عجّل مزارعو حقول الرمان في ريفي سلقين ودركوش غربي إدلب جني موسمهم الذي شارف على الانتهاء قبل أوانه هذا العام، بسبب ارتفاع نسبة تشقق الثمار، التي بلغت نحو الربع، كمعدل وسطي الأمر الذي خفض نسبة الاستفادة والأرباح، إضافة لصعوبة التصريف ما أجبرهم على تخزينه.
جنى أحمد أبو محمد، مزارع من قرية العلاني بريف سلقين، ثمانية أطنان من الرمان من حقله الذي تبلغ مساحته أربعة دونمات. أبو محمد بدأ بجني المحصول قبل نحو 15 يوماً من الموعد المعتاد في السنوات السابقة بسبب تشقق الثمار، بحسب قوله.
ويضيف “أنتج بستاني نحو ثمانية أطنان هذا العام، كانت نسبة الثمار المتشققة نحو طن و800 كيلو جراماً، يضاف إليها 600 كيلو غرام من الرمان الصغير الحجم. لقد أسرعت بقطافه لملاحظتي التشقق الكثير بالثمار، ولو تأخرت بالقطاف قليلاً لزادت نسبة التشقق في الثمر أكثر”.
الزيادة الملحوظة في ثمار الرمان المتشقق تحدث عنها أبو محمد، ويعمل في صناعة دبس الرمان من هذه الثمار، يقول “اشتريت هذا الموسم خلال ثلاثة أيام 13 طناً من مزارعي المنطقة، في حين إنه في العام الماضي لم أشتر إلا 15 طن طيلة 22 يوماً”.
يبدأ موسم الرمان في منتصف شهر تشرين الأول، ويستمر نحو شهر ونصف الشهر ما بين فرز وتخزين، إلا أن هذا الموسم بدأ في نهاية الشهر أيلول، بحسب مزارعين في سلقين ودركوش.
تقديرات الإنتاج وكميات الضرر
يقول مزارعون وتجار تحدثنا معهم، إن الرمان ينتج موسماً ويقل إنتاجه في الموسم الآخر، ويختلف إنتاج الدونم حسب عمر أشجاره، إذ ينتج دونم الأرض الذي يحتوي شجر يقل عمره عن 5 سنوات نحو طن و200 كيلوغرام، أما إذا كان بعمر 10 سنوات، فينتج الدونم نحو 2 طن.
يقدر إنتاج سلقين للرمان في سنة “حمل الرمان” ما بين 5 و6 آلاف طن، وفي سنة “قلة الحمل” ما بين 3 إلى 4 آلاف طن، في حين تنتج دركوش وحدها ما بين 2 إلى 3 آلاف طن في موسم الإنتاج، ومن 1500 إلى 2000 في سنة عدم الحمل، بحسب تقديرات تجار من المنطقة.
اختلف المزارعون في تقدير كميات ونسب الثمار المتشققة، إذا اعتبر بعضهم أنها فاقت نسبة الـ20 بالمئة، كحال مزارعي التلول والعلاني بريف سلقين الغربي، في حين قدّر بعض المزارعين أن نسبة التشقق بلغت 10 بالمئة في بساتين مدينتي سلقين ودركوش، ما يجعل المعدل الوسطي لنسب التشقق نحو 15 بالمئة.
أسباب تشقق الثمار
يعود السبب الرئيس في تشقق الثمار، بحسب مزارعين، إلى عدم انتظام الري والعطش، إذ يحتاج الرمان لسقاية منتظمة، ولا يجب تأخير موعده، لكن ما يحدث حالياً يحول دون إمكانية التحكم بموعد الري.
يقول المزارع محمد الأحمد 49، من قرية العلاني بريف سلقين “نعتمد على مشروع الري الذي تدعمه منظمة تكافل الشام، ويعمل المشروع على 400 لوح طاقة، وخط كهرباء، ولايمكن أن تتحكم بدورك في الري، فقد يتأخر دورك بالري أو يتقدم، ما يجعل انتظام الري صعب جداً”.
يعتمد بعض المزارعين على مشاريع ري شخصية في الأراضي القريبة من نهر العاصي، مثل بعض الأراضي المتاخمة للنهر في دركوش وريف سلقين الغربي، في حين يعتمد كثير من المزارعين على مشاريع ري عامة كمشروع التلول والعلاني وغيرها من المشاريع العامة التي تخدم المزارع بتأمين الري لكنها لا تمكنه من ضبط انتظام مواعيده.
يقول المهندس الزراعي غسان عبود شارحاً تأثير قضية عدم انتظام الري على التشقق: يمر ثمر الرمان بمراحل، إذ يتكون من الزهر ثم يصبح عقداً في فصل الربيع، وتكون نسبة الرطوبة في الأرض جيدة في تلك الفترة. لكن بسبب الجفاف الذي يرافق تكون الثمار يقوم المزارع بري الرمان رياً غير منتظم، ما يحدث خللاً في الحجم، إذ يكبر حب الرمان الصغير داخل الثمرة، أما القشرة فتكون صغيرة وينتج عن ذلك خلل فيزيولوجي بين القشرة وبين الحب يتسبب بشق القشرة وسبب هذا الخلل إما زيادة الري أو نقصه.
العواصف المطرية والمنخفضات الجوية سبب آخر، بحسب مزارعين في المنطقة، لكن المهندس الزراعي حسين محمد ابن منطقة ريف سلقين، يرى أن السبب الأساسي هو مشكلة عدم انتظام الري، ويؤكد على أثر المنخفضات الجوية، ويضيف أن عدم استخدام الأسمدة مثل الآزوت وسماد الفوسفور لها تأثيرات أيضاً، فهناك تقصير في تسميد الحقول أو تسميدها بأسمدة سيئة، ويلفت إلى توقع يحتاج لتحليل يربطه بالزلزال الذي ضرب المنطقة في شباط الفائت، قائلاً: أتوقع أن تركيبة العناصر في المياه ما بعد الزلزال اختلفت، فهناك عناصر قلت وعناصر زادت، ما أثر على فاعلية الامتصاص للأشجار، لقد شاهدنا ملاحظات تدل على ذلك، لكن هذا يحتاج لبحث وتحليل المياه للتأكد، بحسب قوله.
الأنواع والأسعار
ينتج حوض العاصي في إدلب عدة أصناف من الرمان من أهمها، الفرنسي والعصفوري والبلدي، ويتراوح سعر بيع الكيلوغرام الواحد من الرمان غير المتشقق ما بين 6 إلى 9 ليرات تركية، ويباع الرمان المتشقق والصغير بليرة وربع الليرة، بحسب من التقينا بهم من مزارعين.
يحسب لنا المزارع عمر الأسود إنتاجه المالي من دونم واحد، يقول “أنتج الدونم لدي نحو 2 طن من الثمار، 400 كيلو منها ثمار متشققة، و300 كيلو رماناً صغيراً، أي أني بعت 1 طن و300 كيلوغرام بسعر 8 ليرات مايعادل 370 دولاراً، يضاف لها 30 دولاراً ثمن المتشقق والصغير”.
يقف ثمن الرمان المتشقق والصغير عند ليرة وربع الليرة، وهو مبلغ زهيد للغاية، بحسب الأسود، الذي قال “لو نحسب تكاليف الموسم كاملة، قد تساوي إنتاج الدونم، ولكننا ندفعها على دفعات ونقبضها دفعة واحدة”.
الرمان المتشقق والصغير له تصريف وحيد، هو استخدامه محلياً بصناعة دبس الرمان، إذ تشتريه ورش صناعة الدبس، بالرغم من أن أسعاره زهيدة كما ذُكر سابقاً، إلا أرباحه أيضاً زهيدة كما يخبرنا أبو محمد العلاني، الذي يشير إلى أن تكلفة إنتاج كيلو الدبس تبلغ 55 ليرة تركية، ويباع بـ75 ليرة.
يرجع من تحدثنا إليهم تدني الأسعار لمشكلة عدم توفر الأسواق، إذ لا تصرف السوق الداخلية إلا 20 بالمئة من كميات الإنتاج، وذكر لنا مزارعون أن سعر الكيلوغرام منذ أربع سنوات كان نحو دولارين، أي مايقارب خمسة أضعاف السعر الحالي عندما كانت الأسواق متوفرة.
الأسواق الخارجية والتخزين
يعتمد موسم الرمان على سوقي العراق ولبنان، إذ أن السوق الأخير غير متوفر حالياً بسبب توقف المعابر، في حين أن سوق العراق لا يفي بالغرض، بسبب تدني الأسعار فيه مقارنة بالتكاليف التي تترتب على وصول المحصول إلى الأراضي العراقية، حيث تفرض غرامات باهظة قبل الوصول.
يخبرنا التاجر شاكر جبيلي، أحد مصدري الرمان للخارج أن السوق الداخلي يتحمل الحبة الوسطية، وأن سوق لبنان مكلف جداً ومتوقف، في حين أن سوق العراق حالياً فيه رمان مصري، والأسعار الحالية فيه خاسرة بسبب الغرامات، وكان هناك محاولة تصدير لألمانيا لكنها باءت بالفشل.
يقول الجبيلي”يبلغ سعر الثمر لبراد واحد يتسع لـ25 طناً نحو 6000 دولار، ويكلف 6800 دولاراً ما بين أجور وغرامات وجمرك. تبدأ التكاليف بأجر النقل إلى منبج 900 دولاراً، والتخليص الجمركي 400 دولاراً، و400 دولاراً أجور نقل من منبج للقامشلي، وفي القامشلي تخليص سوري وتخليص عراقي بقيمة 1000 دولار، وضريبة وصل واحد في العراق 3750 دولاراً”.
يكلف البراد الواحد ما بين 12 إلى 13 ألف دولار، نصفها غرامات، وسعر مبيعه يقارب الـ 10 آلاف ما يعني خسارة بنحو 2000 دولار.
يقوم التجار بشراء الرمان من الأسواق الداخلية ونقله للمشاغل، إذ يتم فرزه قبل التخزين إلى نوع زهرة ونوع أول ونوع ثان ونوع ثالث. ويخصص صنف الزهرة والأول والثاني للتصدير، أما النوع الثالث لصناعة الدبس، بحسب التاجر غيث العبدو الذي يخزن نحو 300 طن كل عام.
يخزن الرمان في برادات كبيرة لمدة ثلاثة أشهر، إما ببرادات ملك، أو بأجور 45 دولار للطن الواحد. ينتظر التجار هذه المدة حتى تقل الكميات في سوق العراق ويقومون بتصدير المحصول، إذ لايوجد سوى هذا الحل لتصريف الموسم، بحسب من التقيناهم من تجار.
في كل موسم ينتج في الشمال السوري يقف المزارعون والتجار حيرى بطريقة تصريف منتجهم، آملين بإيجاد حلول تفتح الطرق لهم للتصدير بتكاليف أقل دون الاضطرار لدفع رسوم ترهق كاهلهم وتجبرهم على التخلي عن أراضيهم.