفتح الحدود والسماح بتصديره إلى مناطق سيطرة قسد ومنها إلى مناطق النظام ساهم بهذا الارتفاع.
يقول أبو نديم، تاجر جملة لأطباق البيض في إدلب، إن “سعر طبق البيض المكون من ثلاثين بيضة في الوقت الحالي يتراوح بين 80 إلى 85 ل.ت للطبق الواحد تبعاً لوزن الطبق، وتختلف قيمته وفقاً لسياسة العرض والطلب، إذ زاد الطلب عليه مؤخراً بعد فتح الطريق أمام تصديره لمناطق مجاورة لا سيما مناطق النظام”.
ويضيف أحمد السلوم ، جملة من العوامل الأخرى ساهمت في ارتفاع سعر طبق البيض منها الزيادة الكبيرة في ثمن الأعلاف والأدوية والمحروقات والتي قدرها بنحو 35%، كذلك ارتفاع بدل الإيجار للمداجن، خاصة وأن معظم المستثمرين ليسوا ملاكاً لهذه المباني وأغلبهم من النازحين إلى المنطقة.
سعر طبق البيض الواحد يعادل أجرة عامل مياومة ليوم كامل، وتحتاج أسرة مكونة من خمسة أشخاص وسطياً لنحو أربعة أطباق من البيض شهرياً كوجبة ثانوية لا تقدّم وحدها وهو ما أدى لاستغناء عائلات كثيرة عن وجوده أو شرائه أحياناً بالمفرق، إذ تباع البيضة الواحدة بأكثر من ثلاث ليرات تركية.
يقول يزن الحميدو “تراجع وجود البيض لصالح أطعمة أخرى أقل ثمناً مثل الفول والحمص والزيتون، رغم أهميته الغذائية للأطفال خاصة ومحبتهم له”.
يوماً بعد يوم تتناقص الخيارات أمام ربات المنازل في تأمين الوجبات الغذائية لعائلاتهن، وتتحكم القرارات غير المدروسة بفتح المعابر وإغلاقها وعدم الاستقرار في المنطقة بارتفاع أو انخفاض أسعار مواد غذائية أساسية ما يسبب خسارة منتجيها لرؤوس أموالهم وعزوفهم عن العمل، كذلك يحول آخرون إلى عاطلين عن العمل لينضموا إلى أقرانهم في منطقة تصل فيها البطالة إلى نسب قياسية تزيد عن 85% ويقوّض فرصهم في الحصول على ما يسد الرمق بتوقف المشاريع الصغيرة، الحل الوحيد المتاح في ظل غياب مشاريع كبيرة تحتويهم.