نقل عدد من الأهالي في محافظة إدلب، منذ بدء العام الدراسي الحالي، أضابير أبنائهم إلى المدارس الخاصة بالرغم من وضعهم المادي السيء، وارتفاع الأقساط الشهرية لتلك المدارس، بسبب تراجع مستوى التعليم وغياب المعلمين في المدارس الحكومية.
ويمثل التعليم الابتدائي العدد الأكبر من الطلاب الملتحقين بالمدارس الخاصة، تليها المدارس الإعدادية فالثانوية تبعاً لعدد الطلاب والمدارس المهيئة لكل مرحلة تعليمية.
عمار الخطيب أب لثلاثة أطفال، يقطن أحد مخيمات دير حسان، اتخذ قراره هذا العام بنقل أبنائه الثلاثة إلى إحدى المدارس الخاصة في مدينة الدانا، بسبب تراجع مستواهم التعليمي في مدرسة المخيم الذي يقيمون فيه، الذي يرجعه الخطيب إلى تدني مستوى الاهتمام في المدرسة بشكل عام.
يعمل الخطيب ببيع الأدوات المنزلية بمدخول شهري لا يتجاوز 100 دولار، وهو مبلغ غير كافٍ لسد أقساط أبنائه الشهرية في المدرسة الجديدة. يعتمد في مصروفه الشهري على البطاقة النقدية التي تقدمها إحدى المنظمات الإنسانية ضمن المخيم الذي يسكنه، إضافة لمساعدة إخوته المقيمين في الخارج في بعض الأحيان.
يقول الخطيب اضطررت للاستغناء عن كثير من الكماليات، وحتى بعض الضروريات، ليحصل أطفالي على تعليم جيد، بعد أن لاحظت تراجعاً في مستواهم التعليمي خلال العامين الماضيين”.
خيار الانتقال إلى المدارس الخاصة ليس متاحاً للجميع، لاسيما أن الرسوم الشهرية لكل طالب تفوق القدرة المادية لغالبية الأهالي الذين يعاني معظمهم من الفقر والحاجة، عدا عن مصاريف أخرى تتعلق باللباس والقرطاسية وشراء الكتب المدرسية والمواصلات، فجميعها مستلزمات تقع على عاتق ذوي الطالب ضمن تلك المدارس.
“عمر” أربعيني مهجر من ريف إدلب الجنوبي اضطر لإلحاق أحد أبنائه بمدرسة “المعرفة” الخاصة، بالقرب من مدينة الدانا بريف إدلب، بقسط شهري قدره 40 دولاراً، بينما اضطر لترك اثنين من أبنائه ضمن مدرسة المخيم لعدم قدرته مالياً على نقلهما، يقول عمر: اضطررت لنقل ابني أحمد لمدرسة خاصة لأنه مقبل على نيل الشهادة الثانوية وهي مرحلة مفصلية، وتركت أخويه في مدرسة المخيم بالرغم من سوء الخدمة التدريسية فيها. لو كانت لدي قدرة مادية لسجّلتهم جميعاً في المدرسة الخاصة، لأن معظم المدارس العامة “فرطت”.
تتراوح قيمة الأقساط في المدارس الخاصة ما بين 200 إلى 500 دولار للطالب الواحد خلال العام الدراسي، ويرجع مدى الفارق لما تقدمه كل مدرسة لطلابها، سواء على الصعيد الخدمي داخل المدرسة والنشاطات الدورية التي تجريها بما فيها حفلات التكريم الأسبوعية، والمنهاج المقدم، والذي غالباً ما يتضمن مواد زائدة عن منهاج المدارس العامة.
تقول المدرسة ميادة جواد مديرة مدرسة “عبقري” الخاصة في مدينة الدانا: إن الأقساط الشهرية تتراوح بين 30 و35 دولاراً للطالب الواحد، وقد عملنا على إدراج مجموعة من المواد الإثرائية للطلاب بما فيها مادة الخط العربي والحساب الذهني والحاسوب ودروس الدعم النفسي، بالإضافة لمجموعة مواد تتعلق بالقوة البدنية للطالب مثل الكاراتيه والجودو والسباحة وركوب الخيل خلال فترة النوادي الصيفية.
وعن التقنيات المستخدمة في المدرسة تقول المدرسة جواد “نستخدم شاشات لمس وبرمجيات حديثة وأجهزة إسقاط، بالإضافة لأنشطة أسبوعية وشهرية، يضاف إلى ذلك التواصل المستمر مع الأهل لتدعيم الحركة التعليمية للطالب”.
يبلغ عدد المدارس الخاصة المرخصة في مديرية التعليم التابعة لحكومة الإنقاذ حوالي 450 مدرسة، وبحسب مدير التربية والتعليم أحمد الحسن فإن المدارس الخاصة تعمل تحت إشراف مديرية التربية و بترخيص منها، وتخضع للرقابة من خلال المعايير والتعيينات للمعلمين والمناهج وأوقات الامتحانات.
بالرغم من إيجابية المدارس الخاصة المتعلقة بجودة التعليم والأنشطة الترفيهية خلال فترات الدراسة، لكن مجموعة من العوائق تلاحق الطلاب الملتحقين بتلك المدارس الخاصة يأتي في مقدمتها غلاء الأقساط الشهرية، وتمركز معظم تلك المدارس في مراكز المدن أو بالقرب منها، ما يجبر الأهالي على دفع رسوم مواصلات شهرية.
فاضل أبو عمر مدير مدرسة بنباش الخاصة في قرية البردغلي بريف إدلب، يقول: هنالك العديد من الصعوبات التي تواجه المنتسبين للمدارس الخاصة منها متعلقة بتأمين الكتب لا سيما أن تأمينها في المدارس الخاصة يقع على عاتق الطالب، إضافة للمبالغ المالية التي يدفعها الأهالي مقابل المواصلات، وتصل لقرابة 10 دولارات شهرياً. يضيف “أبو عمر” لجأنا أخيراً إلى طباعة الكتب بشكل مطابق للمنهاج المعتمد من قبل وزارة التربية وقمنا ببيعها للطلاب بسعر التكلفة فقط”.
هناك عائلات أخرى لا تستطيع تحمّل هذه التبعات، لذا اضطرت للقبول بالواقع التعليمي الموجود في المدارس العامة، أو الامتناع عن إرسال أبنائها لها وإلحاقهم بسوق العمل. محمد دندوش، واحد من هؤلاء، اتخذ قراره بتوقيف ولديه عن الدراسة وإلحاقهم بإحدى ورش التمديدات الصحية والكهربائية.
يقول الدندوش: انتقل ولداي إلى صف أعلى بأدنى العلامات في العام الماضي، أما هذا العام فرسبا “لم يعد هناك تدريس نظامي في المدارس العامة، ولا قدرة لدي على إلحاقهما بالمدارس الخاصة”.
يواجه قطاع التعليم العام في الشمال السوري مشكلات عدة يأتي في مقدمتها قلّة دعم القطاع، والبنية التحتية المتواضعة لغالبية المدارس لا سيما تلك الموجودة في المخيمات أو غيابها بشكل كامل، وهو ما فرض على كثير من الأهالي الاتجاه نحو المدارس الخاصة بالرغم من الوضع المادي السيئ لمعظم قاطني المخيمات. يضاف إليها الكثافة العددية في الصفوف المدرسية واقتصار غالبية المدارس في المخيمات على مراحل تعليمية محددة.
وبحسب دراسة أجراها فريق “وحدة إدارة المعلومات” (IMU) “التابع لوحدة تنسيق الدعم” فإن %22 من مدارس المخيمات التي شملها التقييم تدرس الحلقة الأولى فقط من مرحلة التعليم الأساسي، 70% تدرس الحلقتين الأولى والثانية من مرحلة التعليم الأساسي و4% تدرس كافة المراحل الدراسية (حلقتي التعليم الأساسي الأولى والثانية بالإضافة للتعليم الثانوي).
وقدّر “فريق منسقو استجابة سوريا” في تقرير له عدد الأطفال المتسربين من التعليم في مناطق شمال غرب سوريا فقط بـ318 ألف طفل. الفريق استعرض في تقريره أن 85% من الأطفال المتسربين، يعملون في مهن مختلفة، بعضها خطرة، وأرجع الأسباب وراء اتساع ظاهرة التسرب المدرسي، إلى قلة عدد المدارس مقارنة بالكثافة السكانية والاتجاه نحو التعليم الخاص المكلف، والأوضاع الاقتصادية الصعبة.
إضافة الى ما سبق استمرار موجات النزوح والتهجير، مع اعتبار التعليم قطاعا مُهمشاً من قبل المنظمات الإنسانية المحلية والدولية وغياب الدعم الكافي لهذا القطاع. يضاف لتلك الأسباب الانقطاع المتواتر لبعض المواد التدريسية نتيجة غياب بعض المعلمين وهجرتهم باتجاه التعليم الخاص أو وظائف أُخرى بسبب انخفاض رواتبهم، بحسب التقرير ذاته.
المدرس محمود الأحمد، اضطر للتدريس في إحدى المدارس الخاصة العام الماضي بعد تردي وضعه المادي. يقول الأحمد: “الخيار كان صعباً، حاولنا ألا ننقطع عن تعليم الطلاب إلا أن دخلنا الشهري لا يكفي لسد الاحتياجات المعيشية الأساسية، وهو ما دفعني للجوء إلى التعليم الخاص المأجور”.
بلغ عدد المدرّسين في المخيمات التي شملتها الدراسة السابقة التي أجراها فريق وحدة تنسيق الدعم 3,091 مُدرّساً ومدرسة وأظهرت نتائج الدراسة أن 90% من المدرّسين في مدارس المخيمات التي شملها التقييم تقاضوا رواتب من مصادر متعددة خلال العام الدراسي الماضي، و10% لم يتقاضوا رواتب.
وتظهر نتيجة الدراسة أن 49% من المدرسين تدفع رواتبهم التربية الحرة، و41% تدفع رواتبهم المنظمات الإنسانية المحلية، و6% تدفع رواتبهم منظمات دولية، و4% يدفع رواتبهم وقف المعارف التركية. ومن خلال استطلاعات رأي أجراها فريق الباحثين مع 236 مدرساً، تبيّن أن 98% من المدرسين رأوا أن الرواتب لا تتناسب مع متطلبات الحياة اليومية.
يبلغ عدد المدارس المتواجدة في القطاع العام نحو 950 مدرسة تابعة لوزارة التربية في حكومة الإنقاذ، موزعة على سبع مجمعات تربوية، هي، ترمانين وجسر الشغور وسلقين وأريحا وإدلب المدينة ومعرة مصرين وقاح، وتشمل الحلقات الأولى والثانية والثالثة وتضم حوالي 213 ألف طالب، ويبلغ عدد كوادرها، معلمين وإداريين، حوالي 12500 شخص.
تضم هذه المدارس الحلقة الأولى الصفوف من الأول حتى الرابع الابتدائي، وهي حلقة ممولة من “مناهل”، وهي منحة مالية مُقدمة في غالبيتها من الاتحاد الأوروبي لدعم التعليم. أما الحلقتان الثانية والثالثة، فتشمل الصفوف من الخامس حتى البكالوريا، وهي ممولة من منظمات تُعنى بقطاع التعليم، مثل بنفسج وإحسان و”بيبول إن نيد”، ولكن هذا الدعم غير منتظم، ويُغطي فقط 50% من مصاريف العام الدراسي.
يقول مدير التربية والتعليم أحمد الحسن: لا توجد مدارس غير مدعومة، إنما يوجد نقص في الدعم المادي ونقص في دعم المدارس بموجب المشاريع التعليمية القائمة والمرشحة. ويضيف أن الخطط المقدمة لتعويض النقص تجري من خلال تنظيم مؤتمرات مناصرة مع منصات ومنظمات لزيادة التخصيص المالي لقطاع التعليم، وتخصيص اعتماد مالي للمدرسين غير المشمولين بالمشاريع التعليمية.
ومن خلال مقارنة بين ثلاثة مدارس موجودة في المخيمات وتنتمي إلى القطاع العام يقابلها ثلاثة مدارس تعمل ضمن القطاع الخاص، تضمنت مقارنة المنهاج المتبع في كلا القطاعين بالإضافة لمتوسط عدد الطلاب في كل شعبة صفية، ورواتب المعلمين تفوقت المدارس الخاصة من حيث المنهاج الذي يتم تدريسه، فبالإضافة للمنهاج المقرر من قبل وزارة التربية هناك مواد تضاف لقائمة المنهاج المعطى للتلاميذ في بعض المدارس الخاصة، مثل الحاسوب واللغة الفرنسية والتركية ودروس الحساب الذهني.
ومن حيث عدد الطلاب فقد تراوح عدد الطلاب ضمن الشعب الصفية في المدارس الخاصة بين الـ 12 طالباً وحتى 27 طالباً في الشعبة الواحدة، في حين يرتفع العدد ضمن المدارس العامة إلى ما بين الـ 40 والـ 50 طالباً ضمن الشعبة الواحدة.
أما عن الدخل المادي الذي يتقاضاه المعلمون ضمن القطاعين فتتراوح رواتب المعلمين ضمن المدارس العامة المدعومة من التربية فقط، ما بين 100 دولار و120 دولاراً، ويرتفع الرقم إلى 150 دولاراً في المدارس المدعومة من قبل المنظمات، في حين تتجاوز رواتب المعلمين ضمن المدارس الخاصة الـ 150 دولاراً.
يضاف لتلك الفروقات بين المدارس العامة والخاصة، غياب بعض المعلمين المختصين. يقول عبد الستار طلعت المشرف التعليمي في مدرسة “فاطمة بنت محمد” في مخيم الهدى: مع بداية العام الدراسي كان هناك بعض المواد تفتقر لمعلمين مختصين، فقمنا برفع طلب إلى مديرية التربية لتغطية النقص، حيث تم تغطية معظم الشواغر حتى الآن باستثناء مادة الرياضيات.
كل هذه الفروقات كانت سبباً في عزوف الأهالي عن تسجيل أبنائهم في المدارس العامة أو سحبهم منها، والمحظوظ منهم من استطاع إلحاقهم بمدرسة خاصة، لكن عائلات أخرى فاضلت بين الأبناء وأرسلت عدداً منهم لتلك الخاصة، بينما أخرى أبعدتهم عن التعليم بشكل نهائي لعدم وجود فائدة ترجى من إبقاء هؤلاء الأطفال في تلك المدارس، على حدّ قولهم، ما يستدعي دعم القطاع التعليمي وحلّ مشكلاتهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.