استهدفت قوات النظام وحلفائها خلال التصعيد الأخير الذي بدأته في الخامس من تشرين الأول الجاري المنشآت الطبية (مستشفيات ومراكز طبية) في محافظة إدلب، أسفر عن ضحايا وأضرار متفاوتة بنحو 15 منشأة.
وعمدت قوات النظام إلى استهداف المنشآت بقصف ممنهج من راجمات الصواريخ و المدفعية الثقيلة بشكل متعمد، وترافق القصف على المنشآت الطبية باستهداف لأكثر من 60 مدينة وقرية في إدلب، ما يزيد من صعوبة تلقي السكان للعلاج والحدّ من القدرة التشغيلية للمنشآت الطبية.
تتمتع المنشآت الطبية بحماية من نوع خاص بموجب القوانين الدولية، وترقى في حال استهدافها إلى جرائم ضد الحرب و جرائم ضد الإنسانية، وهو ما اتبعته قوات النظام خلال سنوات الحرب السورية بشكل متعمد وذلك باستهدافها مئات المراكز الصحية والمستشفيات بشكل مباشر. ومع كل تصعيد لقوات النظام تتصدر المنشآت الطبية قائمة أهدافه، لمنع المصابين والمرضى من الوصول إلى المستشفيات أو ملاحقتهم إلى هناك واستهدافهم خلال تلقيهم العلاج.
أولى المنشآت الطبية في مدينة إدلب، والتي تعرضت للقصف من قبل قوات النظام، بشكل مباشر، براجمات الصواريخ كان مستشفى إدلب الوطني. سقط أحد الصواريخ داخل بناء المستشفى وأدى إلى مقتل شخص وإصابة آخرين بينهم طبيب، إضافة لأضرار مادية أخرجته مؤقتاً عن الخدمة.
قصف المستشفى الوطني كان وفق النمط التجميعي المتبع من قوات النظام باستهداف عدة مراكز طبية في منطقة جغرافية واحدة، تقع بالقرب من بعضها البعض، إذ طال القصف مراكز طبية في محيط المستشفى الوطني وضمن سوره، مثل بنك الدم ومركز التشخيص، ويتبع الأخير لمنظمة أوسم ويحتوي على أجهزة للتصوير الطبقي المحوري والإيكو والبانوراما والتصوير البسيط.
وطال القصف الطبابة الشرعية ومنظومة الإسعاف المركزية اللتان تشغلان كتلاً طبية في مدخل المستشفى الوطني. وفي منطقة مجاورة له تعرض مركزي الرنين المغناطيسي وغسيل الكلية، وينفرد كل منهما بكتلة بناء مستقلة، للقصف.
على بعد نحو مئة متر من المستشفى الوطني يقع مستشفى إدلب الجامعي الذي تعرض هو الآخر للهجوم، سقط أحد الصواريخ على البوابة الشمالية للمستشفى ما أسفر عن مقتل شخص واحتراق وتضرر سيارات لمراجعين كانت في المكان، كما سقط صاروخ آخر في محيطه من الجهة الغربية، بحسب المكتب الإعلامي لمديرية صحة إدلب.
وتضم الجهة الغربية من مستشفى إدلب الجامعي وعلى بعد أمتار منه كتلة بناء يشغلها مستشفى ابن سينا للأطفال ومستشفى الأمومة اللذان أعلنا عن تعليق العمليات الباردة والعيادات، واقتصار عملهما على الخدمات الإسعافية فقط.
يقول الطبيب ملهم غازي، مدير مديرية المستشفيات في وزارة الصحة بحكومة الإنقاذ، إن القطاع الطبي ما يزال يقدم خدماته رغم التهديد المباشر والاستهداف، وإن حياة السكان هي الهدف الأساسي لعملها.
ويقدّر الطبيب غازي عدد المنشآت الطبية المستهدفة منذ بداية التصعيد الأخير بـ 16 منشأة طبية علاجية وخدمية وتعليمية، منها إضافة للمستشفيات التي ذكرت سابقاً، مستشفى المحافظة، مستشفى الكنانة في دارة عزة بريف حلب الغربي، مركز طبي بسرمين، مستشفى أريحا المركزي، كلية طب الأسنان، كلية الطب البيطري، دار الإحسان لرعاية الأيتام.
تعرضت كل من كلية طب الأسنان والطب البيطري في مدينة إدلب لقذيفة صاروخية لكل واحدة، سقطت إحداهما أمام كلية طب الأسنان، وأخرى في ساحة كلية الطب البيطري. ونوه الطبيب غازي إلى وجود نقص في الأدوية الإسعافية تحاول المديرية ترميمه مع الشركاء حالياً.
إلى الشرق من محافظة إدلب تعرض مركز سرمين الصحي لقذائف مدفعية أوقفت عمله، يقول محمد فاضل مدير المركز إن “قذيفة مدفعية أصابت يوم السبت الفائت بشكل مباشر سور المركز الخارجي، وتسببت بأضرار في بنائه ما أدى إلى توقفه عن العمل بشكل مؤقت”.
ويضيف فاضل أن مركز سرمين هو المركز الوحيد في المنطقة، ويخدم السكان في مدن وبلدات (سرمين -النيرب -قميناس -آفس -معارة عليا -مجارز ) إضافة لمخيم الإسكان، وأن المركز يحتاج لإعادة صيانة وتجهيز لاستئناف خدماته.
كذلك تعرض قسم الإسعاف والتوليد التابع لمركز سرمين والمستقل عنه ببناء آخر، للقصف بقذائف مدفعية، يوم الأحد الفائت، تسببت بأضرار جزئية في قسم التوليد ما أدى لتوقف عمليات التوليد وخدمات النسائية، في حين استمرت خدمات قسم الإسعاف لضرورة الموقف،على حدّ قول الفاضل.
يتحمل القطاع الطبي عبء الاستجابة لحالات الإسعاف الناجمة عن تكثيف قصف قوات النظام للمدنيين في إدلب بالآونة الأخيرة،، إذ وصلت حصيلة قتلى القصف الأخير، في الفترة الممتدة من 4 إلى 10 تشرين الأول إلى 46 مدنياً، من بينهم 9 نساء و13 طفلاً، وإصابة 213 مدنياً، بحسب آخر إحصائية للدفاع المدني يوم أمس.
ووثق منسقو استجابة سوريا منذ بداية التصعيد استهداف المنطقة بأكثر من 198 مرة، قصفت أكثر من 61 مدينة وقرية، مع أكثر من 35 غارة جوية للطائرة الحربية الروسية، كما استخدمت الأسلحة المحرمة دولياً حوالي 6 مرات في أرياف حلب وإدلب، واستهدفت أكثر من 51 منشأة مدنية بشكل مباشر أو ضمن محيط المنشأة، كان من بينها 11 مدرسة، و 7 مخيمات و 15 منشأة طبية.
تقول ديما معراوي مديرة المناصرة والتواصل في منظمة سامز الداعمة ، “علقنا العمل في 4 مراكز صحية تابعة للمنظمة، بسبب الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها المنشآت الطبية، وتركز نشاطنا الطبي على تقديم الخدمات الإسعافية في بقية المراكز الطبية التي تدعمها سامز”.
المراكز التي علقت عملها هي “مركز سرمين الصحي، مركز ترمانين للعلاج الفيزيائي، مركز الأبزمو الصحي، ومدرسة التمريض في الأتارب التي تعطي دروس نظرية وعملية للممرضين”، وجميعها تقع في مناطق تعرضت للقصف الكثيف خلال الأيام الماضية.
ترى المعراوي أن نتائج تعليق عمل المراكز أثر بشكل مباشر على وصول المرضى وتقديم الخدمات الصحية وتلقي العلاج، تقول: “ذلك يعني حرمان 9 آلاف مريض من الخدمة منذ بدء تعليق العمل في المنشآت الصحية حتى اليوم، إن الأثر الإنساني للهجمات على المدنيين والبنية التحتية أكبر من مجرد أرقام الضحايا والمهجرين، نحتاج إلى المساعدة الإنسانية الفورية للسكان المتضررين من الهجمات لتخفيف الضرر عنهم.”
تقدم المنشآت الطبية خدماتها لأكثر من أربعة ملايين شخص يعيشون في محافظة إدلب وريف حلب الغربي، وتسبب القصف بتعليق عمل أجزاء منها، إذ عممت مديرية الصحة على المنشآت الصحية وخاصة الموجودة في المناطق المستهدفة، أن تعمل بخطة الطوارئ وتوقف استقبال الحالات الباردة وتركز الجهد على الخدمات الإسعافية.
خطة الطوارئ بحسب مديرية الصحة عملت على تجهيز أقسام الإسعاف وغرف العمليات والعنايات في المشافي والمنشآت والمراكز الصحية، بغاية استقبال الحالات التي تأتي بسبب القصف الذي طال المنطقة، وتجنباً لعمليات الازدحام حرصاً على سلامة المدنيين والكوادر.