فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

التعليم في عفرين.. طلاب في انتظار ترميم المدارس

فداء الصالح

دخلت المدارس الخاصة و زادت المدارس غير النظامية في منطقة عفرين خلال العام الحالي، وسط مخاوف أهالي الطلبة من تراجع مستوى أبنائهم التعليمي خاصة مع تأخر وصول حتى الكتب المدرسية.

تأجّل، حتى الآن، افتتاح العام الدراسي في عشرات مدارس منطقة عفرين شمالي حلب، والذي بدأ في المدارس المتبقية في العاشر من أيلول الماضي، لترميم المدارس سواء التي تضررت بالزلزال أو تلك التي تحتاج إلى إصلاحات.

ومع مرور أكثر من شهر على بداية العام الدراسي ما يزال آلاف الطلبة خارج مقاعد الدراسة، في مديريات التربية الخمس في المنطقة، عفرين وجنديرس وراجو وشيخ الحديد وبلبل، التابعة لوزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة شكلياً، ولتربية هاتاي التركية في الحقيقة.

يقول عيسى ساركين، منسق العملية التعليمية التركي، إن 41 مدرسة تحتاج للترميم، وإن أضرار هذه المدارس لم ترتبط بآثار زلزال السادس من شباط فقط، إذ أن معظم مدارس المنطقة لم ترمم منذ ما يزيد عن خمسة عشر عاماً.

وأضاف ساركين أن العمل ما يزال جارياً على ترميم 37 مدرسة في عموم عفرين، بدعم من منظمات إنسانية، توقفت العملية التعليمية في معظمها جزئياً بعد انطلاقة العام الدراسي، وتوقفت كلياً في خمس مدارس تابعة لمديرية التربية في مدينة عفرين لحين انتهاء الترميم، وتم بناء 12 مدرسة جديدة لتخفيف ضغط الطلاب في الشعب الصفية.

مكاتب التعليم في المجالس المحلية الخمسة أعلنت عن افتتاح المدارس الجديدة بدعم من منظمات إنسانية عاملة في المنطقة، ومنها على سبيل المثال في جنديرس  مدرسة الخدمات الخيرية بدعم من منظمة خير خدمة ومدرسة الفيحاء بدعم من جمعية شمس الأمل الإنسانية، وفي راجو مدرسة عمر بن عبد العزيز بدعم من منظمة سيلاني الباكستانية.

وكانت مدارس منطقة عفرين، بحسب تقرير لوحدة منسقو الدعم أصدرته في نيسان 2023، قد توزّعت إلى مدارس نظامية بنسبة 63%، ومدارس ريفية بنسبة 36%، وهي المدارس التي لا تحتوي على بناء مدرسي نظامي وتكون عبارة عن غرف تستهدف المرحلة التعليمية الأولى وقد تضم أكثر من شعبة صفية في غرفة واحدة.

تسبب الزلزال والترميم بهدم عدد من المدارس، وأضاف نوعاً آخر من المدارس وهي عبارة عن خيام أو كرفانات توزعت في المخيمات التي نزح إليها السكان، إضافة للمدارس الخاصة التي سمح بافتتاحها في العام الدراسي الحالي، كذلك المعاهد الخاصة التي زادت أعدادها.

وتمنح رخص افتتاح المدارس الخاصة والمعاهد من قبل مديرية تربية غصن الزيتون ضمن شروط محددة ترتبط بمساحة المدرسة وعدد القاعات الصفية وعدد الطلاب في كل قاعة وأمور أخرى مرتبطة بالتجهيزات اللوجستية.

مدينة جنديرس الأكثر تضرراً من الزلزال الذي أسفر عن تهدّم مدرسة خالد بن الوليد، كانت تضم 4000 طالباً وطالبة، ما دفع مديرية التربية لإنشاء مدرستين جديدتين فيها تحتويان على 35 غرفة صفية، لكنهما لم تسوعبا الأعداد الكبيرة المنقولة إليهما ما اضطر المديرية لافتتاح عشرين مركزاً تعليمياً للمرحلة الابتدائية في مخيمات منتشرة في محيط جنديرس في محاولة لاستيعاب الطلاب بحسب نائب مدير تربية جنديرس حمدي عبيد.

ومثلت مدارس عفرين في السابق النسبة الأعلى من حيث الشعور بالأمان في مدارس شمال غربي سوريا، إذ قدّرت وحدة تنسيق الدعم وفق استبيانات أجرتها أن 90% من الطلاب في هذه المدارس يشعرون بالأمان، لكنها سجلت نسبة عالية من الاكتظاظ في الطلبة الذين بلغ عددهم أكثر من 67 ألف طالباً وطالبة، وبلغت نسبة الاكتظاظ الشديد في 44% من المدارس، 22 مكتظة بشكل أقل، 34% من المدارس يتناسب فيها عدد الطلبة مع الغرف الصفية.

ومثل غيرها من مدارس شمال غربي سوريا افتقرت 94% من المدارس لمكتبات، و 97% لقاعات حاسوب، لكن أكثر من 88% من الغرف الصفية تحتوي على مقاعد سليمة ونحو 75% تحتوي على نوافذ وأبواب وتتوفر المياه في 98% منها، كذلك دورات المياه المجهزة في 85% من المدارس.

لا توجد إحصائية دقيقة بعدد الطلاب في العام الدراسي الحالي بعد شهر ونصف الشهر من بدء العام الدراسي، ويعزو مدير مكتب التعليم في جنديرس رياض الجاسم السبب إلى المدارس التي لم تفتح أبوابها بعد وكذلك عدم استقرار العائلات المتضررة من الزلزال حتى اللحظة ودوام أبنائها في المدارس بشكل متقطع.

وتحدث تقرير وحدة تنسيق الدعم عن تسرب دراسي كبير في منطقة عفرين قدره بـ 63% من الأطفال بين سن 6 و 18 عاماً. وتوقع من تحدثنا معهم زيادة في أعداد المتسربين لأسباب منها تفاوت ردات فعل الطلاب مع انطلاق العام الدراسي بين خائف من الأبنية الاسمنتية وبين الطلاب غير الراغبين بالالتحاق بالخيام التدريسية ضمن مراكز التعليم المنشأة في المخيمات المحيطة بجنديرس.

يقول حسين المحمد إنه راجع مديرية تربية جنديرس طالباً نقل ابنتيه من مركز تعليمي في مخيم غرب جنديرس إلى مدرسة يوسف العظمة الابتدائية الوحيدة في جنديرس بعد إزالة مدرسة خالد بن الوليد، لكن طلب نقلهم قوبل بالرفض من قبل التربية بحجة الاكتظاظ. ويضيف المحمد “ترفض ابنتي جو التعليم في الخيمة، هما ترفضان الآن الذهاب إلى المدرسة رغم محاولات الإقناع الكثيرة”.

على عكس طفلتي المحمد، واجه سامح الخالد صعوبة بإقناع طفله علي، في الصف السادس الابتدائي، بالالتحاق بمدرسة الفيحاء الجديدة المخصصة للمرحلة الإعدادية جراء خوفه من الأبنية نتيجة تعرضه لإصابة أثناء الزلزال، يقول: “يرفض علي الدوام أغلب الأحيان رغم تقديم تطمينات مستمرة له على أن البناء جديد كلياً وآمن”.

ترك معاوية العاتقي مقاعد الدراسة ليلتحق بعمل في أحد المطاعم رغم محاولات والده إعادته، معاوية طالب في الصف الثالث الثانوي يقول “لم أعد أقدر على دخول المدرسة بعد الزلزال، فقدت معظم رفاقي، أجدهم دائماً أمامي”.

الانقطاع عن التعليم سبب آخر في تسرب الطلاب من المدارس، إذ شهدت السنوات الماضية بين وباء كورونا والزلزال انقطاعاً للطلاب و لأشهر طويلة عن مقاعد الدراسة، وهو ما ترك أثره على تحصيلهم العلمي أو تركهم المدرسة نهائياً.

وكانت منظمات إنسانية قد دعمت العملية التعليمية بعد شهرين ونصف الشهر من الزلزال بما أطلقت عليه التعليم التعويضي ، والذي تضمن برنامجاً للصحة النفسية وأنشطة ترفيهية ودروس تقوية للمواد الأساسية عبر برنامج تعليم علاجي للمستويات الضعيفة، بحسب نائب مدير تربية جنديرس حمدي عبيد.

وأضاف عبيد أن مديرية التربية اعتمدت على التعليم التعويضي المقدم من قبل المنظمات العاملة في مجال التعليم وذلك لضيق المدارس والضغط الطلابي الكبير، إذ أنه في السنوات الماضية، بداية من جائحة كورونا وانتهاء بزلزال شباط الفائت، توقفت العملية التعليم فترات زمنية طويلة نسبية بشكل متقطع ما أدى الى تعاظم الفجوة التعليمية لدى الطلاب خاصة في سنوات الدراسة الأولى.

وكانت منظمة أورانج قد أطلقت مشروعاً وقتياً في مخيمات جنديرس وقراها ضمن 29 مركزاً تعليمياً تختص بالحماية والتعليم بواقع 7000 آلاف طالب مستفيد من المشروع و930 موظفاً غالبيتهم مدرسين عينتهم تربية جنديرس، بحسب رعد عبيد أحد منسقي مشروع التعليم في منظمة أورانج.

وتعمل منظمة أورانج ضمن مراكز تعليم تعويضي أنشأتها سواء في المخيمات أو ساحات المدارس بينما تعمل منظمة سداد ضمن أبنية المدارس، ويداوم الطلاب في التعليم التعويضي ثلاث ساعات يومياً يعاكس توقيتها توقيت دوامهم في مدارسهم النظامية، بكوادر تدريسية مؤلفة من المعلمين العاملين في تربية عفرين وجنديرس.

المعلمون وواقعهم مشكلة أخرى تضاف إلى مشكلات التعليم في منطقة عفرين، وشمال سوريا بالكامل، إذ شهدت مديريات التربية استقالات واحتجاجات من المعلمين أملاً في تحسين رواتبهم التي لا تتناسب مع تأمين احتياجاتهم الأساسية.

وتحدث تقرير منسقو الدعم أن 100% من المعلمين في منطقة عفرين والبالغ عددهم نحو 1055 معلماً و 986 معلمة، أجابوا بعدم التناسب بين ما يتقاضونه من رواتب وبين متطلبات الحياة الأساسية.

ورغم أن  آخر زيادة  لرواتب المعلمين، نهاية عام 2022، قد بلغت 75%، لترتفع إلى 1925 ليرة تركية، لكنها ونتيجة تراجع قيمة الليرة التركية، العملة التي يتقاضى بها المعلمون رواتبهم من وقف المعارف التركية، لم تعد تشكل أكثر من 70 دولاراً شهرياً، علماً أن متوسط إيجارات المنازل يزيد عن 50 دولاراً، وثمن أسطوانة الغاز يزيد عن 400 ليرة تركية (18 دولاراً)، أما الخبز فيقضم نصف راتب أي معلم في المنطقة.

“كأنك يا أبو زيد ما غزيت”، عبارة بدأ بها مقداد العوض (اسم مستعار) كلامه عن الراتب وتابع قائلاً: في بداية كل عام تعود شائعات زيادة الراتب، وبعد كل زيادة حال حدوثها لا يمضي عام إلا وتعود لما كانت عليه قبل الزيادة مع تضخم الأسعار الناتج عن انخفاض قيمة الليرة التركية.

وتقول منى، مدرسة في عفرين، إنها استقالت من التعليم لتبحث عن أي عمل آخر تستطيع من خلاله إعالة أسرتها، إذ لا يمكن على حد قولها “العيش بهذا الراتب مستحيل، هو لا يؤمن وجبة طعام واحدة لأطفالي”.

معلمو عفرين وجدوا شيئاً من الراحة المالية من خلال برنامج التعليم التعويضي، وهو ما قلل نسبة المدرسين المستقيلين من مديريات التربية، وزاد الإقبال على المسابقات التي تطرحها مديريات التربية لتعيين المدرسين.

يقول من تحدثنا معهم أن رواتب التعليم التعويضي ضعف راتب التعليم الأساسي، إذ يتقاضى المعلمون في مشروع أورانج زيادة على راتبهم 4000 ليرة تركية، فيما يحصل المعلمون في منظمة سداد على 3000 آلاف ليرة تركية.

يقول المعلم العوض: “لولا رواتب التعليم التعويضي هذا العام كان وضع المدرسين يرثى له، وهو أصلاً لا يكفي ثلاثة أيام في الشهر، وعند السؤال عن الزيادة فلا التربية ولا المنسقين الأتراك يعلمون عنها شيء”.

الكتب المدرسية تزيد طين مدارس عفرين بلّة، إذ ينتظر آلاف الطلبة استلام كتبهم بعد إعادة طباعتها التي تتكفل بـ 98% منها وزارة التربية في الحكومة المؤقتة بينما تقدم منظمات دولية 2% من الكتب.

وتتشابه المناهج التعليمية في عفرين عنها في المناطق الأخرى وفي مناطق النظام السوري بعد تعديلها، وإن ما يجري الآن ليس تغييراً للمناهج بل تجديد للكتب المدرسية، بحسب رضوان الأحمد مدير تربية جنديرس رضوان الأحمد.

برصد المناهج في عفرين نجد وجود ثلاثة كتب للتربية الدينية وكتابان للغة التركية، ومثلهما للرياضيات، وكتاب واحد لكل من اللغة العربية والكردية والاجتماعيات (من الصف الأول حتى السادس بنسخة جديدة تم إعدادها بالكامل في تركيا) واللغة الانجليزية.

تقول منيرة، أم لثلاثة أطفال في عفرين، إن تعليم طفل أربع لغات أمر لا يصدق (العربية والتركية والإنجليزية و الكردية) خاصة مع عدم معرفة كثير من الأهالي للغتين التركية والكردية، و تدني مستوى مدرسي هاتين المادتين.

وترى عفاف، مدرسة في جنديرس، وأهالي كثر أن وضع التعليم في المدارس يتراجع في كل عام لعدة أسباب ذكرت منها: الأوضاع المعيشية القاسية ما يجعل الأهالي يهملون تعليم أبنائهم وتوجيههم نحو سوق العمل، استقالة معلمين حال تأمين فرصة عمل أفضل ما يفسح المجال أمام تعيين مدرسين دون المستوى المطلوب

بالإضافة الى الاتجاه نحو خصخصة التعليم بعد السماح بافتتاح المعاهد الخاصة العام الماضي والمدارس الخاصة هذا العام ما جعل معلمون كثر يركزون جهودهم ضمن تلك المعاهد أو المدارس الخاصة على حساب التعليم في المدارس العامة، عدم دراسة احتياجات الطلاب وتوافق المناهج التعليمية مع قدراتهم، خاصة فيما يتعلق باللغات التي يلزم بها الطالب، قلة الوسائل التعليمية أو انعدامها ما يصعب عملية التعليم على المدرس والطالب في آن معاً، وأخيراً الجدوى والمصير المجهول للشهادات التعليمية في المنطقة.

تغيّرت مفاهيم التعليم في الشمال السوري، إذ باتت المدارس مكملاً للعملية التعليمية بدلاً من كونها أساساً لها، إذ يتجه من يملك القدرة إلى المدارس الخاصة حتى لو كان على حساب قوت يومهم، يوضح ذلك زيادة أعدادها في العامين الدراسيين الماضيين، أو المعاهد الخاصة، أما من لم يحالفه الحظ فيتجه إلى سوق العمل حيث تندر وجود فرصة، ولنا أن نقدر مصيره المجهول