فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الأطفال غير المصحوبين والمنفصلين.. بين ألم الفقدان والمستقبل الغامض

فراس محمد

توزّع الأطفال غير المصحوبين أو المنفصلين بين أقاربهم أو في مراكز لرعاية الأيتام، ترافقهم رحلة علاج جسدية ونفسية قد تطول أملاً في استقرار حياتهم من جديد

فقدت ياسمين الشحود، والديها وثلاثة من أخوتها إثر زلزال السادس من شباط، وتسكن اليوم في مركز لرعاية الأيتام في إدلب.

الطفلة ذات الثلاثة عشر عاماً كانت الناجية الوحيدة من عائلتها التي كانت تسكن بلدة أرمناز في ريف إدلب، نجت مصحوبة بإصابة في أطرافها السفلية وكسور إضافة لمتلازمة الهرس وآلام لا توصف على حدّ قولها، قبل أن تبدأ رحلة العلاج التي وصفتها بالطويلة “أطلع من عملية وأدخل بعملية”.

ياسمين طفلة من آلاف الأطفال المصابين الذين نجوا من زلزال أودى بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان بحياة 2267 طفلاً، ومثلهم أو يزيد عنهم من الرجال والنساء، وهجّر ما يزيد عن 300 ألف شخص من منازلهم، بحسب إحصائية منسقو الاستجابة في سوريا.

الأطفال المنفصلون، و هم، بحسب القانون والعرف، “الأطفال الذين افترقوا عن أبويهم أو عن غيرهما من الرعاة وليس بالضرورة أن يكونوا قد افترقوا عن أقاربهم الآخرين” وغير المصحوبين، و هم “الأطفال الذين افترقوا عن والديهم وجميع أقاربهم الآخرين ولا يتلقون الرعاية من أي أحد مسؤول عنهم”، توزّعوا بين مراكز رعاية الأيتام أو العيش لدى أقارب لهم من الدرجة الثانية أو الثالثة.

البحث عن أطفال منفصلين أو غير مصحوبين إثر الزلزال كان أمراً شائكاً، خاصة في دور الأيتام الأربعة الموجودة في إدلب والتي خلت من أيّ منهم بحسب ما أفادنا به المسؤولون عنها، قبل أن يفتح مركز “كرماء للأيتام النبلاء” أبوابه لهم.

المشكلة ذاتها واجهها المركز  الذي استغرق بناؤه نحو شهرين، وهي البحث عن الأطفال المنفصلين وغير المصحوبين الذين خلفهم الزلزال، يقول حسن الجنيد مدير المركز  “انطلقنا بحثاً عن أطفال فقدوا أهليهم في القرى والمخيمات، ووجدنا عدداً منهم في مخيم قرب مدينة جنديرس التي كانت من أكثر المناطق تضرراً بالزلزال، كما كان لنا جولة على عدد من المستشفيات للبحث عن حالات الهرس للأطفال ممن فقدوا ذويهم”، وكان منهم ياسمين التي تحدّثنا عنها.

يتألف مبنى “كرماء” المقام في إدلب من أربعة طوابق جُهزت لتناسب الاحتياجات المتنوعة للأطفال المنفصلين أو غير المصحوبين، إذ يحتوي الطابق الأول على غرف استشفاء وصيدلية ،قاعة استقبال وغرف مبيت للمربيات، فيما خصص الطابق الثاني لغرف النوم والمعيشة للأطفال الذكور إضافة لصالة تدريب، كذلك الطابق الثالث الذي احتوى على غرف معيشة ونوم للطفلات ومطعم وصالة لهم، أما الطابق الأخير فكان لغرف المطالعة والخدمات وغرف معيشة للمربيات.

يتبع مركز كرماء للأيتام النبلاء  لمنظمة “بسمة نور” التي تعنى برعاية الأطفال الأيتام، ويستضيف بشكل مبدئي 52 طفلاً يتيماً بينهم 32 طفلاً فقدوا ذويهم نتيجة الزلزال تتراوح أعمارهم بين 5 و12 عاماً، بحسب حسن جنيد مدير المركز.

زيد أصغر مستضاف في المركز، طفل في الرابعة من عمره فقد جميع أفراد عائلته، مثله عائشة ذات الأعوام السبعة دفن والداها وأقاربها أيضاً، ولكل طفل هناك قصة وحّدهم الألم والقسوة والسكن في المركز الذي يقدم لهم الرعاية، بحسب مديره، حتى سن 12 عاماً وأسماها بالمرحلة الأولى، أما المرحلة الثانية فتبدأ بعد ذلك لدعمهم في تحصيلهم العلمي المدرسي أو إلحاقهم بمهن تساعدهم على إعالة أنفسهم وتكوين حياتهم الخاصة.

لياسمين خالة ترافقها في رحلة علاجها داخل المستشفيات وتوصلها بعد ذلك إلى مركز كرماء، تقول إنها لن تتخلى عن ابنة شقيقتها وإن المركز يساعدها على تحسين صحة ياسمين وتحصيلها العلمي. القسم الأكبر من الأطفال المنفصلين أو غير المصحوبين استضيفوا من قبل أقاربهم، يكملون رحلة علاجهم ويحاولون بجهد إكمال حياتهم بعيداً عن ما عاشوه وقت الزلزال وما خلفه من فقد.

تحلم سارة صوراني، 12 عاماً، وتسكن اليوم مع جدتها في مدينة سلقين بريف إدلب بعد أن هدّم الزلزال منزل عائلتها في المدينة وأفقدها عائلتها باستثناء أخيها الصغير، بأن “تصبح طبيبة تحقيقاً لحلم والدها الذي فقدته”، تقول إنها تسعى لذلك رغم ما تعيشه من ظروف نفسية وجسدية قاسية.

تشكو سارة من متلازمة الهرس، إضافة لمشكلات نفسية، بعد أن علقت لأكثر من 30 ساعة قبل إنقاذها من تحت الردم، حالها حال مئات الأطفال في المنطقة، يقول الطبيب النفسي محمد علي إن “عدداً من هؤلاء الأطفال يصابون بصدمات نفسية ولا يستطيعون إكمال حياتهم بشكل طبيعي مثل باقي الأطفال دون تدخل من قبل اختصاصيين من أجل معالجة الكرب الذي يعيشونه”.

 وعن كيفية علاجهم تحدث الطبيب محمد عن “تقنيات حديثة تدعى برامج تعلم أساليب البقاء TRT  وهي مفيدة للأطفال للتخلص من المشاكل النفسية والصدمات التي تعرضوا لها”

في حفل افتتاح مركز كرماء وقفت ياسمين على قدميها بعد أشهر من العمليات الجراحية، بثقة وجّهت رسالة للأطفال الذين فقدوا ذويهم آملة أن يتجاوزوا ما يشعرون به من مشكلات نفسية وجسدية والعودة إلى الحياة من جديد بالكثير من الأمنيات.