دخلت التجارة الإلكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى أرياف حلب الشمالية والشرقية منذ سنوات، أنشئت لذلك مجموعات بيع متنوعة على منصات فيسبوك، سواء للألبسة الجديدة أو المستعملة، لكن مؤخراً درجت تجارة الألبسة والفرش والأواني المنزلية على تطبيق واتس آب.
التحديثات الجديدة لواتس آب، إضافة لسهولة استخدامه وخصوصيته بإضافة أرقام محددة مكّنت نساء كثيرات من العمل في التجارة الإلكترونية، خاصة مع الانتشار الواسع لهذا التطبيق واستعماله في المنطقة من جهة، وتنبّه أصحاب المحلات والبضائع لضرورة الاعتماد عليه في ترويج بضائعهم.
داخل واتس آب مجموعات مختلفة بعضها متخصص ببيع الألبسة المستعملة أو الجديدة للنساء أو للأطفال أو لكليهما، أخرى تبيع كل شيء تحولت إلى ما يشبه السوق المفتوح لعرض الفائض عن الحاجة أو غير المستخدم في المنازل من أدوات وفرش وأثاث وغيره، تديرها نساء يعمل قسم منهن كمندوبات بينما تعمل أخريات كوسيطات وتتقاضين أرباحهن عن كل قطعة تبعنها.
أنشأت أم محمود، 40 عاماً وأم أرملة لطفلين، مجموعة “صبايا مارع” على واتس بهدف تأمين دخل مادي يعينها على تأمين متطلبات الحياة.
يزيد عدد مشتركات المجموعة عن 250 سيدة، تقول أم محمود “هناك سيدات يتابعن المجموعة بهدف شراء احتياجاتهن، وأخريات بهدف بيع الفائض عندهن من ألبسة وأوان منزلية”. وتضيف “المجموعة خدمة لبيع ما يزيد عن حاجة النساء عوضاً عن إتلافه أو هدره، وبالتالي الاستفادة من ثمنه في ظل الظروف المادية القاسية”.
تتقاضى أم محمود أرباحاً على كل قطعة تباع في مجموعتها تتراوح بين 5 إلى 15 ليرة تركية، ويكون ذلك بالاتفاق مع صاحبة القطعة التي تعرضها للبيع وتبيع شهرياً عشرات القطع في المجموعة دون الاضطرار لدفع رأس مال أو الخروج من المنزل.
وتصف إقبال النساء في مجموعتها على الشراء بالجيد، والأسعار بأقل من الأسواق بنسبة كبيرة. تبرر ذلك بأنها ألبسة مستعملة أو الألبسة التي “راحت موضتها” على حدّ قولها، أو ألبسة خاصة لا يمكن استخدامها إلا في مناسبات محددة مثل بدلات العرائس وفساتين السهرة.
سلام خطاب واحدة من النساء التي اشترت فستان سهرة جديد لحضور زفاف شقيقها بمبلغ ألف ليرة تركية لتبيعه بعد أيام على مجموعة واتس آب بستمائة ليرة تركية وبخسارة نحو نصف ثمنه.
تقول سلام إن مثل هذه الملابس لا يمكن ارتداؤها يومياً ولذلك تعمد النساء إلى بيعها بعد انتهاء المناسبة وإن وضع معظم العائلات المادي لا يسمح لهم باقتناء مثل هذه الألبسة التي ترى فيها ثياباً مؤقتة، وفي حال وجود مناسبة أخرى تكون قد “انتهت موضتها” ما يزيد من رغبة النساء في بيع ما لديهن أو استبداله.
تتواصل الراغبات ببيع الأدوات أو الألبسة مع صاحبة المجموعة التي تقوم بعرضها مع صورتها ونوعها ومقاسها وسعرها مقابل ربح متفق عليه في حال بيعها فقط أم في حال عدم البيع فلا تتقاضى صاحبة المجموعة أي أجر على نشرها، بحسب أم محمود التي قالت إن “هذه المجموعات تساهم في توفير كلفة مادية مرهقة عن أسر لا تستطيع تحمل تكاليف إضافية، ويمكنها أن توفر لهم إمكانية ارتداء ثياب وفساتين وشراء أثاث منزل بتكاليف تتناسب نوعاًما مع دخلهم المادي”.
تسهم هذه المجموعات في تأمين فرص عمل لسيدات تسعين لتأمين لقمة عيشهن أو مساعدة أزواجهن في تدبير شؤون منازلهن في ظل انخفاض مستوى الدخل الشهري في المنطقة.
ويتراوح دخل موظفي القطاع العام بين 1500 إلى 2100 ليرة تركية، أما عاملو المياومة فيصل دخلهم اليومي، في حال توفر العمل، إلى حدود 100 ليرة تركية، وما يتقاضاه الأهالي شهرياً بالكاد يغطي مصروف أسبوع على الأقل، وهو ما يحول دون قدرتهم على شراء حاجاتهم الأساسية والالتفاف على ظروفهم بتأمينها من مصادر أقل ثمناً.
وتقدّر من تحدثنا معهن من العاملات في مجموعات البيع عبر واتس آب دخلهن الشهري بين 700 إلى 1000 ليرة تركية. ويتوافق هذا العمل مع أسلوب حياة النساء في المنطقة والذي يمنع أحياناً النساء من العمل خارج المنزل، كذلك يوفر عليهن مشقة البحث عن فرص عمل ومتاعب العمل في المياومة، خاصة وأن ما يتوفر من فرص هي أعمال مرهقة مثل العمل في الأراضي الزراعية أو القطاف، وهو ما لا تجيده نساء كثيرات في المنطقة.
تقول أم يوسف، 35 عاماً وأم لخمسة أطفال، صاحبة مجموعة على تطبيق واتس آب “أبيع شهرياً عشرات قطع الألبسة والأواني لزبائني، وتتراوح أرباحي شهرياً بشكل وسطي بين 500 و700 ليرة تركية، مربح كل قطعة بين 10 و15 ليرة تركية”.
تعرض أم يوسف على غرفته في تطبيق واتس آب منتجات جديدة ومتنوعة من ألبسة وآواني وإكسسوارات وكريمات تجميل، تحصل عليها بالتنسيق مع مندوبة رئيسية تتعاون بشكل مباشر مع تجار وأصحاب مستودعات ومحال تجارية مخصصة لبيع الألبسة.
تقول “بدأت عملي في تجارة الألبسة على واتس آب مؤخراً، كونه عمل لا يحتاج إلى رأس مال، وهذه عقبة لا يمكن تجاوزها في المهن الأخرى، وإنما تعتمد على وقت تواصل يومي وتنسيق مستمر بين زبائني ومصدر البضاعة، كما أنه لا يشغلني عن اهتمامي بعائلتي”.
بدأت فكرة شراء الألبسة والأدوات المنزلية عبر واتس آب تلاقي قبولاً بين سكان أرياف حلب، لكنها ما تزال تشكو من عوائق سواء لمالكات المجموعات أو الزبائن الذين يشكون من الاختلاف بين المادة المباعة في الحقيقة وصورتها على المجموعة، إضافة للجودة والمقاس، ويتحمل أصحاب المجموعات عبء بيع المنتج من جديد في حال لم تشتريه الزبونة، خاصة في البضائع الجديدة التي تستقدم من المحلات بعد شرائها ولا يمكن إرجاعها ما يعرضهن للخسارة وكسر ثمنها، كذلك من المشاحنات مع الزبونات حول الأمور التفصيلية.
ورغم سلبيات شراء المنتجات عبر الإنترنت، لكن هذه المجموعات باتت أكثر انتشاراً وذلك لأسباب تتعلق بانخفاض سعرها مقارنة بأسعار المنتجات في المحال التجارية، كذلك عدم الاضطرار للذهاب إلى الأسواق مع ما يرافق ذلك من تكلفة مالية.
على مجموعة أم يوسف يمكن شراء ثياباً جديدة من النوع ذاته في المحلات وبتكلفة أقل بنحو 30 % من سعرها.
تقول أم عبدو، سيدة ثلاثينية من مدينة مارع، إنها اشترت بيجاما لابنتها من المجموعة بسعر 230 ليرة تركية، علماً أنها ذاتها تباع في محل مجاور لها بـ 300 ليرة تركية، الأمر ذاته واجهها في شراء بنطال وكنزة وجاكيت لولديها، وبفارق سعري يتراوح بين 50 إلى 100 ليرة في كل قطعة.
يرجع أصحاب المحلات الفارق السعري لعدم وجود تكاليف إضافية عند بائعات مجموعات واتس آب، كذلك عدم اضطرارهن تخزين البضائع و تجميد رأس المال، أو دفع أجور للمحلات، إذ يتراوح إيجار المحل بين 150 إلى 300 دولار، كذلك الكهرباء والماء وكساد البضاعة وأجرة العمال..
ويقول من تحدثنا مهم من أصحاب المحلات إن هناك نوع من التعاون أيضاً بين أصحاب المحلات وصاحبات المجموعات، إذ يقدمون لهم البضائع لعرضها وبيعها كسوق جديدة يجب عليهم الدخول فيها، إضافة لبيع البضائع الكاسدة أو الزائدة أو تلك التي انتهى موسمها.
يبقى لمس القماش ومعاينته كذلك البضائع الأخرى أكثر قبولاً عند كثر من الأشخاص الذين يفضلون عدم الشراء عبر الإنترنت، يقول أبو محمد الحافظ، 40 عاماً، من مدينة مارع.
ويضيف أن مجموعات واتس آب تعرض أحياناً أشياء بجودة رديئة أو “تكون معيوبة”، وإن التحكم بهذا النوع من الشراء أمر شاق، عكس الأسواق التي تختار منها ما يناسب عائلتك ويفتح الباب، أمام التنوع الكبير، لاختيار أشياء لم تكن في مخططك، إضافة للاستفادة من العروض الموسمية.
دخلت التجارة الإلكترونية في حسابات معظم السكان في العالم، وفي الشمال السوري أصبحت تشكل فرصة عمل ووسيلة للالتفاف على الظروف المالية الضيقة بهدف توفير أي مبلغ مالي لعائلات تعيش في معظمها تحت خط الفقر ما يحول دون قدرتها على الشراء من المحلات التجارية ويدفعها للبحث عن بدائل حتى لو كانت على واتس آب.